موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تَنبَعُ أَهمّيَّةُ ديرِ رافات مِن كَونِهِ مَركزًا مَريَمِيًّا كاثوليكيًّا محليا وعالميا، يَجمَعُ المُؤمِنينَ مِن كُلِّ الرَّعايا وَالأَبرشيّاتِ حولَ شَخصِ العَذراءِ مَريَم، سُلطانَةِ فِلسطينَ، الَّتي تُجَسِّدُ الحُضورَ الأُمومِيَّ لِلكنيسةِ في حَياتِها اليَوميَّةِ. فَمِن هُنا تَنطَلِقُ رِسالةُ السَّلامِ وَالمَحبَّةِ لِتَطالَ كُلَّ قَلبٍ وَعائِلَةٍ في الأَرضِ المُقدَّسَةِ.
يُعَدُّ مزار سلطانة فلسطين في ديرُ رافات أَحدَ أَهمِّ المَعالِمِ الرُّوحيَّةِ في الأَرضِ المُقدَّسَةِ، لا لِجَمالِ مَوقعِهِ الطَّبيعيِّ فَقط، بَل لِعُمقِ رِسالَتِهِ الإِيمانيَّةِ في تَثبيتِ الإِيمانِ وَإِحيائِهِ في قُلوبِ المؤمنينَ. فَمُنذُ تَأسيسِهِ على يَدِ البطريركِ لويجي بارلاسّينا، حَمَلَ المَزارُ هَدَفًا رَسوليًّا عَميقًا: أَن يَكونَ قَلبًا نابِضًا بِالصَّلاةِ وَالوَحدَةِ وَالسَّلامِ في فِلسطينَ.
تعتبر الكَنَيسَةُ المَحلِّيَّةُ هذا المَزارَ مَدرَسَةً لِلتَّقوى وَالإِيمانِ، حَيثُ يَتَوافَدُ إِلَيهِ الكَهَنَةُ وَالرُّهباتُ وَالشَّبابُ وَالمُؤمِنونَ لِلمُشارَكَةِ في الرِّياضاتِ الرُّوحيَّةِ وَالأَيّامِ الخَلْوِيَّةِ. وَيُشَكِّلُ المَكانُ مَلاذًا لِكُلِّ مَن يَبحَثُ عَنِ الهُدوءِ وَاللِّقاءِ الشَّخصيِّ مَع اللهِ، وَيُساعِدُهُم عَلى تَجدِيدِ إِيمانِهِم وَتَعميقِ وَحدَتِهِم بِالمَسيحِ.
وَيُعتَبَرُ المزار أيضا نُقطَةَ جَذبٍ سِياحِيٍّ وَدينيٍّ لِلحُجّاجِ المَسيحيّينَ مِن مُختَلَفِ أَرجاءِ العالَم، خُصوصًا في الأَعيادِ وَالاِحتِفالاتِ الدِّينيَّةِ، وَبِالأَخصِّ في عيدِ سَيِّدَتِنا مَريَمَ العَذراءِ سُلطانَةِ فِلسطينَ الَّذي يُحتَفَلُ بِهِ في الخامِسِ وَالعِشرينَ مِن تِشرينَ الأَوَّل (أُكتوبَر) مِن كُلِّ عامٍ.
يُعَدُّ الاِحتِفالُ بِعيدِ سَيِّدَتِنا مَريَمَ العَذراءِ، سُلطانَةِ فِلسطينَ، مُناسَبَةً دِينيَّةً مُهِمَّةً لَدى المَسيحيّينَ الكاثوليك في فِلسطينَ وَحولَ العالَم. فَهُوَ تَكريمٌ خاصٌّ لِلسَّيِّدَةِ العَذراءِ مَريَمَ تَحتَ لَقبِ "سُلطانَةِ فِلسطينَ"، وَيُعبِّرُ هذا اللَّقبُ عَن دَورِها كَحامِيَةٍ لِلأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَرَمزٍ لِلسَّلامِ وَالمَحبَّةِ فيها. كما يُعتَبَرُ هذا العيدُ رَمزًا لِلتَّضامُنِ وَالوَحدَةِ بَينَ المُؤمِنينَ وَرُعايا الأبرَشِيَّةِ، فَكَمَا تُوحِّدُ الأُمُّ أَبناءَ عائِلَتِها في المَحبَّةِ، كَذلِكَ تَجمَعُ العَذراءُ مَريَمُ جَميعَ أَبناءِ الكَنيسَةِ تَحتَ رِعايَتِها وَشَفاعَتِها الأُمومِيَّةِ.
التَّسميَة
يُحتَمَلُ في أصلِ تَسمِيَةِ رافات اِحتمالانِ لغويّانِ رئيسيّانِ:
الاحتمالُ الأوَّل: أَنَّ لَفظةَ رافات مُشتقَّةٌ مِن جِذرِ الفِعلِ رَفا، الَّذي يُفيدُ اللِّينَ وَالتَّراخِي وَالرِّفاءَ وَالشِّفاءَ. وعَلى هذَا الأَساسِ، يُمكِنُ أَن يَكونَ مَعناها مَكانَ الرّاحَةِ وَالاِستِشفاءِ، وهو تَفسيرٌ يُناسِبُ طَبيعةَ المَوقِعِ الهَادِئِ وَهَواؤهُ النَّقِيَّ وَمَناظِرَهُ الخَلّابَةَ.
الاحتمالُ الثّاني: أَنَّ الاِسمَ رافات مُشتقٌّ مِن الفِعلِ رَفَتَ، وَيُقالُ: رَفَتَتِ العِظامُ تَحتَ التُّرابِ، أَي تَحَطَّمَت وَصارَت رُفاتًا. وَيُؤَيِّدُ هذَا الاِحتمالَ ما وُجِدَ في المَنطِقَةِ مِن كَثرةِ القُبورِ وَالمَدفَنِ الأَثَرِيَّةِ، وَقد شاهَدَ الكاتبُ نَفسُهُ تِلكَ الآثارَ أَثناءَ مُرافَقَتِهِ لِمُعلِّمِهِ الأَب بللرمينو باغاتي (Bagatti) في أَعمالِ مَسحِ الأَرضِ في ديرِ رافات.
وبِهذا يَبقى الاِسمُ، بِغِناهُ اللُّغويِّ وَتَاريخِهِ الأَثَريِّ، يَجمَعُ بَينَ مَعنَيَيْ الحَياةِ وَالمَوتِ، وَبَينَ الرّاحَةِ وَالرُّقادِ، كَما يَجمَعُ المَكانُ اليَومَ بَينَ الرُّوحِ وَالمادَّةِ، وَبَينَ الأَرضِ وَالسَّماءِ.
المَوقِعُ والتَّاريخُ الجُغرافيّ
يَقَعُ دَيرُ رافات في مَنطِقَة تَلاليَّةٍ خَضراءَ جَميلةٍ، قَريبةٍ مِن قَريةِ صَرْعَة التّاريخيَّةِ، وَتُعَدُّ صَرْعَةُ مِن أَقدَمِ المَواقِعِ المَذكورَةِ في المَصادِرِ القَديمَةِ، إِذ وَرَدَ اِسمُها في رَسائِلِ تَلِّ العَمارنَة في مِصرَ (القَرنِ الرّابِعِ عَشَرَ قَبلَ المِيلادِ)، وَكَانَ بالإِمكانِ الوُصولُ إِلَيها عَبرَ الطَّريقِ الرّئيسيِّ الَّذي يَربِطُ بَينَ بَيتِ جِبرين وَمَمرِّ بابِ الوادِ.
تَبعُدُ القَريةُ نَحوَ 30 كيلومترًا إلى الغَربِ مِن القُدسِ، وَقُرابةَ 5 كيلومتراتٍ عَن بَيتِ شَمش، فِي الجُزءِ الوَسَطِ مِن فِلسطينَ. يَرتَفِعُ المَوقِعُ عَن سَطحِ البَحرِ نَحوَ 500 مِترٍ، وَيُشْرِفُ عَلى سَهلِ اللَّطرون الخَصيبِ وَتَلالِ أقِصى الشَّرقِ السَّاحليّ، مِمّا يُكْسِبُهُ مَنظَرًا بانوراميًّا يُتيحُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَتَأمَّلَ جَمالَ الخَليقَةِ وَرَوعةَ المَشهَدِ الطَّبيعيِّ الَّذي يُحيطُ بِالمَكانِ.
تَتَميَّزُ المِنطَقَةُ بِمُناخٍ مُعتَدِلٍ صَيفًا وَمائلٍ إلى البُرودَةِ شِتاءً، وَتَنتَشِرُ فِيها الأَشجارُ البَرِّيَّةُ كَالبَطْمِ وَالسِّندِيانِ وَالزَّيتونِ، مَع مَساحاتٍ زِراعيَّةٍ واسِعَةٍ تُحيطُ بِالدَّيرِ مِن جِهاتِهِ كافَّةٍ. وَيُعَدُّ ديرُ رافات واحِدًا مِن أَجمَلِ المَواقِعِ في الهَضابِ الغَربيَّةِ لِفِلسطينَ، لِما يَتَمَتَّعُ بِهِ مِن هُدوءٍ وَسَكينَةٍ وَجَمالٍ طبيعيٍّ يُلهِمُ الصَّلاةَ وَالتَّأمُّلَ.
تعتَبَرُ قَريةً ديرُ رافات اليوم قرية فِلسطينيَّةً مُهجَّرَةً، تَقَعُ إلى الغَربِ مِن مَدينَةِ القُدسِ، وقد تَمَّ اِحتِلالُها في الثّامِنَ عَشَرَ مِن تَمّوز سَنَةَ 1948م. كانَ يَبلُغُ عَدَدُ بُيوتِها آنذاكَ نَحوَ 157 بَيْتًا، وكانَ سُكّانُها يُقدَّرونَ نَحوَ 390 نَسَمَةً وَلَم يَبقَ مِنها اليَومَ إِلّا القَليلُ.
بَعدَ عامِ 1948، استَأجَرَت نَفرٌ مِن قَبيلَةِ الصَّانِع، وَهُم مِن بدوِ النَّقبِ، رُقعَةً مِن أَراضي القَريةِ مِن دَيرِ اللّاتينِ، الَّذي يَملِكُ الأَرضَ، وَأَقَاموا فيها بَعضَ الخِيامِ بِالقُربِ مِن دَيرِ رافات، وَما زالَ بَعضُ أَحفادِهِم يُقيمونَ في المَنطِقَةِ حتّى اليومِ.
اليَومَ، تَقطُنُ في دَيرِ سُلطانَةِ فِلسطينَ نَحوَ خَمسَ عَشرَ راهِبَةً مِن جَماعَةِ راهِباتِ بيت لحم ِ، وَيَعتَنينَ بِالمَزارِ
بالصَّلاةِ الدّائمةِ وخِدمةِ الزائرينَ والرّهبانِ والراهباتِ الّذينَ يقصدونَهُ للرياضةِ الرّوحيّةِ أو الخِلوةِ الدّاخليّةِ.
وَتُزرَعُ في أَراضي الدّيرِ أَشجارُ الزَّيتونِ وَكُرومُ العِنَبِ، وَتُقيمُ عِندَ مَدخلِ الدّيرِ ثَلاثُ عائِلاتٍ عَرَبِيَّةٍ تُساعِدُ في الإِشرافِ عَلى الزِّراعَةِ وَصِيانَةِ الأَرضِ. يُشَكِّلُ الدَّيرُ، بِنِظامِهِ العِمَارِيِّ المُحكَمِ وَمَوقِعِهِ الإِستراتيجيِّ بَينَ القُدسِ وَبَيتِ شَمش، مَعْلَمًا دِينيًّا وَتاريخيًّا بارِزًا، وَمُحَطَّةً هامَّةً في طَريقِ الحُجّاجِ المُتَّجِهينَ نَحوَ المَواقِعِ المُقَدَّسَةِ. وَيُعتَبَرُ هذا المَكانُ اليومَ جِسرًا بَينَ الشَّرقِ وَالغَربِ، وَبَينَ الحُجّاجِ وَالأَرضِ الَّتي مَشى عَلَيها المَسيحُ، حَيثُ يَجِدُ الزّائِرُ فيهِ سَلامَ النَّفسِ وَجَمالَ الإِيمانِ. وهكذا يُمثِّلُ دَيرُ رافات اليومَ نُقطَةَ تَلاقيٍ بَينَ الإِيمانِ وَالتّاريخِ وَالإنسانِ، يَشهَدُ على جُراحِ الأرضِ وَجَمالِها، وَيَنهَضُ كَمَعلَمٍ رُوحيٍّ يَجمَعُ بَينَ الأَصالَةِ الفِلسطينيَّةِ وَالذّاكرةِ الكَنَسيَّةِ في آنٍ واحِدٍ.
تاريخُ مَزارِ سُلطانَةِ فِلسطينَ في ديرِ رافات
يُعبِّرُ لَقبُ "سُلطانَةِ فِلسطينَ" عن مَكانَةِ السَّيِّدَةِ العَذراءِ مَريَم كَحامِيَةٍ لِلأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَلِشَعبِها، وَهُوَ تَعبيرٌ عَنِ الأَملِ فِي تَحقيقِ السَّلامِ وَالعَدالَةِ فِي فِلسطينَ. يَحمِلُ هذَا اللَّقبُ مَعنىً رُوحيًّا وَرَمزِيًّا عَميقًا، إِذ يُظهِرُ الارتِباطَ الخالِدَ بَينَ العَذراءِ مَريَم وَالأَرضِ الَّتي شَهِدَت أَحداثَ الخَلاصِ فِي حَياةِ الرَّبِّ يَسوعَ وَوالِدتِهِ الطّاهِرَةِ.
في 15 تَمّوز 1920م، أَنشَأَ غِبطَةُ البَطريركِ اللّاتينيّ لويجي بارلاسّينا (Luigi Barlassina) صلاةً خَاصَّةً لِـ"سَيِّدَةِ فِلسطينَ"، لِيُكرِّسَ أَبرشيَّتَهُ لِلهِ بِشَفاعةِ العَذراءِ مَريَم. وَكانَ البَطريركُ بارلاسّينا أَوَّلَ مَن أَطلَقَ عَلَيها لَقبَ "سُلطانَةِ فِلسطينَ"، مُستَشفعًا بِحِمايَتِها لِلدِّيارِ الفِلسطينيَّةِ. وَفي كَلمَةِ التَّدشينِ قالَ: "إِلى خَيرِ هذِهِ البِلادِ المُقَدَّسَةِ الَّتي تَستَقطِبُ اِهتِماماتِ العالَمِ كُلِّه، أُريدُ أَن أُكرِّسَ نَفسي الآنَ بِكُلِّ صِدقٍ وَمَحبَّةٍ إِلى السَّيِّدِ المَسيحِ بِشَفاعةِ مَريَمَ العَذراءِ. وَأَضَعُ بِكُلِّ ثِقَةٍ الأَبرشيَّةَ وَسُكّانَها تَحتَ حِمايَةِ مَريَمَ العَذراءِ القَديرَةِ، تَحتَ لَقبِ سَيِّدَةِ فِلسطينَ". رَأى البَطريركُ في مَريَمَ مَلكةً وَسُلطانَةً تَجمَعُ أبناءَ البِلادِ فِي وَحدَةِ الإِيمانِ وَالمَحبَّةِ، وَأَنَّها مَنبَعُ البَرَكَةِ وَالمَعُونَةِ وَرَمزُ الرَّجاءِ فِي أوقاتِ الأَزمَةِ وَالضّيقِ. وَتَتَحقَّقُ فيها نُبوءَةُ المَزمورِ: "قامَت مَلِكَةٌ عَن يَمينِكَ بِذَهَبِ أُوفير" (مزمور 45: 9).
في سَنَةِ 1927م بَنَى البَطريركُ لويجي بارلاسّينا، بطريركُ القُدسِ آنذاك، مَزارَ دَيرِ رافات الَّذي يَتوسَّطُ بَينَ القُدسِ وَبَيتِ شَمش، لِيُقيمَ فِيهِ دَيرًا وَكَنيسَةً تَكونانِ مَرجِعًا لِلتَّقوى المَريَمِيَّةِ وَمَركَزًا لِلحُجّاجِ المُتَوَجِّهينَ إلى الأَرضِ المُقَدَّسَةِ. حَمَلَ هذا المزار اِسمَ "سُلطانَةِ فِلسطينَ"، جاءَ هذا الإِعلانُ في فَترةٍ تَمَيَّزَت بِتَقلُّباتٍ سياسيَّةٍ وَتَوتُّراتٍ في الأَرضِ المُقَدَّسَةِ، فَرَأى البطريركُ أَنَّ فِلسطينَ بِحاجَةٍ إلى حِمايَةٍ رُوحيَّةٍ وَسَلامٍ إِلَهيٍّ يَجتمعُ عليهِ جميعُ أَبناءِ الإِيمانِ. وَجاءَ في نَصِّ المرسومِ أَنَّ مَريَمَ هِيَ "المَلِكَةُ الأُمُّ الَّتي تَبسُطُ رِعايَتَها على جَميعِ أَبناءِ فِلسطينَ، مُسَيِّحِيّينَ كانوا أَم غَيرَ ذلِكَ، وَتُعْلِنُها أُمًّا حامِيَةً لِلسَّلامِ وَالوِفاقِ في هذِهِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِ". وَقَد صَمَّمَ المَبنى الأَب كِزلِر البندِكتانيّ، وَإِلى جانِبِ الكَنيسَةِ أَنشَأَ دَيرًا وَميتمًا لِلأَيتامِ. وَتَجدرُ الإِشارَةُ إِلى أَنَّ البَطريركيَّةَ اللّاتينيَّةَ كَانَت قَدِ استَملَكَت أَرضَ رافات مُنذُ عَهدِ البَطريركِ مَنسور براكو عامَ 1866.
وفي 21 آذار 1928 تمَّت مُبارَكَةُ الكَنيسَةِ فِي دَيرِ رافات، وَرَسَمَت الأُخت ماريّا جوفانينا الفرنسيسكانيَّة لَوحَةَ "سُلطانَةِ فِلسطينَ" بِطَلَبٍ مِن البَطريركِ بارلاسّينا. تُظهِرُ اللَّوحَةُ مَريَمَ العَذراءَ وَحَولَها مَلائِكَةٌ: مَلاكٌ عَن اليَمينِ يَحمِلُ التّاجَ رَمزَ المُلْكِ، وَمَلاكٌ عَنِ اليَسارِ يَحمِلُ الصُّولجانَ رَمزَ السُّلْطانِ. أَمَّا العَذراءُ فَتَقفُ فَوقَ البَحرِ الأَبيَضِ المُتوسِّطِ، بَينَ جَبَلِ صِهيونَ في القُدسِ وَجَبَلِ الكَرمِلِ، وَتَبسُطُ يَدَها اليُمنى لِتُبارِكَ شَعبَها وَأَرضَها، وَتَضَعُ اليُسرى عَلَى قَلبِها عَلامَةَ المَحبَّةِ وَالحِنانِ.
وفي 10 آذار 1929 نُصِبَ تِمثالُ البُرونزِ الكَبيرُ لِسُلطانَةِ فِلسطينَ فَوقَ واجِهَةِ الكَنيسَةِ، وَهِي تُبْسِطُ يَدَيْها بَرَكَةً عَلى أَبناءِ البِلادِ. وَفي نَفسِ العامِ خَطَّ الفَنَّانُ الفِلسطينيُّ مُبارَك سَعد عَلَى جُدرانِ الكَنيسَةِ، الدّاخِلِيَّةُ بِعِبارةِ "السَّلامُ لَكِ يا مَريَم" بِأَكثرَ مِن بِـ مائتَيْنِ وَثَمانينَ لُغَةً، تَعبيرًا عَنِ الوَحدَةِ الوَحدَةِ الكاثوليكيَّةِ العالَميَّةِ وَعَنِ الإِكرامِ الجامِعِ الَّذي تَنالُهُ العَذراءُ مِن كُلِّ شُعوبِ الأَرضِ. ومُنذُ ذلِكَ الحينِ، صارَ مَزارُ ديرِ رافات مَقصِدًا لِلمَسيراتِ الدِّينيَّةِ الكُبرى وَمَكانًا لِلتَّأمُّلِ وَالصَّلاةِ مِن أَجلِ السَّلامِ في فِلسطينَ وَالعالَمِ. ويحملَ المراز شِعارُ كَلِماتِ البطريركِ بارلاسّينا الخالِدَةَ: "تَتَكَلَّلُ مَريَمُ بِسُلطانَةِ السَّلامِ وَسُلطانَةِ فِلسطينَ".
تَتميَّزُ كَنيسَةُ سَيِّدَةِ فِلسطينَ في ديرِ رافات بِجَمالٍ مِعماريٍّ فَريدٍ يَجمَعُ بَينَ البَساطَةِ الرُّهبانِيَّةِ وَالفَخامَةِ الرُّوحيَّةِ. شُيِّدَت الكَنيسَةُ عَلَى طِرازٍ بَازيليكيٍّ بَلديٍّ (Basilica Style)، تَتَوَسَّطُها قُبَّةٌ ضَخمَةٌ تَرتَفِعُ فَوقَ المَذبحِ الرَّئيسيّ، تُجَسِّدُ فِي رَوعَتِها سَموَّ السَّيِّدَةِ العَذراءِ وَرِفعةَ مَقامِها كَسُلطانَةٍ عَلى فِلسطينَ وَحامِيَةٍ لَها. وتُحيطُ بِالمَذبحِ أَيقونَةٌ كَبيرةٌ تُظْهِرُ مَريَمَ العَذراءَ مُتوَّجَةً تَحمِلُ الطِّفلَ الإِلهيَّ يَسوع، وَتَبسُطُ ذِراعيها كَالأُمِّ الحانِيَةِ تُظلِّلُ بِرَحمتِها كُلَّ أَرضِ فِلسطينَ. أَمَّا القُبَّةُ الرَّئيسيَّةُ فَتَرتَفِعُ شامِخَةً فَوقَ المَذبحِ، مُزَيَّنَةً بِرُسومٍ تُجَسِّدُ تَتويجَ العَذراءِ مَلكَةً عَلى السَّماءِ وَالأَرضِ، وَحَولَها نُجومٌ ذَهَبِيَّةٌ تُعبِّرُ عَن مَجدِها السَّماويِّ وَإِشعاعِها الإِلَهيّ. وفي الفِناءِ الخارِجيِّ يَرتَفِعُ تِمثالٌ كَبيرٌ لمريم العذراء سَيِّدَةِ فِلسطينَ تَحمِلُ الطِّفلَ الإِلهيَّ وَتَنظُرُ بِنَظَرَةِ الأُمِّ إلى الأَرضِ المُقَدَّسَةِ، كَأَنَّها تَحتَضِنُها بِكُلِّ شَعبِها وَتُبارِكُها بِسَلامِها.
أَمَّا أَوَّلُ اِحتِفالٍ وَحَجٍّ لِعيدِ سُلطانَةِ فِلسطينَ فَقَد أُقيمَ في15 آب 1929، وَأَقَرَّهُ الكُرسِيُّ الرَّسولِيُّ عامَ 1933. وَمُنذُ ذلِكَ الحينِ أُثبِتَ العيدُ في 25 تِشرينَ الأَوَّل (أُكتوبَر)، وَيُحتَفَلُ بِهِ اليَومَ في الأَحدِ الأَخيرِ مِن تِشرينَ الأَوَّل كُلَّ سَنَةٍ، بِمُشارَكَةِ جَميعِ رَعايا الأَبرشيَّةِ وَالجَماعَاتِ الرُّهبانِيَّةِ وَالحُجّاجِ. وَتَختِمُ المَراسِمُ بِدَورَةٍ تَقليديَّةٍ حَولَ المَزارِ تَحمِلُ أَيقونَةَ العَذراءِ وَتَختَتِمُ بِبَرَكَةِ البَطريركِ وَالأَساقِفَةِ.
وَفي 16 آب 1933 وافَقَ مَجمَعُ اللِّيتورجيا في رُوما عَلى نَصِّ قُدّاسِ "سُلطانَةِ فِلسطينَ". وَلَكِن فِي عامِ 1948م دُمِّرَتِ القَريةُ فِي أَحداثِ الحَربِ، وَلَم يَبقَ مِنها سِوى الدّيرِ وَالكَنيسَةِ التّابِعَينِ لِلبَطريركيَّةِ اللّاتينيَّةِ.
وفي عامِ 1975 أُعيدَ ترميمُ الكنيسةِ والمباني المحيطةِ بها، مع الحفاظِ على الطّرازِ الأصليّ الّذي يجمعُ بينَ الطّابعِ الشّرقيّ والعِمارةِ الأوروبيّةِ، ليعودَ الدّيرُ مركزًا نابضًا بالإيمانِ والحياةِ الرّهبانيّةِ.
وفي 1 نيسان 2014 تَعرَّضَ المَزارُ لاِعتِداءٍ مِن قِبَلِ مُتطرِّفينَ إِسرائيليِّينَ، خَطّوا شِعاراتٍ عُنصريَّةً عَلى جُدرانِ الدّيرِ بِتَوقيعِ ما يُعرَفُ بِـ«تَدفيعِ الثَّمنِ». وَيَأتي هذَا الاِعتِداءُ ضِمنَ سِلسِلَةٍ مِنِ الأَعمالِ الّتي تَستَهدِفُ المَواقِعَ الدِّينيَّةَ الفِلسطينيَّةَ، وَلكِنَّهُ لَم يُضعِف إِيمانَ الرُّهبانِ وَالمُؤمِنينَ الّذينَ ما زالوا يَرْفَعونَ الصَّلاةَ فيهِ مِن أَجلِ السَّلامِ وَالمَغفِرَةِ وَالمَحبَّةِ. وهكذا، بَقيَ دَيرُ رافات وَمَزارُ سُلطانَةِ فِلسطينَ شاهِدَيْنِ حَيَّيْنِ عَلَى حُضورِ اللهِ وَرَحمَتِهِ في الأَرضِ المُقَدَّسَةِ، وَعَلامَةَ رَجاءٍ لِكُلِّ مُؤمِنٍ يَبحَثُ عَنِ السَّلامِ وَالعَدالَةِ وَالحِمايَةِ الأُمومِيَّةِ لِلعَذراءِ مَريَم.
اليومَ، يُعتَبَرُ ديرُ رافات أحدَ أهمِّ المَعالِمِ الكنسيّةِ في البطريركيّةِ اللاتينيّةِ، إذ تُقامُ فيهِ الاحتفالاتُ السنويّةُ الكبرى بعيدِ سُلطانةِ فِلسطين، بمُشاركةِ آلافِ المؤمنين من مختلفِ الرّعايا والأبرشيّات. ويُرفَعُ فيهِ الصّلواتُ من أجلِ السّلامِ في الأرضِ المقدّسةِ ووَحدةِ أبنائها. وهكذا يُجَسِّدُ ديرُ رافات، في مسيرتِه الممتدّةِ منذ قرنٍ تقريبًا، ذاكرةَ الإيمانِ الفِلسطينيّ الحيّ، الّذي يرى في العذراءِ مريمَ أُمًّا حاميةً وملِكةً تَبقى إلى الأبدِ سُلطانةً على القلوبِ، وسُلطانةَ السّلامِ في أرضِ السّلامِ.
البُعدُ الرّوحيّ والرّسالةُ الإِيمانيّةُ لِمَزارِ ديرِ رافات
يُجَسِّدُ مَزارُ سُلطانَةِ فِلسطينَ في ديرِ رافات نِداءً دائمًا إلى الإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالمَحبَّةِ في قُلوبِ المؤمنين، وَيُعَدُّ رَمزًا حَيًّا لِلوَحدَةِ وَالسَّلامِ في وَسطِ شَعبٍ مُمَزَّقٍ بِالأَلَمِ وَالصِّراعاتِ. فَمَريَمُ، الَّتي أَعلَنَها البطريركُ بارلاسّينا سُلطانَةً لِفِلسطينَ، تُواصِلُ بَنظَرَتِها الأُمومِيَّةِ تَحتَضِنُ جَميعَ أَبناءِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِ، مَسيحيّينَ وَمُسلمينَ وَيَهودًا، وَتَدعو كُلَّ واحِدٍ إلى السَّلامِ الَّذي يَنشَأُ مِن المَحبَّةِ الإِلهيَّةِ.
إِنَّ العَذراءَ مَريَمَ تُعَلِّمُنا أَنَّ السَّلامَ الحَقيقيَّ لا يُفرَضُ بِالقُوَّةِ، بَل يُولَدُ في القَلبِ المُتَّضِعِ الَّذي يَقبَلُ مَشيئَةَ اللهِ. فَفي زَمانٍ يَتَكاثَرُ فيهِ العُنفُ وَالظُّلمُ وَاليَأسُ، يَبقَى مَزارُ ديرِ رافات مَنبَعًا لِلعَزاءِ وَالإِيمانِ، وَمَلجَأً يَلجَأُ إِليهِ المُتألِّمونَ لِيَجِدوا في مَريَمَ الأُمِّ الحَنانَ وَالرَّجاءَ وَالسَّلامَ. فَسُلطانَةُ فِلسطينَ تُذكِّرُنا بِأَنَّ الإِيمانَ وَالمَحبَّةَ أَقوَى مِنِ الانقِسامِ وَالحُروبِ، وَأَنَّ مَريَمَ ما زالَت تُرافِقُ كَنيسَتَها في كُلِّ أَلَمٍ وَرَجاءٍ، تَبسُطُ رِداءَها كَالأُمِّ الحَنونِ عَلَى أَبناءِ هذِهِ الأَرضِ، وَتَهمِسُ في القُلوبِ كَلِماتِ ابنِها الإِلَهيّ: "سَلامي أُترُكُ لَكُم، سَلامي أُعطيكُم، لا كَما يُعطي العالَمُ أُعطيكُم أَنا" (يوحنا 14: 27).وهكَذا يُصبِحُ مَزارُ ديرِ رافات أكثَرَ مِن مَبنى حِجريٍّ، فَهُوَ بيتُ رَجاءٍ وَإِيمانٍ، وَمَدرَسَةُ مَحبَّةٍ تَتَجَدَّدُ فِيها حِكايةُ الإِيمانِ الفِلسطينيّ، وَيَلتَقي فِيهِ السَّماءُ وَالأَرضُ فِي شَخصِ مَريَمَ، سُلطانَةِ فِلسطينَ وَسُلطانَةِ السَّلامِ.
الاِحتِفالُ بِعيدِ سَيِّدَةِ فِلسطين – سُلطانَةِ السَّلامِ
تُعتَبَرُ سُلطانَةُ فِلسطينَ الشَّفيعَةَ الرَّئيسيَّةَ لِأبرشيَّةِ البَطريركيَّةِ اللّاتينيَّةِ في القُدسِ، تَمَّ تَكريسُ مَريَمَ العَذراءِ بِهذَا اللَّقبِ رَسميًّا عامَ 1927، عِندَما أُطلِقَ على كَنيسَةِ دَيرِ رافات اِسمُ "سَيِّدَةِ فِلسطينَ". وَمُنذُ ذلِكَ الحينِ، أَدرَجَتِ الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّةُ هذِهِ المُناسَبَةَ في التَّقويمِ اللِّيتورجيِّ المَحلِّيِّ، لِتُصبِحَ عِيدًا رَسميًّا يُحتَفَلُ بِهِ سَنويًّا فِي الأَحدِ الأَخيرِ مِن شَهرِ تِشرينَ الأَوَّل (أُكتوبَر) في العَديدِ مِنَ الكَنائِسِ وَالأَديرةِ في الأَرضِ المُقدَّسَةِ، خُصوصًا في مَزارِ سَيِّدَةِ فِلسطينَ في دَيرِ رافات قُربَ بَيتِ شَمش.
فَفي هذَا اليَومِ، تَجمَعُ الأُمُّ السَّماويَّةُ أبناءَها مِن كُلِّ أَرجاءِ الوَطنِ المُقدَّسِ، حَيثُ يَلتَئِمُ شَعبُ اللهِ حَولَها في صَلاةٍ وَتَسابيحَ وَتَكريسٍ لِلسَّلامِ وَالمَحبَّةِ، رُغمَ كُلِّ ظُروفِ الحُروبِ وَالمِحنِ الَّتي تُثقِلُ قُلوبَ المؤمنينَ وَأَرضَ الخَلاصِ. وَيُرفَعُ خِلالَه القداس ُ تَكريسٌ خاصٌّ لِفِلسطينَ لِقَلبِ العَذراءِ الطّاهِرِ، تَعبيرًا عَن ثِقَةِ الشَّعبِ بِشَفاعَتِها وَرِعايَتِها الأُمومِيَّةِ.
يُعَدُّ القُدّاسُ الحَبريُّ الكَبيرُ في المَزارِ أَهمَّ مَظاهرِ الاِحتِفالِ، حَيثُ يَرفَعُ المؤمنونَ الشُّكرَ وَالتَّسبيحَ لِلعَذراءِ مَريَم، حامِلينَ إِلَيها كُلَّ هُمومِهِم وَآمالِهِم وَرَجاءِ الكَنيسَةِ فِي فِلسطينَ. يَترأَّسُ الاِحتِفالَ عادةً بَطريركُ اللّاتينَ في القُدسِ، وَيُشارِكُهُ الأساقِفَةُ وَالكَهَنَةُ وَالرُّهباتُ وَالمُؤمِنونَ وَالحُجّاجُ القادِمونَ مِن كُلِّ أَرجاءِ الأَبرشيَّةِ وَالعالَمِ.
بَعدَ القُدّاسِ، تُقامُ دَورَةٌ تَقليديَّةٌ حَولَ المَزارِ، يَحمِلُ خِلالَها المؤمنونَ تِمثالَ العَذراءِ سُلطانَةِ فِلسطينَ، وَيُردِّدونَ الأَناشيدَ وَالأَدعيَةَ المَريَمِيَّةَ، كَما يُتلى السَّلامُ المَلائِكيُّ وَيُرفَعُ نَشيدُ التَّمجيدِ وَالشُّكرِ لِمَريَمَ الَّتي تُبارِكُ الأَرضَ وَشَعبَها. وَفي نِهايَةِ الدَّورَةِ، يُمنَحُ الحُضورُ البَرَكَةُ الكَبيرةُ بِأَيقونَةِ سَيِّدَةِ فِلسطينَ.
إِنَّ عِيدَ سُلطانَةِ فِلسطينَ لَيسَ مُجرَّدَ مُناسَبَةٍ كَنَسيَّةٍ، بَل هُو عِيدٌ شَعبيٌّ وَوطَنيٌّ يَجمَعُ سُكّانَ الأَرضِ المُقدَّسَةِ، مِن مُختَلَفِ الأَديانِ وَالخَلفيّاتِ، لِيُعبِّروا عَن شُكرِهِم وَمَحبَّتِهِم وَثِقَتِهِم بِـ أُمِّهِم السَّماويَّةِ مَريَم، وَيُصلّوا مِن أَجلِ فِلسطينَ وَشَعبِها في الوَطَنِ وَالمُغتَرَبِ.
وهكَذا يُجَسِّدُ هذا الاِحتِفالُ مَسيرةَ الإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالتَّضامُنِ، وَيُنعِشُ في قُلوبِ المؤمنينَ رُوحَ الوَحدَةِ وَالأَمَلِ بِسُلطانَةِ السَّلامِ، الَّتي تُواصِلُ بَسْطَ يَدَيْها عَلَى فِلسطينَ، تُبارِكُها وَتَجمَعُ أبناءَها تَحتَ رِداءِ رَحمَتِها. وَيَبقى ديرُ رافات، سَنةً بَعدَ سَنةٍ، مَزارَ السَّلامِ والوَحدَةِ وَالرَّجاءِ، يَجمعُ أَبناءَ فِلسطينَ حَولَ أُمِّهِم السَّماوية، سُلطانَةِ فِلسطينَ وَسُلطانَةِ السَّلامِ.
وَبِهذا يُجَسِّدُ مزار ديرُ رافات وُجهَ الإِيمانِ الفِلسطينيِّ المَحبوبِ: إِيمانًا مُتَجَذِّرًا فِي الأَرضِ وَمَفتوحًا عَلَى السَّماءِ، يَتَغَذّى مِن أُمٍّ تَحمِلُ في قَلبِها كُلَّ أَبناءِ الشَّعبِ، وَتَرفَعُهُم بِصَمتٍ وَصَلاةٍ إِلى اللهِ، لِيَسكُنَ السَّلامُ وَيُولَدَ الرَّجاءُ مِن جَديدٍ.
صلاةُ سَيِّدَةِ فِلسطين
يا مَريَمَ البَريئَةَ مِن كُلِّ عَيبٍ، يا سُلطانَةَ السَّماءِ وَالأَرضِ البَهِيَّةَ،
ها نَحنُ جاثُونَ أَمامَ عَرشِكِ السّامي، واثِقونَ كُلَّ الثِّقَةِ بِجُودِكِ وَقُدرَتِكِ غَيرِ المَحدودَةِ.
نَلتمِسُ مِنكِ أَنْ تُلقِيَ نَظرةً عَطوفًا عَلى هذِهِ البِلادِ الفِلسطينيَّةِ الَّتي تَخصُّكِ أَكثرَ مِن سائِرِ البِلادِ، لأَنَّكِ بارَكتِها بِميلادِكِ فِيها، وَبِفَضائِلِكِ وَآلامِكِ، وَمِن هذِهِ الأَرضِ مَنَحتِ الفادي لِلعالَمِ.
اُذكُري يا أُمَّنا الحَنونَ أَنَّكِ هُنا أَقَمتِ لَنا أُمًّا شَفيقَةً وَمُوزِّعَةً لِلنِّعَمِ. فَاِسهَري إِذًا بِعِنايَةٍ فَريدَةٍ عَلى وَطنِكِ هذَا الأَرضيِّ، وَبدِّدي عَنهُ ظُلُماتِ الضَّلالِ، بَعدَ أَن سَطَعَت فِيهِ شَمسُ البِرِّ الأَبَديِّ.
وَاجعَلي يا سَيِّدَتَنا العَذراءَ أَنْ يَتِمَّ سريعًا الوَعدُ الصّادِرُ مِن فَمِ ابنِكِ الإِلَهيِّ، بِأَنْ تَكونَ رَعيَّةٌ واحِدَةٌ وَراعٍ واحِدٌ.
اِستَمدِّي لَنا أَجمَعينَ أَنْ نَخدُمَهُ تَعالى بِالقَداسَةِ وَالبَرارَةِ مُدَّةَ أَيّامِ حَياتِنا، حَتّى نَستَطيعَ أَخيرًا، بِاِستِحقاقاتِ سَيِّدِنا يَسوعَ المَسيحِ، وَبِعَونِكِ الوالِديِّ، أَنْ نَنتَقِلَ مِن أُورَشَليمَ هذِهِ الأَرضيَّةِ إِلى أَفراحِ أُورَشَليمَ السَّماويَّةِ. آمين.