موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥

مُقابلةٌ حصريّةٌ مع البابا لاوُن الرَّابع عشر

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
البابا لاون الرابع عشر

البابا لاون الرابع عشر

 

في يوم الـ8 من مايو/أيَّار لعام 2025، اُختيِر الأخ والأب الأغُسطينيّ "روبرت فرنسيس بريفوست"، وأسقف إيبارشيّة "شيكلاجو" البيرونيّة من قَبل، وكاردينال الكنيسة الكاثوليكيّة منذ 2023، ليكون البابا لاوُن الرَّابع عشر، البابا الـ267 للكنيسة الكاثوليكيّة. وجديرٌ بالذّكر أنّه أوّل بابا من أمريكا الشّماليّة، والثّاني على التّوالي من القارة الأمريكيّة، بعد البابا الأرجنتينيّ مثلّث الطّوبى البابا فرنسيس (1936-2025)، وأوّل بابا من الرّهبنة الأغُسطينيّة (نسبةً للقدّيس أغسطينُس).

 

لقد صَدَرَ في هذه الأيّام كِتابٌ جديدٌ عن البابا لاوُن الرَّابع عشر، بعنوان: «لاوُن الرَّابع عشر: مُواطنٌ عَالَميّ، مُرسَلُ القرن الحادي والعشرين»؛ وهو للكَاتبة "إليس أنّ ألّين". وقد احتوى بدوره على مُقابلةٍ حصريّةٍ أُجريت مع قداسته؛ وجاءت بمثابة الباب السّابع والأخير من الكِتاب. وفي هذا المقال، أُقدّم مقتطفاتٍ مختارةٍ وموجزةٍ لمضمون بضعة محاور هذه المقابلة الحصريّة مع قداسة البابا.

 

وكما تشرح مؤلِّفةُ الكِتاب، والتي أجريت المقابلة الحصريّة مع البابا لاوُن الرَّابع عشر أيضًا، بأنّ هذه المقابلة هي الثّانية مع قداسته، وقد أُجريت في الـ30 من يوليو/تموز لعام 2025، في شقته داخل قصر "السّانت أُفيتسيو" بالفاتيكان، حيث عاش قبل انتخابه وبعده مباشرةً. وقد عَرَضَ في هذه المقابلة وجهةَ نظره حول كونه أوّل بابا من أمريكا الشّماليّة، وكيف يفهم دورَ "البابويّة"، ونهجه في التّعامل مع القضايا الجيوسياسيّة، بدءًا من حروب غزة وأوكرانيا وصولًا إلى التّعامل مع الصّين والولايات المتّحدة. كما يناقش البابا قضايا كنسيّة، مثل السّينودسيّة، ودور المرأة، والتّواصل مع مجتمع المثليّين جنسيًّا، والاستقطاب والانقسام اللذَيْن يُؤرقان الكنيسة والمجتمع، بالإضافة إلى مواضيع أُخرى مثل المسكونيّة والحوار بين الأديان، وعام يُوبيل الرّجاء، وتأمُّلاته حول الذّكاء الاصطناعيّ.

 

 

1. إصلاحاتُ البابا فرنسيس

 

في إطار الإصلاح الذي أطلقه مثلّث الطّوبى البابا فرنسيس، أوضح البابا لاوُن الرَّابع عشر أنّه قد اتُّخذت قرارات بالغة الأهمّيّة. وقد تحسّنت الأمور مقارنةً بما كانت عليه قبل عشر سنوات من حبريّة البابا فرنسيس، ويجب أن يستمرّ ذلك. فهنالك المزيدُ ممّا ينبغي عمله في هذا الصّدد.

 

 

2. اختيارُه كخليفةٍ للقدّيس بطرس

 

فيما يتعلّق بكونه البابا الحالي للكنيسة ومهمّته كبابا، أشار قداسته إلى أنّ اختياره للكرسيّ البابويّ هو أمرٌ لا يتحقّق إلَّا بنعمة الله؛ ولا تفسير آخر له. إنَّ الرُّوح القُدس هو السّبيل الوحيد لتفسير اختياره كبابا. ومن خلال هذا الاختيار، هو مدعوّ لتثبيت الآخرين في إيمانهم؛ فهذا هو الدّور الأساسيّ لخليفة القدّيس بطرس. وبفضل إيمانه، وبفضل ما اختبره في حياته، وبفضل فَهْمه ليسوع المسيح والإنجيل، قد قال "نعم، هأنذا". وإنّه يضع ضمن مهامه الأوّليّة كبابا إعلانَ الخبر السّار المتعلّق بيسوع المسيح (الإنجيل)، وبناءَ الجسور بين الأشخاص والجماعات والدّول، لتجنُّب الاستقطاب والانقسامات. 

 

 

3. غزة و"الإبادة الجماعيّة"

 

عندما سُئِلَ قداسته إزاء ما يجري لغزة وسُكُّانها، صرّح قداسته بأنّ مصطلح "الإبادة الجماعيّة" يتزايد استخدامه في هذه الأيّام. ورسميًّا، لا يعتقد الكرسيّ الرّسوليّ أنّه بالإمكان الإدلاء بأيّ تصريحٍ بهذا الشّأن حاليًا. فثمّة تعريفٌ تقنيٌ للغاية لما يمكن أن تكون عليه "الإبادة الجماعيّة"؛ ولكنّ المزيد من النّاس يثيرون هذه القضيّة، بما في ذلك منظّمتان لحقوق الإنسان في إسرائيل قد أصدرتا هذا التّصريح.

 

 

4. السّينودسيّة

 

لقد شَرَحَ البابا لاوُن الرَّابع عشر أنّ السّينودسيّة لهي موقفٌ، وانفتاحٌ، واستعدادٌ للفهم. وبالحديث عن الكنيسة، فإنّ السّينودسيّة تكمن في أن يكون لكلّ عضوٍ من أعضائها صوتٌ ودورٌ يؤدّيه. وتوجد طرقٌ عديدةٌ لتحقيق ذلك، من خلال الحوار والاحترام المتبادل. فتسعى السّينودسيّة إلى جمع النّاس معًا وفَهْم أنّ العلاقة، والتّفاعل، وخلق فرص اللّقاء، لهي أبعادٌ مهمّةٌ في كيفيّة عيشنا لحياتنا ككنيسة. ويعتقد قداسةُ البابا أنّ السّينودسيّة طريقةٌ لوصف كيف يمكننا أن نجتمع معًا ونكون جماعةً ونسعى للتّواصل ككنيسة، إذ لا ينصبّ تركيزها الأساسيّ على التّسلسل الهرميّ المؤسساتّي، بل على شعور "نحن معًا"، "كنيستنا". فلكلّ شخصٍ دعوته الخاصّة: كهنة، وعلمانيّون، وأساقفة، ومبشّرون، وعائلات. ولكلّ واحدٍ دور يؤدّيه ومساهمة ما، ومعًا نسعى إلى سُبل النّمو والسّير معًا ككنيسة. وفي نهاية المطاف، لا يتعلّق الأمر بعمليّة تحويل الكنيسة إلى نوعٍ من الحكم الدّيمقراطيّ؛ بل باحترام وفَهْم حياة الكنيسة على حقيقتها، والقول: "علينا أن نفعل هذا معًا".

 

 

5. سرُّ الزّواج وزواج الأشخاص المثليّين

 

لقد سَبَقَ لقداسة البابا لاوُن الرَّابع عشر، منذ مستهلّ حبريّته، أن تحدّث عن الزّواج كسرٍّ، كما فعل من قَبله البابا فرنسيس. وقد أعلن في مناسبات عدّة وفي هذه المقابلة أيضًا، أنّ الأسرة هي بمثابة رجل وامرأة في التزامٍ رسميّ، مُباركَيْن في سرّ الزّواج المقدَّس. وأكّد قداسته أنّ أيّ طقسٍ لمباركة زواج الأشخاص المثليّين يُخالف تحديدًا الوثيقة التي أقرّها البابا فرنسيس، والصّادرة من قِبل "دائرة عقيدة الإيمان"، في الـ18 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2023، أي إعلان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة". فلقد أوضحت هذه الوثيقةُ أنّه يُمكن مباركة جميع النّاس، و"مَنْحُ البركات" للأشخاص المثليّين جنسيًّا؛ ولكن لا ينبغي لنا البحث عن طريقةٍ لإضفاء طابعٍ طقسيٍّ على هذه النّوع من البركة للأشخاص المثليّين، فليس هذا هو ما تُعلّمه الكنيسة.

 

 

6. الحركةُ المسكونيّة والسّعي نحو وحدةٍ مسيحيّةٍ حقيقيّةٍ

 

على غرار المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، أكّد البابا لاوُن الرَّابع عشر على أهمّيّة السّعي نحو وحدةٍ حقيقيّةٍ بين جميع المسيحيّين، فهو أمرٌ ضروريّ، وبمثابة أحد أهداف الكنيسة اليوم. وانقسامنا كمسيحيّين لهو من أعمق الجروح في حياة الكنيسة اليوم. لذا، فقد أشار إلى دوره في "بناء الجسور"، بغضّ النّظر عن المشقّات والصّعوبات؛ فأحيانًا يكون بناءُ الجسور مع غير المسيحيّين أسهل من بناء الجسور مع جيراننا المسيحيّين. وفي إطار حديثه عن الاحتِفال بمُرور 1700 عامًا على انعِقاد مجمع "نِيقيَا" المسكونيّ، صرّح قداسةُ البابا أنّه مهتمٌّ للغاية بهذا الاحتفال، ولديه رجاءٌ أنّه سيذهب إلى مدينة نيقيا (تركيا) في نهاية نوفمبر/تِـشْرِين الثّاني لهذا العام الجاري. ولن يلتقي ببطريرك القسطنطينيّة برثلماوس فحسب، وإنّما بقادة كنسيّين آخرين، لتكون مناسبةً مسكونيّةً على نحوٍ أوسع وأشمل، إذ سيُدعَى لهذا اللّقاء أيضًا قادة العديد من الدّيانات والعائلات المسيحيّة المتنوّعة للمشاركة في هذا الاجتماع المزمع في نيقيا. وعلى هذا النّحو، يسعى البابا من خلال خدمته للكنيسة وللمؤمنين نحو بناء الجسور في هذا المضمار أيضًا، انطلاقًا من إيماننا جميعًا بيسوع المسيح، ابن الله ومخلّصنا.

 

ووفقًا لقداسة البابا، مع أنّ إيجاد موعد مشترك لعيد الفصح المسيحيّ لأمرٌ مُعقّدٌ للغاية، بدءًا من الفرق بين التّقويمَيْن الغريغوريّ واليوليانيّ، إلَّا أنّه إحدى القضايا الملموسة للغاية، ولا تزال محلّ اهتمامٍ ونقاشٍ، وعلى جدول أعماله. وقد اتُّخذت بعض الخطوات حياله، للبحث عن طُرق عمليّة مختلفة لمعالجته، والتّوصُّل إلى اتفاقٍ جادّ بشأنه.