موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٢ مارس / آذار ٢٠٢٣
نَستذكِرُ ولا ننسى زيارة قداسة البابا الراحل بندكتس السادس عشر لمركز سيدة السلام

بقلم: حنا ميخائيل سلامة نعمان :

 

في مُسْتَهلِّ زيارةِ حَجِّه للأردن والأراضي المقدسة مِن 8 إلى 15 مِن شهر أيار سنة 2009 تلبية لدعوة ملكية سامية من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، كانَ "مركز سيِّدة السلام للأشخاص ذوي الإعاقة" المحطة الأولى المقررة في برنامج زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. هناكَ وبطلعته المَهيبة وَمع التفاتةٍ أبَويِّةٍ حَانية إلى الشريحة التي تتفيأ ظِلال المركز لتلقي الخَدمات الإنسانية والاستشفائية والاجتماعية بمحبةٍ واحترام أخذَ يُخاطبها قائلاً: "أَعْلَمُ أنَّ الدروبَ التي قادت الكثير منكم إلى مركز سلطانة السلام كانت شاقّة وأليمة، فبعضُكم يُكافح بشجاعة أشكالاً من الإعاقة، وبعضكم الآخر يعاني من رفض المجتمع لهم. وقد التجأ غيركم الى مركز سيدة السلام لأنهم يجدون فيه التعزية والتشجيع، فالمركز موفّق تماماً في المطالبة للمعوقين بالمكان الأمثل الذي يحقّ لهم في المجتمع. وهو يقدّم لهم الخدمات والفُرص التي تُسهّل دمجهم في المجتمع. إنَّكم مصممون على تحقيق هذه الأهداف ولأجل ذلك تستأهلون كلّ مديح وتشجيع".

 

والمركز الذي افتُتِح سنة 2004 وبزغ نجمه للنور، فأخذت خدماته تمتد لتشمل عدة محافظات، جاءَ ليُبدِّد السَّأم واليأس، ويمنح الرجاء والأمل مِن خلال خدماته المختلفة وليقفَ بقوة إلى جانب الحقوق الإنسانية لأصحاب الإعاقات مِن كافة أطياف المجتمع دون تفرقةٍ أو تمييز. وحريٌ الإشارة إلى أنَّه كان ثمرةَ فِكْرِ مُؤَسِّسِه، وصاحب المبادرة بإقامتِه ومتابعة شؤونهِ، سيادة المطران سليم الصائغ القائل وفي عدة مناسبات للشريحة المُتفيئة ظلال المركز: "نحن معكم في الألم الذي تعيشون، نحن بجانبكم حتى تبلغوا ملء حياتكم، فحياتكم تعنينا ولها قيمة." وليس يغيب عن الذهن مباركةِ البطريركية اللاتينية الموقرة وعلى رأسها آنذاك غبطة البطريرك ميشيل صبَّاح ومؤازرتها لإنجاح هذا المشروع الإنساني.

 

وكان اسْتَقبلَ قداسته في المركز غبطة بطريرك اللاتين في المدينة المقدسة البطريرك فؤاد الطوال مع جَمْعٍ مِن الأساقفة والآباء الكهنة والقائمين على المركز وشخصيات مختلفة، حيث ألقى غبطته كلمة ترحيبٍ أكد فيها أهمية زيارة قداسته للأردن والأراضي المقدسة، ومُشيراً بكلمته الى "نجاح تجربة المركز في رسالته النبيلة وفي تحقيق تجربة التعايش الديني لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وايجاد قاعدة إنسانية مسيحية اسلامية مشتركة لخدمة تلك الفئة". وجديرٌ الإشارة، إلى أن غبطته قد عَرَف أستاذَ عِلمَيّ الفلسفة واللاهوت "جوزيف راستنغر" اسم قداسته قبل الحَبرية، عن قُربٍ إبَّانَ خدمته في ألمانيا، ثم عَرَفه كاردينالاً في روما فرأسَاً للكنيسة وخليفةً للبابا -القديس- يوحنا بولس الثاني. وفي كل محطةٍ من تلك المراحل كان غبطته يزداد إعجاباً بِعَظمَتهِ وتَواضُعِه وحِكمَتِه وبصيرته النَّيِّرَة، ذلِكم الإعجاب تحوَّل إلى محبةٍ ورافقت المحبة الصداقة".


تُشكِّل الكلمات التي القاها قداسته إبَّان زيارته لمركز سيِّدة السلام عناوينَ يَصِحُّ تسليط الأضواء عليها لتعميم أبعادها الإيمانية التي تسمو بالنفوس نحوَ العَلاء مِن جانبٍ، ومن جانبٍ آخر لتكونَ مَشاعِل هِدايةٍ لسائر الناس.. فتبعث الأملَ في النفوس المتألِّمة القَلِقَة، وتوجِّه العقول الحائرة، وتجمع القلوب المُشتَّتة! وهذه إضاءة على بعضٍ مِمَّا ورد بكلمات قداسته تجيء مُرافِقةً لِما جاء في مُستَهلِّ مقالي هذا:

 

"من الصعب أحياناً أن يكتشف المَرء سببَ ما يتعرض له من مشاكلَ وهموم، لا بُدَّ له من أن يتغلب عليها، ومن آلام جسدية وعاطفية لا مَناص منها. إلاَّ أنَّ الايمان والعقل يساعداننا على اكتشاف آفاقٍ تتجاوز حدودنا، فنرى الحياة كما يراها الله. إن محبة الله غير المحدودة تمنح الحياة لكل انسان، وتوجِّه الجميع الى معناها وأهدافها. فحُبّ الله لنا هو خلاصنا"  ويُضيف " إنَّ المسيح بالصليب يوجّهنا الى الحياة الأبدية، ويقودنا إليها، ويغذّي فينا الرّجاء كلما تقدمنا على الطريق بحيث نصبح نحن أيضاً حاملين هذا الرجاء وهذا الحُبّ الى الآخرين".

 

وقال أيضًا: "أيها الأصدقاء إني أرغبُ أن أقول لكم بنوع خاص؛ أنني بوجودي معكم أستمدُّ قوة مِن الله، فالمحن التي اختبرتموها، وثباتكم في المحبة، وتصميمكم على التغلب على الصعاب التي تعترضكم، كلّ ذلك يًشجعني في إيماني بأنه من الممكن أن تتحول آلام الحياة إلى الخير. ففي مِحَننا وتجاربنا وفي مرافقتنا للآخرين في جهادهم نلمسُ جوهر إنسانيتنا فتزداد إنسانية، وندرك على مستوىً آخر أنَّ القلوب التي تعاني من العنف والظلم والرفض ليست أبداً بعيدة عن الله وأنّ باستطاعتها أن تسلك طريقاً جديدة يشع فيها السلام".

 

لقد حملَ قداسته "الصلاة" فكانت في قلبه وفي تأمُّلِه وعلى لسانه حيثما حلَّ في زيارته لربوع الأردن. وأراهُ قي ذلكَ يستحِثُّنا  جميعاً على المُداومَة على الصلاة واصفاً إياها" بالرجاء الحَيّ" يقول: "إن الصلاة هي الرجاء الحي، اذ فيها نجد الدواء لكل شيء، في الصّلاة ندخل في علاقة حُبّ مع الله خالق الكون. في الصّلاة نكتشف تفاهة الانقسامات البشرية والأحكام المسبقة، وندرك أنّ أمامنا إمكانات رائعة عندما نفتح قلوبنا للتوبة الى الله الذي هو الحق، وندخل في مخططه الإلهي لكل واحد منا وللعالم أجمع." ويقول أيضاً: " جِئتُ حاملاً نيّة واحدة، بل رجاء واحداً ألا وهو أن أصلّي من أجل الوحدة والسلام، بنوع خاص في الشّرق الأوسط. جئت أصلّي من أجل السّلام للأفراد والوالِدِين والجماعات، من أجل السّلام للقدس والأرض المقدّسة وللمنطقة بكاملها. جئت أصلّي من أجل السلام للأسرة البشرية جمعاء من أجل ذاك السلام الدائم، ثمرة العدل والاستقامة والمحبة. جئت أصلي من أجل السلام الذي ينبع من التواضع والغفران. ومن الرّغبة الصّادقة في العيش المتناغم في الوحدة".

 

وفي إشارةٍ لِحَميدِ فِعَالِ وجُهود القائمين على المركز والعاملين في سائر فروعه نَجِدُ صدى صوت قداسته لا يزال يتردَّدُ في آفاق المركز: "لقد بات معروفاً هنا وفي المملكة كلها التقدير الكبير، للكفاءة المهنية العالية، والعناية الرحيمة، والتعزيز الجريء من أجل مكانة عادلة في المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة". كما أشار إلى "أهمية الجهود المبذولة في إطار الرسالة النبيلة التي يُؤدُّونها بكل كفاءة واقتدار". وكان أعلنَ عن "تيقُّنُهِ مِن نجاح المركز الباهر في تعزيز وتوفير المكان العادل للمُعوَّق في المجتمع".

 

ثُمَّ أمَّ بَعدُ، فيَا أيّها الراحلُ عن دُنيانا منذ أسابيع قليلة إلى الحياة الأبدية ورجاء الملكوت السماوي، أرَانِي بعينٍ فاحصةٍ واعيةٍ أَجُولُ متأمِلاً في رَبيعِ كلِماتِك النَّضِرَة الشَّذِيَّة التي ألقيتَ في مركز سيدة السلام وما تَحصَّل عندي مِن كلمات لمناسبات ألقيتَهَا في كونِنَا المترامي الأطراف، وأرَاني أجولُ أيضاً في رَبيعِ ما توفر عندي مِن مؤلفاتِك الثريَّة فأجدًها مَنْبَعاً فيَّاضاً بالإيمان. أنَّها تًجَدِّدُ وتُحْيِيّ. نعم؛ تُحْييّ القلوب وتُطهِّرها، وتُجدِّد العزائم المُتداعية، وتَبعثُ النفوس من رُقادِها وَتَسْموا بها!

 

ألا صَلِّ مِن أجلنا، يا مَن أرى شُعاعَ شَمْسِكَ لا يَغيب.. لنحفظ الوفاء لِما أردتَ مِنَّا، ولنصونَ العهد، ونَصْدُقَ الوعدَ!

 

Hanna_salameh@yahoo.com