موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠٢٣
كتب طارق صالح حجازين: هل تحتاج كنيسة الشرق سينودس قاريًا؟

طارق صالح حجازين :

 

ينظر المؤمنون إلى كنيستهم على أنها أداة خلاصٍ بين يدي الله ومنها تجري التعاليم المُقدسة إلى المُجتمعات البشريّة لتعمل جاهدةً على جذب الإنسان إلى الله، ليحقق الهدف من وجوده على الأرض. وتمتاز الكنيسة في الشرق بالتنوّع الأصيل: أي أن وجودها العريق مُتجذر في الأرضِ منذ نشأتها، حين جسدت الجماعات الأولى حضورها ووعيها المسيحيّ من خلال التزامها في الممارسات الروحيّة (أعمال 2: 42–47)، وأتى تنوعها نتيجة طبيعية عبر الأجيال المُتعاقبة نتج عن تواجد الكنيسة في المكان والزمان، وتفاعلها مع العناصر الثقافيّة والحضاريّة للمجتمعات فأضاف الحضور الكنيسي فيها غِنى جديدًا تميزت به حتى ايامنا هذه.

 

واجهت كنيستنا في الشرق منذ نشأتها تحدّياتٍ كبيرة، إلا انها استطاعت أن تصمد في وجه كل الصعوبات، لا بل استطاعت أن تنمو وتزهر وتثمر، لا بفرض القوة أو الهيمنة، بل كان كل هذا بنعمةِ الله وقدرة أبنائها على المُجابهة وحفظ الإيمان. ولا ينكر أحد منا أن قوّتها نتجت من قدرتها الكبيرة على التكيّف ليس عيبًا لأنها لم تخلع ثوبها أو تختزل من هويتها الأصيّلة، بل كانت أكثر مرونه بالتعاطي مع عدة أمورٍ، فخرجت من العواصف ناجية ومنتصرة.

 

واليوم تواجه كنيسة الشرق ذاتها تحديات جديدة تتمثل بـِ: عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة، تقلص تأثيرها، الحفاظ على الهويّة المسيحيّة، الإلحاد، مغريات العصر المادي، قلة الدعوات إلى الكهنوت، صعوبات اقتصاديّة ومعيشيّة، الفكر المتطرّف، العولمة، هجرة المسيحيين، ومشاكل إنسانيّة نتجت عن جائحة كورونا، والكوارث والحروب... وتجاهد اليوم بكل قواها لتقلل من آثار تلك التحديات قدر الإمكان، لكنها للأسف لم تنجح "كنيسة الشرق" في إدارة التحديات والتعامل معها بطرق جذريّة، بل كانت تعالج الأعراض لا الأسقام، لذلك ستبقى الكنيسة تعاني مزيدًا من التحديات. لكنّ العرب المسيحيين يرون بأنّ هنالك حلولاً قابلة للتطبيق منها: إعادة الثقة مع السلطة الكنسيّة، إنشاء مؤسسات جديدة تُعنى بالإنسان المسيحي واحتياجاته، زيادة الاهتمام بالعائلة المسيحيّة (النواة الرئيسية) من خلال برامج مُعدّة على مستوى الرعايا.

 

وقد تحتاج بعض الحلول أموالاً ضخمة للإنفاق عليها، لكن من جانبٍ آخر تملك الكنيسة رأسُمالٍ بشري (العلمانيين) فيمكن لهؤلاء أن يسهموا في مواجهة الصعوبات المستمرّة والتخفيف من آثارها قدر الامكان، من خلال إعدادهم وتمكينهم. لذلك، فمن واجب الكنيسة في الشرق الإصغاء لهم والاستعانه بهم، فهم قادرون على تقديم أنفسهم كأصحاب خبرات ومؤهلات متميّزة قد لا تمتلكها أحيانًا قيادات السلك الكنسيّ في إدارةِ مؤسسات الكنيسة وشؤونها. فلا يجب تركهم أو إهمالهم، لأنهم يمتلكون طموحًا كبيرًا لكنيستهم!

 

إنّ خوفنا الحقيقيّ كمسيحيين عرب هو أن نلحق بكنائس أوروبا ومجتمعاتها، عندما تخلت غالبيّة شعوبها عن إيمانها واتجهوا ليكونوا "لا دينيين". فالمسيحيّة التي ساهمت في تشكيل الثقافة الغربيّة على مدار قرون، تقف اليوم على عتبات التلاشي، لتحلّ محلها بدائل جديدة صنعتها البشريّة، ونتج ذلك عن عزلٍ مُدَبر للكنيسة وثأثيرها الإجتماعيّ، بهدف إضعافها. وللأسف قد استجابت مجموعات كثيرة بسهولة لهذا التحدي، وخضعت للأمر الواقع عليها. وكلنا يذكر حجم الهجمات التي تعرض لها قداسة البابا الراحل بندكتس السادس عشر حين أشار الى مواضيعٍ هامة منها أنجلة العالم وإعادة تبشير أوروبا، فووجه بالرفض والإعتراض.

 

نأتي إلى موضعنا: السينودس هو شركة جديدة للكنيسة في الشرق الأوسط ودول الخليج العربي،  ومحطة للفحص، والتفتيش عن مواطن الضعف ومعالجتها، وتعزيز نقاط القوة واستغلال الفرص المتاحة. ويعتبر السينودس أيضًا فرصةً ضرورية للنقدِ الذاتي والموضوعي بهدفِ التقدم والتجديد المُستمر على ان يترتبط  التجديد ارتباطًا وثيقًا بتعاليم الكتاب المُقدس، فعلى الكنيسة في شرقنا أن تبقى قوية وهذا مطلب تاريخي وروحي مفروض عليها، لأنها جسد المسيح السري وهي علامة حضوره هنا حيثُ ولدَ وعاشَ واتم مخططه الالهي في نشر رسالة الخلاص.

 

فالشركة الكنسيَة ذات بعدٍ  كوني، إلا أن انعكاسها على الرعيّة سيكون واضحًا من خلال العمل الجاد والهادف، لذلك نصلي من أجل القيادات الروحيّة ليلهمهم الروح القدس الحكمة للإصغاء لصوت الآب الحيّ فتبقى كنيستنا موضع رجاءٍ وعلامة تميّز في الشرق والعالم. آمين.