موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

الأساس الكتابي للولادة والتجسد

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
"لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ" (يو 16: 21)

"لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ" (يو 16: 21)

 

المقدمة والتمهيد:

 

"وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ" (غل 4: 4)، كرم الله المرأة بالحمل والولادة وهذا يمثل عمل مقدس منحه الله لها وعلى صورته وفي إشارة واضحة من الكتاب المقدس بهذا المعنى، "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تك 1: 27)، ولأن الله هو خالق الحياة وواهبها، "لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لو 1: 37)، والكتاب المقدس يضيف ما يمثل العمل المقدس الذي منحه الله بالتبليغ الإلهي لمريم "فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لو 1: 35)، لقد وضعت مريم العذراء بداية لتاريخ المسيحيّة بإطاعتها امر الله، "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو1: 38). هذه العبارات تؤكد حدث البشارة وتم ما هو مكتوب، "لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غل 4: 5).

 

 

في الكتاب المقدس العديد من النبوات عن ميلاد المسيح:

 

"لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا. لَمْ تَخْتَفِ عَنْكَ عِظَامِي حِينَمَا صُنِعْتُ فِي الْخَفَاءِ، وَرُقِمْتُ فِي أَعْمَاقِ الأَرْضِ. رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي، وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَوَّرَتْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا" (مز 139: 13-16).

 

فنبوءة إشعياء قدمت لنا صورة وصفية رائعة وجميلة عن المكان والزمان لميلاد المسيح: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (إش 9: 6)، وهذا حقاً تحقق وحدث، وأخرى على لسان إشعياء عندما اعطانا توصيفاً له بالاسم: "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ"(إش 7: 14). سيكون إلهاً متجسداً، وأن هذا الإله سيولد من عذراء، "اِسْمَعِي لِي أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ، وَاصْغَوْا أَيُّهَا الأُمَمُ مِنْ بَعِيدٍ: الرَّبُّ مِنَ الْبَطْنِ دَعَانِي. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ اسْمِي"(إش 49: 1).

 

أما ميخا النبي، فنبوته تشير إلى: أن المسيح سيكون مدبراً لشعب الله، وأنه سيولد في بيت لحم فيقول: "«أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5: 2). "وَيَقِفُ وَيَرْعَى بِقُدْرَةِ الرَّبِّ، بِعَظَمَةِ اسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَيَثْبُتُونَ. لأَنَّهُ الآنَ يَتَعَظَّمُ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ" (مي 5: 4).

 

نبوءة سليمان بان الملوك سيقدمون الهدايا: "وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً، وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ.  لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ. يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ" (مز72: 13،8)، الكنيسة الأولى في عيد ميلاد الرب يسوع المسيح وعماده، فتحتفل بقبول الأمم لمملكة المسيح والخضوع له، كما نتذكر مجيء المجوس من الأمم المجاورة في زيارة للملك.

 

أما نبوءة إرميا وهكذا سيجعل الله هذه المرأة: التي كانت بمثابة بنت مرتدة منتصرة وغالبة على كل قوة الإنسان. أو كأنها وهي عذراء قد صارت باحتضانها ودورها في المعركة الروحية "حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْمُرْتَدَّةُ؟ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا حَدِيثًا فِي الأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُل" (إر 31: 22). أن الشيء الجديد الذي يثير الانتباه هو الأنثى التي تحيط برجل، تمثل العذراء الذي تحتضن كلمة الله المتجسد... هذه هي بركة الرب، فتصير النفس مسكنًا للبر وجبلًا مقدسًا، "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ" (إر 1: 5)، وفي موضع اخر يبين التوقيت للولادة سيكون مصحوبا ببكاء وعزاء وقتل أطفال، "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ، بُكَاءٌ مُرٌّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْ أَوْلاَدِهَا لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ" (إر 31: 15).

 

نبوءة حزقيال هي عذراء وهي تبقي عذراء: "فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: «هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا" (حز 44: 2). "فَقَالَ لِي الرَّبُّ: يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ قَلْبَكَ وَانْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاسْمَعْ بِأُذُنَيْكَ كُلَّ مَا أَقُولُهُ لَكَ عَنْ كُلِّ فَرَائِضِ بَيْتِ الرَّبِّ وَعَنْ كُلِّ سُنَنِهِ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ عَلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ مَعَ كُلِّ مَخَارِجِ الْمَقْدِسِ" (حز 44: 5)، هذه تتطابق مع، "لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ. خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ" (يو 16: 27-28). فهو كان يأكل ويشرب في احشاء العذراء تأكيداً لتجسده من باب مغلوق ليس من زرع بشر، ومن طريقه يخرج ويظل الباب مغلق.

 

نبوءة دانيال هذا هو هيكل الجسد: الذي أُخذ وقُطع من جبل الطبيعة البشرية وكيان الجسد، وذلك بدون أيدي، أي بدون عمل البشر، ويقول دانيال أيضًا: "حجر مقطوع بدون يدين"، الذي هو المسيح المولود بدون زرع رجل. إنه لأمر جديد وعجيب أن يُقطع حجر من الصخرة بدون فأس أو أدوات لقطع الحجارة، هكذا أن يظهر نسل من عذراء لم تتزوج، وأيضا اليهود أكدوا هذا عن المسيا الذي يأتي ليس بيد رجال.

 

نبوءة هوشع رأى الإنجيلي متى فيما تنبئه به هوشع "من مصر دعوت ابني" نبوة واضحة وصريحة عن السيد المسيح ابن الله الحي، "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي" (هو 11: 1). بينما كان في إسرائيل غلامًا أو صبيًا أحبه الله ومقدّمًا له البنوة، واهبًا إيانا بالمعمودية.

 

نبوءة دانيال حول ولادة وحياة المسيح ومتى سيكون توقيتها: قريبا من خراب الهيكل وتنتهي بدمار الهيكل الثاني في أيام تيطس، "فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا (دا 9: ،26،25).

 

القارئ الكريم ما تقدم اعلاه هو جزء يسير من النبوات والرؤى عن الولادة والتجسد للرب يسوع المسيح وهناك الكثير غيرها اكدت لنا ما حدت ولاحقا التي أوردها الكتاب المقدس، والإعلان عن شخصه وعمل الفداء الذي قدمه ومجده الأبدي. لقد تقدم دانيال وغيره من الأنبياء برؤى ونبوات لحساب شعب الله، وبحلول كلمة الله نفسه الرب يسوع المسيح في وسطنا تحققت وتحدث بها الينا.

 

وفي عودة الى ما تحقق في زمن الميلاد موضوع بحثنا لهذا اليوم نجد الاتي:

 

في ذلك الزمان صدر الأمر من الامبراطور أغسطس قيصر للاكتتاب والاحصاء، فذهب يوسف ترافقة مريم إلى بيت لحم بقصد الاكتتاب، لأنهما من عشيرة الملك داود. وبيت لحم أفراتة اليهودية ومعناها "بيت الخبز" وهي عند تخوم أورشليم، وعند وصولهما إليها لم يجدا مكاناً يأويان إليه لأنها ازدحمت بكثرة الوافدين إليها من مختلف نواحي مملكة هيرودس بقصد الاكتتاب، واضطرّا للمبيت في مكان مخصّص الماشية، وتمت أيام العذراء لتلد وهي هناك، فولدت يسوع، وقمطته وأضجعته في مذود، لقد كان ميلاد المسيح في بيت لحم تتمّة لنبوّة ميخا النبي حول هذه الولادة.

 

   

ترتيب الاحداث التي يشير اليها نص الكتاب المقدس عن الولادة والتجسد:

 

"يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى" هذا المدخل يؤدي بنا الى القاء نظرة وتأمل لما سيحدث لاحقا وكما يلي:

 

1- تحدث الملاك الى مريم مبلغا اليها رسالة البشارة قائلاً، "فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ، لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى".

 

2- تحدث ملاك الرب الى يوسف ناقلاً اليه البشرى، "مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ القَائِلِ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ".

 

3- مفهوم "الولادة" يسلط الضوء على الرحلة الخروج الى هذا العالم والتحول من سكن رحم الام الى خوض تجربة الميلاد وضيقتاها والالم المصاحب لبدء حياة كائن الإنساني جديد لقد فتشت العائلة المقدسة على مكان لمريم للولادة لقد دنت ساعتها ولا مكان لحد الان لهذا المولود ان يظهر، لكن للعناية والتدبير الإلهية له شأناً اخر في السعي لتوفير المكان الذي سجل في تاريخ البشرية والى يومنا.

 

4- إن تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث في أي مكان من العالم، أو أن يكون من أي امرأة …. لكن شكلت مريم عذراء الناصرة منعطفا تاريخيا في حياة البشرية من خلال قبولها البشارة وكما هو، “وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ" (لو 1: 27،26)، ولماذا اختيرت مريم ليولد منها يسوع، وما الذي تتصف به عذراء الناصرة من الفضائل التي تجعلها أن تُصبح أم الله فجاءت الإجابة الواضحة حين امْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وهي تقول: “وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ، فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ" (لو 1: 42).

 

5- "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ" (يو 16: 21). هذا ما تعانيه كل انثى عند المخاض والولادة أنَّهُ اكليل الايمان التي هدته مريم آمة الرب الى كافة النساء من حولها والى يومنا، فضلاً عن صوت بكاء الطفل يسوع يدوي خالداً في المعمورة وهو يدخل الى هذا العالم كأية طفل يولد ينطق بالكلمات التي أصبحت مرادفة لاختبار الولادة الجديدة لدى انثى الانسان في ارجاء هذا العالم، وهو عنوان فخر وكرامة عظيمة إذ دعت مريم نساء العالم الى تمثل بما قامت به وما قدمته الى البشرية وأنجبت لها المخلص، لذلك يرى اغلب النساء أن أكاليل قبول المخلص هو في تربية أولادهم في الإيمان والمحبة والقداسة، ويكونوا أعضاء مباركين الى المجتمع عند ولادتهم، "قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ" (يو 16: 21)، بركة الحياة تكون بالولادة، "وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ" (1 تي 2: 15)، وفي استعداد البشرية على الاستمرار، والرؤيا الزمنية للفرح بهذه المناسبة يمتد بمسافة العمر للوليد القادم الى الحياة من البداية الى النهاية. ولكي نشعر بفاعلية الميلاد يسوع في حياتنا، لنتأمل معًا بضعة احداث، لعل في مقدمتها كان:

 

6- "مولود غير مخلوق"، هو مساوي للاب في الجوهر.. وهو مولود قبل كل الدهور (ميلاد أزلي).. وفي ملء الزمان، وُلِدَ من السيدة العذراء مريم (ميلادها الزمني) الفريد، هذه الولادة لا شبيه لها، وهي تُثبِت أن الميلاد هو فرح ومسرة للبشرية، وتم التذكير به في قانون الايمان.

 

7- كان أول مظهر لهذا المولود في الجسد، "وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ" (لو 2: 12)، هذا المشهد الرائع، المألوف في ظاهر، ويحتوي على أحداث لاحقة لم تراها عين بشر، بها تمت النبوات كما هو مكتوب، "اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ.... الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا" (مت 1: 23).

 

8- "لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ، وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (1 يو 5: 4). الذي في المغارة على صورتنا، بطبيعته البشرية يسوع المسيح ونال إكليل المجد والغلبة... بالمحبة عاش وعلمنا السبيل الى العيش بها بقوله، "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يو 13: 34). وبالإيمان بسر التجسد حققنا الغلبة، مع طفل حواه مذود بيت لحم، هو الذي "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ"(يو 1: 3)، وكيف لا نكون أتقياء، وقد بدأ الرب الطريق لعمل الخلاص لنا بهذا التواضع الفريد، "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا، الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ، لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" (في 2: 7،6،5).

 

9- أن الله دخل إلى العالم وأعطانا حياته لنحيا بها، وهو عاش كإنسان مثلنا واختبر ضعفاتنا، فاستطاع أن يعيننا ويسندنا، ويعلمنا ان المعمودية هي الاتحاد به ومعه، وحتى نظل ثابتين في حياة المسيح علينا أن نبتعد عن الخطية فتظهر فينا حياة المسيح حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ" (2 كو 4: 10-11)، "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" (غل 2: 20).

 

10- فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. هُمْ وَاحِد قدموا لنا الحياة الجديدة التي حصلنا عليها بالولادة وبتجسد الابن وعمله الخلاصي للإنسان. فالآبُ شهد للابن في يوم المعمودية وكانت فرحته بعودتنا كأبناء للآب، بقوله، "وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 17)، وبنفس المعنى بحسب لوقا البشير "وَانْطَلَقَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ يَقُولُ: هَذَا هُوَ ابْنِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ. لَهُ اسْمَعُوا" (لو35:9)، فكلنا عند المعمودية نكون أبناء الاب ومحبته فينا، وتحل علينا بركة الاب كما في معمودية الرب يسوع حقاً، "وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ" (مت 3: 16)، وبهذا كان المسيح يشهد لنا فهو حضر ليقدم لنا الحياة الأفضل، "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يو 10: 10).

 

ختاماً لنقول سوية يا رب لتكن أيامنا مليئة بالفرح، وليتجلى بها حوارنا مع الله. ولنكرس لمريم ام المعونة الدائمة هذه الأيام المباركة وأن نمضي العيد معها بالشكر والعرفان بالجميل الذي قدمته لنا بقبولها البشارة. ونطلب منها ان تصلي لأجلنا كي نستحق مواعيد يسوع المسيح كاملة… بارك يا رب جميع البشر بحماية امنا مريم العذراء وامنح كنيستك القدرة على خدمة المؤمنين… الى الرب نطلب…

 

"الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 14:2)

 

 

---------------------------- 

 

 

تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد

طلب بابا روما بونيفاشيوس، في القرن السادس الميلادي تحديدا في 524م، من راهب يُدعى "ديونيسيوس أكسيجون" المُلقب بالصغير أو السكّيثى، الذى كان متولّيًّا نظارة السجلات البابوية في روما، أن يحسب بدقة تاريخ ميلاد المسيح، فبحث وانتهت حساباته إلى سنة (753 من إنشاء مدينة روما). وقد بنى ديونيسيوس حساباته على المعطيات الآتية، وفقا للأناجيل وهى قول تلميذ المسيح لوقا الذى قال في الإنجيل: " َفي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا في الْبَرِّيَّةِ " (لو1:3، 2)، وقد بدأ المسيح رسالته بعد ذلك بقليل، ولأنَّ بعض مصادر التاريخ الروماني، تذكر أن " طيباريوس قيصر" خلف الامبراطور " أُغسطس قيصر" عام (767 من إنشاء مدينة روما)، فالمسيح إذن- كما رأى- يكون قد بدأ رسالته عام (782 من إنشاء مدينة روما) أي (767 + 15 = 782). وقد فهم ديونيسيوس ما جاء في (لو23:3) " كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً "، على أن المسيح كان عمره ما يقرب من (30 سنة)، أي (29 سنة)، وهكذا حدد ديونيسيوس ميلاد المسيح في عام: (753 من إنشاء مدينة روما) (782 – 29 = 753)، ولكن هذه النتيجة لا تتفق مع مُعطيات الإنجيل الثابتة، التي تذكر بوضوح أن ميلاد المسيح حدث في أيام هيرودس الملك (مت1:2)، ومن الأكيد أن الميلاد كان قبل وفاة هيرودس ببضعة أشهر على الأقل، كما يتضح من أخبار: زيارة المجوس، وقتل أطفال بيت لحم، والهروب إلى مصر، ثم العودة إلى الناصرة (مت2).

مريم العذراء نسبةً إلى العهد الجديد من الكتاب المقدس باللغة العبرية مريم العذراء מריה הקדושה، وبالعربية "مريم"، وباليونانية Μαριάμ، وفي السريانية "ܡܪܬܝ ܡܪܝܡ "مارت مريم"، هي أم يسوع المسيح الناصري. وكانت مريم مخطوبة إلى القديس يوسف في الوقت التي حَمَلت بيسوع (متى 20-1:18، لوقا 1:35). والدي مريم كانا بحسب التقليد الكنسي القديس يواكيم والقديسة حنّة. وحسب ماورد في إنجيل لوقا، بأن مريم العذراء  تم اخبارها عن طريق الملاك بأنها حامل بيسوع المسيح بواسطة قوة الروح القدس. يكرم العذراء وخاصةً الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية، وأيضًا من الكنيسة البروتستانتية والنظام اللاهوتي المختص بمعرفة العذراء مريم يسمى "اللاهوت المريمي". يحتفى بتذكار ميلاد مريم العذراء في الكنيسة الارثوذكسية والكاثوليكية والكنيسة الانغليكانية في من 15 أب.

سفر إشعياء:" قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَرًا.  مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا!  هَلْ أَنَا أُمْخِضُ وَلاَ أُوَلِّدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَوْ أَنَا الْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ، قَالَ إِلهُكِ؟ افْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَابْتَهِجُوا مَعَهَا، يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. اِفْرَحُوا مَعَهَا فَرَحًا، يَا جَمِيعَ النَّائِحِينَ عَلَيْهَا، لِكَيْ تَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا مِنْ ثَدْيِ تَعْزِيَاتِهَا، لِكَيْ تَعْصِرُوا وَتَتَلَذَّذُوا مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا، لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَمًا كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ الأُمَمِ كَسَيْل جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى الأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى الرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ" (إش 66: 12،7).