موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
نيجيريا: معلم تربية مسيحية يغفر للرجل الذي حاول قتله بسبب خدمته
مؤسسة عون الكنيسة المتألمة تكرّم توبياس يحيى لإيمانه الراسخ بعد نجاته من هجوم متطرف

مؤسسة عون الكنيسة المتألمة تكرّم توبياس يحيى لإيمانه الراسخ بعد نجاته من هجوم متطرف

أبونا :

 

في حوالي الساعة الثالثة من فجر يوم 19 نيسان 2023، اقتحم ثلاثة رجال مسلحين السياج الأمني المحيط بمنزل توبياس يحيى، بالقرب من كاتدرائية العائلة المقدسة في سوكوتو، شمال غرب نيجيريا. استيقظ توبياس، وهو معلّم للتربية المسيحية يبلغ من العمر 26 عامًا، على وقع هذا الاقتحام.

 

يقول في مقابلة مع مؤسسة "عون الكنيسة المتألّمة: "تتدافع في ذهنك أفكار كثيرة في تلك اللحظة، لأنه لو دخلوا ووجدوني مع زوجتي وأطفالي الأربعة، فالله وحده يعلم ما كان سيحدث. لذلك قررت الخروج".

 

أمسك إبراهيم، زعيم المتسللين، سكينًا وطعن توبياس في صدره.

 

يسترجع يحيى اللحظة قائلاً: "سقطت على الأرض أنزف، فهرب الاثنان الآخران معتقدين أن المهمة قد أُنجزت".

 

لكن إبراهيم بقي، وحاول أن يطعنه مجدّدًا عندما حاول النهوض. يقول توبياس: "تمكنتُ هذه المرة من الإمساك بالسكين، فقام بليّها، ما أدى إلى إصابات بالغة في كفّيّ. اضطررت لتركها، لكنني أمسكت به بقوة كي لا يستطيع أن يستخدمها ضدي مجدّدًا".

 

في هذه الأثناء، بدأت زوجة توبياس الصراخ، فتنبه الجيران وتمكنوا من القبض على إبراهيم. فقد يحيى كمية كبيرة من الدم حتى فقد وعيه. وعندما استفاق بعد نحو 24 ساعة، وجد نفسه في سرير المستشفى بجانب إبراهيم، الذي كان أيضًا يتلقى العلاج.

 

يتذكر توبياس قائلاً: "سألته: لماذا تريد قتلي؟ لم يستطع إبراهيم أن يجيب، فقد كان يبكي. قال لي من حولي: لماذا تتحدث إليه؟ اهتم بصحتك. لكنني أجبتُ: أردت أن أعرف سبب نيته قتلي". تبيّن لاحقًا أن إبراهيم، ورفاقه الذين لم يُقبض عليهم، كانوا يخشون تأثير توبياس على شباب المنطقة التي يشكّل المسلمون 90% من سكانها. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يُستهدف فيها بسبب خدمته.

 

 

خدمة تتجاوز التعليم

 

في نيجيريا، لا تقتصر خدمة التعليم المسيحي مجرّد التطوّع في مدارس الأحد، بل يخضع المتقدمون لتدرب طويل ويُكلَّفون رسميًا. وقد كُلّف توبياس قبل تسع سنوات من قبل أسقف سوكوتو. يقوم المعلّمون بتحضير المعموديات، وتوزيع القربان الأقدس، وقيادة الصلوات عند غياب الكهنة. وقد كان لخدمته أثرٌ كبير في نمو الكنيسة في سكوتو: "في عيد الفصح الماضي قمنا بثبيت 100 طفل في رعيّتنا".

 

لكن ربما أعظم درس قدّمه توبياس خلال هذه المحنة هو ما حدث أثناء المحاكمة. عندما حكم القاضي بسجن إبراهيم سنة واحدة، توجّه توبياس إليه قائلاً: "سألت القاضي المسلم: هل يمكنني أن أعانق إبراهيم؟، فرأيتُ علامات الذهول والدهشة على وجوه جميع الحاضرين في قاعة المحكمة". قال القاضي إنه لا بأس. فاقترب توبياس من إبراهيم وعانقه وصافحه وقال له: "لقد سامحتك". ويضيف: "لم يستطع التحدث، لكنني رأيتُ الدموع تنهمر على خديه. كرّرتُ له: لقد سامحتك".

 

عاد توبياس مع عائلته إلى منزلهم مثقلين بالأسئلة حول ما يجب فعله بعد ذلك. ويقول: "ما الذي يريد الله أن يقوله لنا من خلال هذه الأحداث؟ فهذه ليست المرة الأولى التي أتعرّض فيها لهجوم". لكنه يؤكد: "لا زلت أرغب في مواصلة خدمتي كمعلّم للتربية المسيحية. كانت زوجتي ووالدتي داعمتين لي. تلقيتُ صلوات ونصائح من أسقفي وكهنة وغيرهم".

 

ويضيف توبياس: "في خضم كلّ تلك النصائح، قالت لي أمي، التي لم تذهب إلى المدرسة قط، عبارة لا تزال محفورة في ذهني: ’قد لا يكون المكان الذي يُريد الله أن نكون فيه مريحًا، أو بحسب رغبتنا، لكنه المكان الذي نجد فيه السعادة الحقيقية‘".

 

يواصل توبياس خدمته مستندًا إلى كلمات القديس بولس في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس:

 

"يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروجِ مِنها، نُطارَدُ ولا نُدرَك، نُصرَعُ ولا نَهلِك، نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضًا. فإِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ نُسلَمُ في كُلِّ حينٍ إِلى المَوتِ مِن أَجلِ يسوعَ لِتَظهَرَ في أَجسادِنا الفانِيَةِ حَياةُ يسوعَ أَيضًا. فالمَوتُ يَعمَلُ فينا والحَياةُ تَعمَلُ فيكُم".