موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أيها الأحبّة، نحن لا نحتفل اليوم فقط بانتقال مريم بالنفس والجسد إلى السماء، بل نحتفل بدعوتنا نحن أيضًا. هذا العيد ليس مجرد تكريم لمريم، بل هو مرآة لما نحن مدعوّون إليه: أن ننتقل، نحن أيضًا، من عالم التراب إلى عالم النور، من الخوف إلى الثقة، من الخطيئة إلى النعمة، من الأرض إلى الله. العذراء مريم لا تبتعد عنّا عندما تدخل مجد السماء... بل تسبقنا، وتقول لكل واحد منّا: "هلمّ ورائي، فأنت مدعوّ مثلي إلى المجد، شرط أن تختار الطريق!"
فلنفتح قلوبنا على نور القراءات، علّها تجدبنا معها إلى العلى، حيث راحتنا ومقامنا الحقيقية.
الله يخاطبني اليوم
1. من رؤيا يوحنا (رؤ 11:19؛ 12:1-6، 10)
امرأة مُلتفّة بالشمس، على رأسها إكليل من 12 كوكبًا، وتحت قدميها القمر... صورة بهيّة. لكنّها في مخاض، والتنين يقف متربّصًا، يريد أن يبتلع ابنها. هذه المرأة هي مريم، لكنها أيضًا صورة الكنيسة، بل صورة كلّ واحد منّا. كل نفس تريد أن تلد المسيح في قلبها، ستُحارب.
لكنّ الرسالة واضحة: الله أعدّ للمؤمنين ملجأ، والانتصار حتمي. وها هو صوت في السماء يهتف: "اليوم تمّ النصر والقدرة والمُلك لإلهنا!"
وقفة وتأمل: أنا اليوم، هل أشبه مريم المنتصرة، أم أعيش في ظلّ التنين؟ هل أهرب إلى ملجأ الله؟ أم أواجه الشرّ وحدي؟ عيد اليوم يدعوني أن أختار: إما أن أُولد مع المسيح، أو أُبتلع باليأس والخوف.
2. من المزمور (مز 44)
"وقفت ملكتنا عن يمينك، بذهب أوفير..." المزمور يرينا مريم كملكة، مزفوفة إلى الملك، يتبعها موكب من العذارى. لكنّ الطريق إلى هذا المجد يبدأ من هذه الكلمات: "إسمعي يا بنت، وانظري، وأميلي أذنكِ... انسَي شعبكِ وبيت أبيكِ."
وقفة وتأمل: إذا أردتُ أن أقف يومًا عن يمين الملك، عليّ أن أترك خلفي ما يُثقلني: الخطية، التعلّق، الخوف، الماضي، العادات التي لا ترضي الله. مريم نالت المجد، لأنها تركت كل شيء، وقالت: "ليكن لي حسب قولك."
3. من رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنتس (15: 20–27)
"الموت قد ابتُلع في النصر!" بولس لا يقدّم لنا هنا شعارات، بل يعلن حقيقة: المسيح قام، ومريم تلَتْه، ونحن أيضًا مدعوون لنقوم. لكن هذه القيامة لا تبدأ بعد الموت، بل من الآن: عندما أختار الحياة مع الله بدل العبودية، عندما أرفض الاستسلام للخطيئة، وأؤمن أن نعمتي تكفي.
وقفة وتأمل: هل أنا أعيش كما لو أن الموت هو النهاية؟ أم أؤمن أن الله يدعوني للحياة، هنا والآن؟ مريم لم تخف من مشيئة الله، فصارت أولى المُتَّحدين بالمجد. وأنا، ماذا أنتظر؟
4. من إنجيل لوقا (1: 39-56) – لقاء مريم وأليصابات
في هذا الإنجيل، نرى قلب مريم في أبهى صورة:
تقوم وتذهب لتخدم
تُنشد المجد لله
تعترف بعظائم الرب
تعكس قلبًا ممتلئًا نعمة وإيمانًا
يسوع يقول في إنجيل آخر: "طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها!" واليوم، نرى مريم فعلًا تحفظها وتعيشها.
وقفة وتأمل: هل أكتفي بسماع الإنجيل؟ أم أعيشه؟ هل يحرّكني الإيمان للخدمة، كما فعلت مريم؟ أم أني أحتفظ بكلمتي، لا بكلمة الله؟
الرسالة اليوم: الانتقال الحقيقي يبدأ من هنا
عيد انتقال العذراء هو دعوة: أن أرتفع، وأنا على الأرض. أن أعيش كما في السماء، وأنا في البيت، في العمل، في الألم، في الخيارات اليومية.
مريم لم ترتفع هربًا من الواقع، بل لأنها عاشت الواقع بعيون الله. أنا أيضًا، إذا أردت أن أُكرَّم مثَلها، عليّ أن أختار طريقها:
الإيمان دون شروط
الطاعة دون مساومة
الخدمة دون مصلحة
التسبيح حتى في الصمت.
في الختام: أيها الأحبّة، مريم انتقلت لأنها عاشت للرب، لا لنفسها. اليوم، الرب يدعوني أنا وانت: أن أبدأ بالانتقال. من الحقد إلى الغفران، من الإدمان إلى الحرية، من الإهمال إلى الصلاة، من الذات إلى الآخر. هي انتقلت بجسدها، لكن أنا وانت أيضًا مدعو أن أنتقل كل يوم: من الإنسان العتيق، إلى الإنسان الجديد.
صلاة ختامية:
يا أمّنا مريم، أنتِ لم تكوني غريبة عنّا، بل واحدة منّا، ولكنكِ اخترتِ أن تكوني دومًا للرب. علّميني أن أسمع الكلمة وأحفظها، أن أترك ما يُثقلني، وأن أختار طريق النعمة لا طريق العالم. اجذبي قلبي إلى السماء، واجعليني، مثلكِ، هيكلاً حيًا لله. آمين.