موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المقدمة والتمهيد
التحيّة: سلوك يستخدمه البشر كالإيماءات باليد أو في الجسد، ويتم التعبير عنها بأشكال متعددة، في مقابلاتهم وتجمعاتهم، والمواقف التي يمرون بها. التحية مصدرها حياة، يحييه تحية، والدعاء بالحياة، فيقال: حياك الله. والتحية والسلام للترحيب بشخصٍ لقدومه.
السلام والسلامة: هي البراءة من العيوب والامراض، والبقاء على قيد الحياة. والحياة والتحية والسلام والسلامة يقتربون في معنى. والعرب يقولون: (مع السلامة) أو (تروح وتعود بالسلامة). واليوم نحن بصدد توضيح ما قاله الملاك لمريم السلام عليك، هذا السلام المرسل من الله، إكرامُاً لها، وتعبير عن الاحترام والتقدير. اضطرَبَت مريم عند سماعها لِكلامِ المَلاكِ وقالَت في نَفسِها ما مَعنى هذِهِ التّحيةِ؟ إنها ابنة صهيون، الابنة المختارة مريم لتكون الأم!
مريم معناها محبوبة الإله ومريم أم يسوع هذا الاختيار هو قصد الله لخير البشرية. دون التاريخ عنها وأشاد بكرامتها وقدسيتها. صنعت مريم بداية تاريخ المسيحيّة بإطاعتها امر الله، "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو1: 38). وبهذا المعنى اعطانا سفر إشعياء 7: 14-15 "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ زُبْدًا وَعَسَلًا يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ" وقد وردة بالمعنى ذاته في متى الإنجيلي البشير "لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ، هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ اَللهُ مَعَنَا" (مت 1: 22، 23)، هكذا كان مسار الخلاص للبشريّة، حين هيّأت مريم العذراء لمجيء المخلّص والفادي من خلال قبولها لدعوة الإله الاب وهكذا تم ترتيب التّصميم الإلهيّ لهذا الحدث العظيم والى انقضاء الدهر.
مريم طفولتها وتكريسها
1- العذراء مريم لتكون أم المسيح الفادي، فالعهد القديم يشير هذا الى مريم أم الرب الآتي من السماء، لأنفاذ الخليقة الثانية لأنها ولدتِ المسيح لخلاص العالم الذي أغّرق الخطيئة... وُلد منها خبز الحياة النازل من السماء، هكذا أصبحتِ مريم الوسيطة والسلم الذي نزل عليه الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وامتزج بها وجعل من الإنسان روحاً ترى الله.
2- لتتجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث في أي مكان من العالم، لكن شكلت مريم عذراء الناصرة منعطفا تاريخيا في حياة البشرية بقبولها البشارة وكما هو، "وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ" (لو 1: 26-27)، فلماذا ظهر الله فقط في هذا الوقت أو كما ورد، "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ"(غل 4: 4)، ولماذا اختيرت مريم ليولد منها يسوع؟، وما الذي تتصف به عذراء الناصرة من الفضائل التي تجعلها أن تُصبح أم الله فجاءت الإجابة الواضحة وهي: "فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا "وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ، "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ، فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ" (لو1: 42،41،40،39).
3- عندما وقف الملاك ليحي مريم قائلاً، "السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ يَا مُمْتَلِئَة نِعْمَة" (لوقا 28:1) يحييها ويحل عليها الروح القدس وتتجسد الكلمة في أحشائها الطاهرة، وتحظى بهذه النعمة المقدسة التي ستحل عليها وكما قال لها الملاك "إنكِ قد نلتِ نِعمة عند الله، "فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (لو 1: 30).
4- الاختيار هو من الله وبحسب قصد الله، كما اختارنا لنقف امامه في المحبة، "كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ" (أف 1: 4)، "وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ" (رو 9: 23)، ان الله قد جعل في مريم النعمة فهي التي حملت جميع كنوز القداسة، وقد حلت في احشائها بقداسة والموهبة التي اخذتها. العذراء التي قال عنها أشعيا أنها تحبل وتلد ابناً يدعى الله معنا، أي أنه إله ولو صار إنساناً.
5- لأنها جاءت متممة للنبوءات: فمنذ الوعد بالخلاص كما جاء في سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة)، "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ، وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ"(تك 3: 15،14)، من فم الله كان الخلاص للبشرية، باختياره لعائلة داود التي تتركز نبوءات المسيا فيها وعلى اثنين هما سليمان ومنه يوسف خطيب مريم العذراء، "وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (مت 1: 20 ،21).
تعليم الآباء الأوائل عن مريم بقولهم:
هي امرأة فريدة الكمال، دائمة البتولية. وقربها من الثالوث الأقدس وتشبه بالكنيسة في العديد من الكتب بانها عذراء العذارى، وقد عثر في مصر على مخطوطات عديدة باللغتين اليونانية والقبطية بها عظات عن مريم وصلوات موجهة إليها: كالسلام عليك يا مريم واخرى، كالصلاة التي تبدأ بالكلمات "تحت ظل حمايتك" والتي وجدت مكتوبة على ورق البردي يرجع تاريخه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي وهو موجود بمدينة (Manchester) في انجلترا، والتي تدل على مدى تكريم العذراء مريم في مصر قبل مجمع نيقيه عام 325 إذ تُلقب مريم في هذا المخطوط بوالدة الله، الطاهرة ملجأ المؤمنين. السلام الملائكي هي صلاة لتكريم ولتمجيد مريم العذراء أم يسوع: تستخدمه الكنسة الكاثوليكية الشرقية والغربية والأرثوذكسية الشرقية والمشرقية والبروتستانتية.
القارئ المبارك ونحن في زمن الميلاد، لنردد السلام الملائكي عند قراءة هذا الموضوع، ومن لا يعرفها ان يفتش عنها او يسأل المحيطين به، أيها الاعزاء لنفتتح بالصلاة لمريم صباحنا وفي جميع المناسبات اليومية، وبعمل إشارة الصليب والان لنقول: السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء، ومباركة ثمرة بطنك، يسوع، يا مريم القديسة، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا آمين.
وفي الختام يا مريم العذراء أُمّ الرحمة والرأفة الفائقة المجد الدائمة البتولية… يا والدة الإله المباركة إليكِ نلتجئ يا مريم يا أم الله، أم المسيح الفادي أم الكنيسة، لقد كرمتك البشرية، وأنشدت في وصفك المدائح وإلى انقضاء الدهر.
ويشير قداسة البابا فرنسيس إلى العذراء مريم بقوله: كم سيكون جميلًا إذا تمكّنا نحن أيضًا أن نتشبّه بأمّنا! فتكون قلوبنا منفتحة على كلمة الله وكيف نستقبلها وتنمو كبذرة خير للكنيسة. ويضيف "كانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها" هكذا يصور الإنجيلي لوقا والدة الرب... وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول: نرى هذا كلّه قد تحقق بالكامل في العذراء مريم: هي التي انتظرت بصمت كلمة الخلاص التي بعثها الله؛ وأصغت إليها، وقبلتها. البابا لاوُن الرابع عشر يقول: لتمنَحنا العذراء نعمة أن نكون شهودًا للرب القائم من بين الأموات.
ويشير قداسة البابا لاون الرابع عشر بقول: افرحي يا ملكة السماء ولنُوكِل إلى مريم خدمة أسقف روما، راعي الكنيسة الجامعة، ونتطلّع إليها من "سفينة بطرس"، هي نجمة البحر، وأمّ المشورة الصالحة، كعلامة رجاء. فلتشفع لنا عند الله فنَنال عطية السلام، والعون والعزاء للمتألّمين، ولتمنَح لنا جميعًا نعمة أن نكون شهودًا للرب القائم من بين الأموات.
القراء الكرام لندعو الله ونقول لتكن أيامنا مليئة بالفرح، وليتجلى بها حوارنا معه. ولنكرس لمريم هذه الأيام ونمضي العيد معها بالشكر والعرفان بالجميل الذي قدمته لنا بقبولها البشارة. ونطلب منها ان تصلي لأجلنا كي نستحق مواعيد يسوع المسيح كاملة. بارك يا رب جميع البشر بحماية امنا مريم وامنح كنيستك القدرة على خدمة مؤمنيها. الى الرب نطلب: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو ١٤:٢).
ترقبوا الموضوع القادم بعون الرب سيكون الجزء الرابع من "اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي" (لو 22: 19).