موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
كيف ساهمت الراهبات الكرمليات في إنهاء عهد الإرهاب؟

فاتيكان نيوز :

 

إن استرجعنا التاريخ فسنجد أن هناك لحظات كان للأديان فيها دور هام في سير الأحداث البشرية. وهذا هو مثلا حال الشهيدات الكرمليات في كومبيين الفرنسية. لقد سمع كثيرون عنهن لكنهم لا يعلمون أن تضحيتهن قد ساهمت في وضع نهاية لعهد الإرهاب.

 

بدأ كل شيء بحلم. ففي سنة ١٦٩٣ حلمت امرأة معاقة في التاسعة والعشرين من العمر تعيش في دير الرهبنة الكرملية في كومبين بيسوع برفقة أمه والقديسة تيريزا الأفيلية وكرمليتين كانتا قد عاشتا في الدير ذاته. وبعد تلقيها التوجيهات حول دعوتها ظهرت لها رؤيا عدد من الكرمليات اللواتي تم اختيارهن لاتباع الحَمل.

 

وفي طفرة إلى الأمام نتوجه إلى سنة ١٧٨٦ حيث عثرت الأم تيريزا للقديس أغسطينوس التي تم انتخابها رئيسة للدير على سرد لرؤيا الراهبة الأخت اليزابيت بابتيست قبل إبرازها النذور. وشعرت الأم تيريزا بأن هذا الحلم هو نبوءة تتعلق بهذه الجماعة.

 

وبعد سنوات قامت الثورة الفرنسية التي جاء بعدها عهد الإرهاب. وفي شباط فبراير ١٧٩٠ تم الإعلان عن إيقاف مؤقت للنذور الرهبانية كما وتم في ٤ آب أغسطس القيام بجرد لخيور الجماعة الكرملية، ثم خضعت في اليوم التالي جميع الراهبات للتحقيق وعُرض عليهن التنازل عن النذور، إلا أن قادة الثورة قد خيب ظنهم الإصرار الحازم لجميع الراهبات على البقاء في أمانة لنذورهن حتى الموت.

 

الفصح سنة ١٧٩٢: في السادس من نيسان أبريل حُظر ارتداء الحلل الدينية، وبعد ذلك بيومين تم سرد حلم الراهبة الأخت اليزابيت بابتيست على راهبات الجماعة. ثم تتابعت الأحداث سريعا، ففي شهر آب أغسطس تم إغلاق وإخلاء الأديرة النسائية ومصادرة خيور الراهبات.

 

غادرت راهبات كومبيين الكرمليات العشرون ديرهن في ١٤ أيلول سبتمبر، عيد ارتفاع الصليب المقدس. وبمساعدة بعض الأصدقاء وجدن ملجأً في أربعة أماكن محتلفة وتمكنَّ من شراء ملابس مدنية لكل واحدة منهن، لكن لم يمكن لديهن المال لشراء ملابس لتبديلها كما ولم تصغِ الحكومة إلى طلبهن المساعدة.

 

وبعد ذلك بوقت ليس بالطويل تشاورت الأم تيريزا للقديس أغسطينوس مع راهبات الجوقة الأربع، وهن الأكبر سنا، حول فكرة تقديم الجماعة بكاملها الحياة من أجل خلاص فرنسا. وتعود جذور هذا الاقتراح إلى رغبة القديسة تيريزا الأفيلية إصلاح الرهبنة الكرملية. وكان من الطبيعي أن تلقى رئيسة الدير مقاومة، فمَن له أن يخضع برِضا لقطع الرأس عبر المقصلة التي تم ابتكارها للتو؟

 

ولكن ومن الغريب طلبت الراهبتان الأكثر تقدما في العمر المغفرة من رئيسة الدير على عدم تمتعهما بالشجاعة، ومهد هذا الطريق أمام الأم تيريزا فاقترحت فعل هبة الحياة على عضوات الجماعة الأخريات. وبدءً من ٢٧ تشرين الثاني نوفمبر تلت الراهبات كلهن فعل هبة الذات من أجل خلاص فرنسا الذي كتبته رئيسة الدير. وتلت ذلك نية صلاة كي تقل أعداد مَن يتم إعدامهم بالمقصلة وإطلاق سراح المعتقلين.

 

وفي ٢١ حزيران يونيو ١٧٩٤ قام الجنود بتفتيش مبيت الراهبات ثم ألقي القبض عليهن في اليوم التالي بحجة ما أسفر عنه التفتيش الذي استُغل لإثبات أن الراهبات قد واصلن عيش الحياة المكرسة وأنهن يتعاطفن مع المَلكية. وهكذا أصبحت الجماعة الكرملية المتألفة حينها من ١٦ راهبة قيد الحبس في دير الزيارة السابق إلى جانب ١٧ راهبة بندكتية إنجليزية. وفي ١٢ تموز يوليو اقتحم عمدة كومبيين الدير بمرافقة الجنود ليفاجأ بالراهبات يرتدين الحلل الدينية حيث كانت الملابس المدنية الوحيدة لديهن قد ابتلت تماما. وهكذا كان مصيرهن حتما نقلهن إلى باريس ليَمثلن أمام المحكمة.

 

في ١٧ تموز يوليو تمت إدانة الراهبات الكرمليات الـ ١٦ و٢٤ من السجناء الآخرين بتهمة كونهن أعداء الشعب وتهم أخرى، حيث حُكم عليهن بالإعدام. وكانت الراهبات في استعداد لتحقيق الحلم النبوي حيث سيتبعن الحَمل قريبا.

 

وفي الأمسية ذاتها انتشر في باريس الحديث عن تلاوة الراهبات صلاة الفرض خلال مرورهن بشوارع المدينة، وسمح لهن الجلاد بإتمام صلوات الموشكين على الموت بما في ذلك صلاة الشكر لله وصلاة الروح الخالق وتجديد النذور. وبعد صعودهن إلى منصة الإعدام حصلن على البركة الأخيرة من رئيسة الدير ثم قبَّلن تمثال سيدتنا العذراء ليتبعوا هكذا حَمل الفداء.

 

ألقي القبض على روبسبيير بعد ذلك بعشرة أيام ثم أُعدم في اليوم التالي تاركا مساحة قليلة للشك في أن الله قد قبل تضحية الراهبات بحياتهن. وفي سنة ١٩٠٩ أعلن البابا بيوس العاشر طوباوية شهيدات كومبيين وتجري حاليا مسيرة تقديسهن.