موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣٠ مايو / أيار ٢٠٢٤
ماذا يتعيّن على الكنيسة عمله أمام تحولات المجتمع الحاليّة؟
الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان

الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

 

السؤال هو، ما موقف الكنيسة (ومن ضمنها الكنيسة الكلدانية) مِمَّا يجري في عالمنا اليوم؟ وكيف يمكن لها ان تضمن حضورًا مؤثرًا في المجتمعات العلمانية من جهة، وفي الدول التي تعلن الإسلام دين الدولة، ومن جهة ثانية، حيث المسيحييون فيها أقلية مهمَّشة، بالرغم من انهم أصحاب الأرض؟ هكذا الحال بالنسبة للجاليات المسلمة التي تواجه نفس إشكالية "الأقلية" في الغرب.

 

إذًا السؤال المصيري هو كيف بإمكاني ان أكون مسيحيًا مؤثرًا في بلد علماني، وفي بلد مسلم أيضا؟  هذه العملية تطلب معرفةً وشجاعة وعملاً جماعيًا مدروسًا.

 

ما اُلاحظه ان موقف الكنيسة في الغرب خجول نوعًا ما، وموقف الكنيسة في الشرق قلقٌ، وضبابيٌّ، وغير مُوحَّد! لا يمكن للكنيسة الانفصال عن العالم، انْ ارادت ان تحافظ على إيمانها ورسالتها. الكنيسة مدعوة الى العيش مع الناس في بلدان علمانية ومسلمة كما عاشت في ظروف سابقة مختلفة. عليها الاندماج فيها، من دون ان تلزم نفسها بقبول كلِّ ثقافتها وأخلاقيتها. تقول الرسالة الى ديوجينتس (القرن الثاني): "المسيحيون في الواقع لا يختلفون عن الناس الآخرين فليس لهم مناطق خاصة ولا لغة ولا لبس خاص. حالهم حال مواطنيهم… الحياة التي يعيشونها ليس فيها غرابة. انهم مندمجون، لكنهم يحافظون بأمانة على إيمانهم وقناعتهم".

 

الكنيسة الغربية التي قاومت الثورة العلمانية الفرنسية ثم في بلدان اخرى، دفعت ثمنًا باهظًا. هكذا الإسلام في علمانية الدولة التركية الفتية مع مصطفى اتاتورك. قناعتي ان هذه الدول سوف تتحول الى نظام مدني، كما الغرب، لأن النظام الديني غير قابل الحياة أمام التحولات العالمية السريعة. بالتالي، فإنّ الكنيسة تحتاج إلى إعادة النظر في أمور عديدة لبناء الرعايا، والبحث عن هيكليات جديدة، وأدوار جديدة، ولغة لاهوتية جديدة… الخ. ان لم تواكب الكنيسة التغييرات والتحولات فانها ستتخلف عن الركب.

 

التجديد عملية شاملة لا يمكن اختيار جزء، وترك الأجزاء الاخرى. التحديث حزمة كاملة من المعطيات ينبغي الالتزام بها. بعد ثلاثة قرون من التحولات في الغرب، حاول المجمع الفاتيكاني الثاني (1962–1965) إيجاد أجوبة على هذه التحديات التي تواجهها الكنيسة، خصوصًا في طريقة الكلام عن إيمانها، وأخلاقياتها، وليتورجياتها، ورؤيتها ودورها واسهامها في بناء مجتمع إنساني عادل وسالم ومستقر. أذكر الدستور الرعوي حول الكنيسة في عالم اليوم، والوحي الإلهي، والدستور في الليتورجيا المقدسة، والمرسوم حول الكنائس الشرقية، والقرار في العمل المسكوني، والتصريح حول علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية بخاصة الاسلام، ووثائق اخرى بالغة الأهمية.

 

 اتذكر نحن الكهنة الشباب كنا نتحسر على التجديد ونطالب كنيستنا بذلك، لكن جواب رؤسائنا آنذاك كان المجمع للغرب؟ والكنيسة الكاثوليكية لا تزال تبحث عن التجديد، وما دعوة البابا فرنسيس الى السينودالية (2023-2024) سوى التعبير عن هذه الرغبة والنية المصممة. أتمنى ان يكون الشرقيون فاعلين والا يفوّتوا الفرصة ويفكروا ان السينودالية  ليست لهم.

 

يتعين على الكنيسة ان تقوم بقراءة متأنية للتحولات السريعة الحاصلة في مجتمعاتنا، والتعامل بموضوعية وفاعلية وحكمة مع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي حيثما هي موجودة.

 

بالنسبة الى كنيستنا الكلدانية، فان نصف بناتها وأبنائها يعيشون حاليا في نظام علماني شبه مطلق، يفصل الدين عن الدولة. لذلك يتعين عليها ان تستفيد من الحرية الداخلية التي تعطيها العلمانية لتنظيم نفسها:

 

1. تأسيس رعايا جديدة. وهذا يتطلب تنشئة كهنة لغوياً واجتماعياً ولاهوتياً وراعوياً يتماشى مع واقع هذه البلدان، وادخالهم في دورات تأهيلية للتدريب على الخدمة فيها، وليس تعيين أشخاص قادمين من العراق أو من الشرق، يحملون معهم عقليتهم القروية! ثمة علامة رجاء بوجود دعوات لشباب مولودين في الغرب بخاصة في أمريكا وفرنسا ورسامتهم كهنة، يعرفون اللغة والمجتمع، لكنهم يحتاجون أيضاً الى معرفة كنيستهم الأم.

 

2. مساعدة المهاجرين القادمين من الشرق على الاندماج في البلدان التي استقبلتهم ومع مجتمعهم الجديد المختلف وليس العيش في “غيتوات” مغلقة. مندمجون بشكل جيد، وبنفس الوقت اُمناء على إيمانهم وعقيدتهم.

 

3. تأوين الطقوس والتعليم بلغة البلد ومصطلحاتها، وليس الإكتفاء بالترجمة الحرفية التي لا تفي بالغرض. اللغة وسيلة وليست  هدفاً، انما الهدف هو الرسالة والناس حيثما هم.

 

4. اصدار كرّاسات مُعَدّة جيدا تعرّفهم (لاسيما الشباب)، بتاريخ بلدهم وكنيستهم وليتورجيتهم وآبائهم وروحانيتهم الخ.

الاستفادة من خبرة الكنيسة الكاثوليكية والتعاون معها لحماية رعايانا والمحافظة على خصوصيتها.

 

5. على الذين هم في بلدان الاغتراب مساندة من تبقى في العراق معنوياً وسياسياً ومادياً وان يكونوا لهم “ظهراً” وليس تشجيعهم على الهجرة، واستغلال أوضاعنا من أجل مكاسب مادية.

 

 

في الدول التي دين الدولة "الإسلام"

 

المسيحية ليست ديانة غريبة عن هذه الدول، لها تاريخها وإرثها الغني ودورها. في الشرق إن بقينا نهاجر ونتباكى وغير فعّالين، فسوف تخلو هذه البلدان من المسيحيين. على الكنيسة الّا تخاف كما لم تخف في السابق، عليها ان تحافظ على وجودها ودورها وحقوقها وحريتها الداخلية. هذا لن يحصل من دون وحدة صف الكنائس. الوحدة هي القوة الأهم للتغيير، أقولها صراحة ان ضعفت الكنيسة الكلدانية فكل الكنائس ستضعف.

 

1. ثمة حاجة إلى التجديد كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في جميع المجالات خصوصاً التعليم والليتورجيا والتنشئة الكهنوتية والرهبانية، والعمل الراعوي والجانب الاقتصادي بشفافية، ولربما من الضروري التعاون مع الكنائس الاخرى لتبنّي لاهوت محليcontextual theology ملائم لبلداننا، ولا تفكر ان التجديد هو للغرب وتكتفي بالتقليد المتراكم والذي ليس كله أصيلا.

 

2. إعادة بناء الأبرشيات والرعايا برؤية واقعية وخطة واضحة تتلاءم مع الواقع، فكل شيء تغير عن السابق. سابقاً كانت غالبية شعبنا في العراق اليوم نحن مشتتون في أقطار العالم.

 

3. نَبذ نَزعة التعصب والانقسامات داخل الكنائس، واستعادة دور الكنيسة من خلال وحدة قوية ونَفَس مسكوني ووطني بعيداً عن التحزّبات والمكاسب المالية للاهتمام بهموم الناس، هموم السلام والاستقرار والعدالة والخدمات والحياة الكريمة من خلال عمل جماعي مشترك.

 

4. معالجة ظاهرة الهجرة التي تهدد وجودنا التاريخي في العراق والشرق والعمل الحثيث من أجل خلق بيئة مناسبة للعيش الحر والآمن والكريم، والتفكير بايجاد مشاريع صغيرة أو متوسطة لإتاحة مجال العمل للشباب.

 

5. خلق مساحات مشتركة من خلال إنشاء مراكز ثقافية ومناسبات لإشاعة قيم الاُخوّة والمحبة والسلام والاحترام والفرح.

 

6. خلق خلية أزمة مشتركة للبحث عن معالجات مناسبة ومُرضية للجميع.