موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٤ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥
مسيحيون في جنوب لبنان يأملون أن تمنحهم زيارة البابا لاون السلام وقوة الصمود‭ ‬
حطام كنيسة مار جرجس التي تضررت في أكتوبر تشرين الأول 2024 في بلدة دردغيا بجنوب لبنان

حطام كنيسة مار جرجس التي تضررت في أكتوبر تشرين الأول 2024 في بلدة دردغيا بجنوب لبنان

رويترز :

 

بعد عقود من الصراع، يأمل سكان بلدة رميش المسيحية في جنوب لبنان الذي عصفت به الحرب أن تجلب زيارة البابا لاون الرابع عشر المرتقبة إلى بلدهم السلام وكذلك القوة للصمود مع تضاؤل عدد السكان المسيحيين في المنطقة.

 

تقع رميش على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وهي موطن للكاثوليك منذ أكثر من 300 عام. واليوم، تُحيط بها من الجنوب مواقع عسكرية إسرائيلية ومن الشمال قرى ذات أغلبية مسلمة قصفتها الغارات الجوية الإسرائيلية خلال حرب العام الماضي الدامية.

 

في صباح أحد الأيام الماضية، أنشد نحو 30 مسيحيًا ترانيم تردد صداها بين الجدران الحجرية لكنيسة مار جرجس، وهي رعية مارونية تأسست عام 1740 ولا تزال تخدم سكان رميش البالغ عددهم ستة آلاف نسمة.

 

الأب إيليا كامل يقف بين حطام كنيسة مار جرجس التي تضررت في بلدة دردغيا بجنوب لبنان

وقال الأب نجيب العميل إن زيارة البابا لاون إلى البلد الذي يضم أكبر نسبة من المسيحيين في المنطقة يمكن أن تشجع الكاثوليك في الشرق الأوسط على التمسك بجذورهم والبقاء. وأضاف لرويترز "أول زيارة قررها خلال حبريته أنه ييجي على لبنان، هذا دليل على أنه هو مهتم جدًا بلبنان وخاصة بالمسيحيين اللي بلبنان، لأنه إذا مسيحيين لبنان راحوا ما بيبقى فيه مسيحيين بالشرق".

 

ويتناقص عدد المسيحيين في الشرق الأوسط، مهد المسيحية، إذ كانوا يشكلون نحو 20 بالمئة من سكان المنطقة قبل قرن، أما الآن فنسبتهم تبلغ خمسة بالمئة فقط، وهي في انخفاض. ومع ذلك، يُعتقد أن المسيحيين يمثلون نحو ثلث سكان لبنان البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة. ولم يجر لبنان إحصاءً رسميًا للسكان منذ ما يقرب من قرن بسبب الحساسيات الدينية والسياسية.

حطام كنيسة مار جرجس التي تضررت في أكتوبر تشرين الأول 2024 في بلدة دردغيا بجنوب لبنان

"على خطى المسيح"

 

نجت رميش من الحرب التي اندلعت في لبنان عندما أطلق حزب الله صواريخ على القوات الإسرائيلية بعد يوم واحد من اندلاع الحرب في غزة عقب هجوم شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023. وتسببت صواريخ حزب الله في دمار واسع في بلدات شمال إسرائيل، وحول القصف الإسرائيلي العنيف على جنوب لبنان معظم البلدات الشيعية هناك إلى أنقاض ودفع السكان إلى النزوح.

 

وقال الأب نجيب إن سكان رميش طلبوا من مقاتلي حزب الله عدم إطلاق صواريخ من البلدة حتى لا تستهدفها إسرائيل. وفي حين فر كثيرون من رميش إلى العاصمة بيروت، بقي المئات خوفا من سيطرة مسلحين على البلدة إذا غادروا.

 

لن تشمل زيارة البابا لاون، التي تستغرق ثلاثة أيام، جنوب لبنان. ولا يزال الجيش الإسرائيلي يحتل مواقع على قمم التلال هناك، ويقصف مواقع يقول إنها مستودعات أسلحة لجماعة حزب الله.

والأحد، قُتل أكبر مسؤول عسكري في حزب الله في غارة جوية على مشارف بيروت. ولم يصدر أي تعليق من الفاتيكان بشأن ما إذا كانت تلك الغارة ستؤدي إلى تعديلات على زيارة البابا. وأفادت الرئاسة اللبنانية لرويترز بأنه لا توجد أي تعديلات حتى اليوم الاثنين.

 

وقال حنا العميل، رئيس بلدية رميش "بنتأمل إنه تكون زيارة البابا هي رسالة لوضع حد لهاي الحروب". وأضاف أن نحو 200 من سكان رميش سيحضرون قداس البابا الرئيسي في بيروت. وتابع قائلا "نحنا أكيد كنا بنحب، وبنتمنى إنه هو يجي لعنا الجنوب، وخاصة إنه هاي الأرض هادي مرق فيها السيد المسيح يعني هيدي كمان يكون البابا إجى على خطى المسيح".

"بعد الصبر، بيجي الفرج"

 

وسط الصراع، تكافح رميش لاستعادة ملامح الحياة الطبيعية.

 

وبحسب رئيس البلدية، كانت مدارس رميش ذات يوم تعج بمئات الطلاب من القرى الشيعية المجاورة. لكن مع الدمار الذي لحق بتلك القرى، لم تعد سوى عائلات قليلة لمنازلها وانخفضت الإيرادات من الرسوم الدراسية في مدارس البلدة. ويحظر الجيش الإسرائيلي دخول مساحات واسعة من الأراضي التي يملكها سكان رميش، حيث تنتشر بساتين الزيتون وحقول التبغ، وهو ما يعني أن على المزارعين الحصول على تصاريح من الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للذهاب إلى هناك.

 

مرت ثلاث سنوات دون حصاد معظم المحاصيل هناك.

 

ونحو الشمال، في بلدة دردغيا الواقعة على بعد 22 كيلومترا من الحدود، كسا الحزن وجه الأب إيليا كامل وهو يتفقد آثار الدمار التي لحقت بكنيسة مار جاورجيوس للروم الملكيين الكاثوليك.

ففي يوم التاسع من أكتوبر تشرين الأول 2024، قصفت طائرة حربية إسرائيلية قاعة الرعية المجاورة لتحطم أعمدتها الخرسانية سقف الكنيسة، وينهار جدار بكامله وتتناثر الحجارة الكبيرة عبر الممرات وحتى المذبح. وبعد مرور أكثر من عام، لم تُرمَّم الكنيسة بعد. وليس بمقدور أحد من الرعية - التي كان عددها سابقا 1200 شخص ولا تتجاوز الآن المئة - تحمل تكلفة ترميمها.

 

وقال كامل "من وقت اللي انضربت بتشرين الأول عام 2024 ما عادش يتقدس فيها ولا قداس". وأضاف أن زيارة البابا لاون قد تساعد في تعزيز الروح المعنوية، وقال "نحنا متأملين بهذه الزيارة للبابا إنه هالروحانية تعم بكنائس لبنان وبكنائس الشرق أكثر من هيك، ما بدنا نحنا بس (الجانب) المادي... أكيد ما في لا مادي ولا عملي ولا سياسة، لأنه لا يتعاطى لا بالمال ولا بالسياسة".

 

وأضاف "هذه حياتنا وهيك، وهيك المسيح بيقول لنا بدكم تصبروا ودايما، بعد الصبر، بيجي الفرج، بس إمتى؟".