موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ أغسطس / آب ٢٠٢٥

التجلي.. دعوةٌ للصعود من عمق الواقع إلى مجد الربّ

بقلم :
الأب سالم لولص - الأردن
التجلي.. دعوةٌ للصعود من عمق الواقع إلى مجد الربّ

التجلي.. دعوةٌ للصعود من عمق الواقع إلى مجد الربّ

 

أيّها الأحبّاء، نحتفل اليوم بعيد التجلّي، أحد الأعياد التي تحمل لنا رجاءً ونورًا في وسط العتمة التي نعيشها. لكن لنسأل أنفسنا بصدق :هل هذا النور الإلهيّ، الذي أضاء وجه يسوع على الجبل، يصل إلى وجوهنا نحن؟ إلى بيوتنا؟ إلى علاقاتنا؟ إلى قراراتنا؟ أم إنّنا، في كثير من الأحيان، نُطفئه بخطايانا، بانشغالاتنا، بمشاكلنا، وببرودة علاقتنا مع الله ومع بعضنا البعض؟

 

دعونا نقرأ معًا هذه القراءات، لا كأنّها كلمات قديمة، بل كمرآة تعكس حالتنا نحن اليوم.

 

 

١. دانيال: نورُ المجد، في وسط نار الدينونة

 

النبي دانيال يصف الله كملك عظيم، "قديم الأيّام"، ناصع النور، جالس على عرش من نار، وأمامَه الألوف يسجدون. وفي المشهد، يأتي "ابنُ الإنسان" على سحاب السماء، ويُعطى سلطانًا أبديًا. نعم، يسوع هو هذا "ابن الإنسان" الذي رأيناه متجلّيًا على الجبل.لكن هذا المشهد السماوي ليس بعيدًا عنّا.

 

إنّه يقول لنا: "أنا لست فقط ربًّا في السماء، بل أيضًا في واقعكم، في بيوتكم، في قلوبكم. فهل تعطونني السلطان؟ أم تتركونني خارجًا؟". كثيرًا ما نعيش كما لو أنَّ الله ليس ملكًا على حياتنا: نُقرّر بدونه، نُربّي أولادنا كما لو أنّ الإيمان تفصيل،نحلّ مشاكلنا بالعصبيّة لا بالمحبّة، ونختار أن نعيش حياتنا وكأنّها ملكنا الشخصي. هل أعطينا المسيح "سلطانًا لا يزول" في قلبنا؟ أم أعطيناه فقط بضع دقائق في الأسبوع؟

 

 

٢. المزمور: عندما يذوب الكبرياء أمام حضوره

 

"الربّ ملك، فلتبتهج الأرض!" يقول المزمور، ويضيف أنَّ "الجبال تذوب كالشمع من وجهه".

 

يا إخوتي، كم من جبالٍ زرعناها في حياتنا: جبال الكبرياء، حيث كلّ واحد منّا يصرّ على رأيه؛ جبال الغضب داخل بيوتنا؛ جبال البرودة الروحيّة، حيث توقّفنا عن الصلاة أو المشاركة في حياة الكنيسة. لكنّ الربّ، حين يدخل، يُذيب كلّ هذا... إن سمحنا له. هل نترك الرب يدخل بيتنا ليذيب الجمود بين الزوج والزوجة؟ هل نتركه يذيب العناد مع أولادنا؟ أو المسافات بين الإخوة؟

 

 

٣. بطرس الثانية: شهادة وسط العتمة

 

بطرس لا يتحدّث فقط عن مجدٍ رآه، بل عن نورٍ صار دليلاً له. يقول: "تحسنون عملاً إذا نظرتم إليه كمصباح يضيء في مكان مظلم." كم نحتاج هذا المصباح في عتمات واقعنا:  في زواجٍ متعب، في تربية أولاد تواجه تحدّيات التكنولوجيا والانفصال، في شبابٍ تائه لا يعرف من هو، في نفسٍ مثقلة بالخوف، بالإحباط، أو بالذنب. يسوع، المُتجلّي، هو نورٌ واقعيّ. لا يهرب من الحياة، بل يدخل عتمتها لينيرها. هل نعطيه مساحة ليضيء؟ أم نُطفئ المصباح، ونهرب من الحقيقة؟

 

 

٤. الإنجيل: المجدُ وسط الصلاة… والواقع

 

إنجيل لوقا يكشف لنا أجمل مشهد: يسوع يُصلّي، فيتجلّى. لكن المفارقة، أنَّ التجلّي لم يكن هروبًا من الواقع، بل استعدادًا له: يسوع كان يتكلّم عن "رحيله" – أي موته على الصليب. المجد ليس نهاية القصة، بل طريقٌ إلى الصليب، ثم إلى القيامة. ونحن أيضًا، نختبر أحيانًا لحظات نور: في الصلاة، في القدّاس، في مصالحة عميقة، في موقف محبّة صادق...

 

لكننا كثيرًا ما نُطفئ هذا النور بأنفسنا، حين نعود من الجبل إلى نفس الخطايا، نفس الكلام القاسي، نفس الإهمال. بطرس قال: "فلنصنع ثلاث خيام". أراد أن يثبّت اللحظة. لكن يسوع دعاه للنزول، ليكمّل الرسالة. هل نحتفظ بالنور فقط للحظات؟ أم نحمله معنا إلى واقعنا؟

 

 

الخلاصة: التجلّي يبدأ من هنا

 

أيّها الأحبّاء، يسوع لا يريد فقط أن يتجلّى على الجبل، بل فيك، في بيتك، في مشاكلك، في قراراتك، في قلبك المُتعب. لكنه لا يفرض نفسه. هو يدعونا أن نُصغي، أن نفتح له الباب، أن نسمح لنوره أن يغيّرنا. اليوم، أمامنا اختيار: إمّا أن نطفئ النور باللامبالاة، أو أن نسمح له أن يُضيء زوايا حياتنا المظلمة. فلنصغِ لصوت الآب يقول لنا من جديد: "هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا." آمين.