موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣
صحتك بالدنيا

أشخين ديمرجيان :

 

النرچيلة أو الشيشة كلمتان مترادفتان ومماثلتان للأرچيلة. لا نمتلك رواية واضحة لأصل الأرچيلة، فقد تضاربت الآراء بين أنّ أصلها عربي من شبه الجزيرة العربيّة، أو من الهند. والأرجح أنّها من أصل هندي، اخترعها في الهند طبيب يُدعى "حكيم عبد الفتح" في الفترة المغوليّة، معتقدًا أنّها وسيلة غير ضارّة لتدخين الحشيشة، وما زال هذا الاعتقاد سائدًا لدى الأغلبيّة الساحقة من الناس.

 

النرچيلة كانت تُصنع من ثمار ولحاء جوز الهند، من أجل تدخين نبات القنّب الذي كان يدخّنه الهنود. ثمّ انتقلت الممارسة إلى شبه الجزيرة العربية عن طريق تبادل التجارة مع الهند.

 

ويرتبط انتشار الأرچيلة في البلاد العربيّة بالدولة العثمانية التي حكمت العرب لمدّة أربعة قرون من الزّمان، وبما أنّ علاقة الأتراك بالدول الأوروبية كانت قويّة بحكم موقع تركيا الاستراتيجي، فقد ساعد ذلك في إدخال الأرچيلة إلى أوروبا والأمريكتَين.

 

 

أسباب انتشار الأرجيلة

 

انعدام الوعي الصحّي، وحاجة الناس المُلحّة إلى المتنفّسات الصغيرة جعلهم ينسون النشاطات والفعاليّات الرياضيّة، وتبعًا لذلك تغيّرت ثقافة المجتمع سلبًا بلجوء الرجال والنساء الى نَفَس الأرچيلة، لا سيّما إقبال الفتيات على إدمانها، وتشجيع بعضهنّ البعض، باعتبارها موضة جديدة، لمحاكاة الصديقات، ناهيكم عن الهروب من الضغوطات الحياتيّة والقضاء على الملل والفراغ، وكأنّ الشيشة أحد أشكال ممارسة الحرّيّة ودليل على الرقيّ والاستقلاليّة. في الواقع لا يكون المُدمن حرًّا بل عبدًا مسكينًا للتبغ والمعسّل وحتّى لصوت الأرچيلة.

 

بين الآليّات المتّبعة لإيقاع النساء والفتيات في التدخين، تُركّز شركات التبغ على إنتاج أنواع من التبغ مخصّصة لهنّ بنكهات مختلفة، وتدَّعي أنّها صحّيّة، لكن الدراسات العلميّة تؤكّد أنّ هذه مجرّد خدعة، وأنّ أضرارها لا تقلّ عن الأنواع الأخرى. المعسّل على سبيل المثال يحوي الفواكة العَفِنة ومادّة الرصاص الذي تستخدمه الشركات لزيادة وزن المعسّل، وهذه الموادّ وغيرها من المكوّنات تؤدّي الى إطلاق كمّيّات كبيرة من أكسيد الكربون الذي يؤثّر على صحّة المدخّن وعلى الأشخاص المحيطين به بما يسمّى التدخين السلبيّ.

 

وهكذا ينتهك المدخّن خصوصيّة الآخرين ويسيء إلى صحّتهم بتلويثه المكان، ظنًّا منه أنّ الشيشة باتت ضرورة للترفيه مع تزايد المشاكل وضغوطات الحياة اليوميّة، بينما حاجته الى جهد بدني يُطلق مادّة الإندورفين في جسمه ويُريح توتّره.

 

 

الآثار الصحيّة

 

تؤكّد الأبحاث العلميّة أنّ استخدام الأرچيلة يضرّ بالصحة ويسبّب سرطان الرئة مثله مثل دخان التبغ، بل أكثر بكثير، لدرجة أن "الأرجيلة أكثر من عشرين سيجارة على الأقلّ، فمدخّن الأرچيلة يتعرّض لأكسيد الكربون والنيكوتين وغيرها من المواد المتطايرة المسرطنة.

 

وتقول الدراسات أنّ الأرجيلة غير آمنة وليست أقلّ فتكًا من السيجارة، وهي تسبّب تغيّرات فيسيولوجيّة في الدماغ تعمل على الإدمان. أمّا نوع السرطان الذي سيتعرّض له مدخّن الأرچيلة فهذا يعتمد على مدى تكرار تدخينه والفترة الزمنيّة لإدمانه. وفي كلّ جلسة يستنشق المدخّن ما بين خمسين إلى مئتي استنشاق، وكلّ استنشاق يحوي تقريباً 0.50 ليتر من الدخان الذي يدخل رئة المسنتشق من خلال الماء. أي أنّ المدخّن يستنشق كمّيّة أكبر من النيكوتين في هذه الجلسة من مدخّن السجائر. والماء المُستخدم لتصفية الدخان لا يزيل جميع المواد الكيميائيّة الضارّة.

 

ولتودّع المرأة جمالها الطبيعي وتألّق بشرتها ونضارته إن كانت من المدمنين على الشيشة أو السيچارة، فلا مجال لأن تزهو بنضارتها وحُسنها وتحافظ عليهما مع مادّة النيكوتين السامّة وأمثاله.

 

 

فراشة الضوء

 

المدمن تخطف قلبه الزائغ جمرة الفحم المشتعلة لسحب النَفَس، تمامًا مثل الفراشة التي تلمح نقطة ضوء صغيرة فتنبهر من غير تفكير وتطير نحو النور وقد ملأ الضوء عليها عينيها، وتحوم حول الضوء في دوائر كبيرة ثمّ في دوائر أصغر وكلّ همّها الاقتراب من مركز النور وحين تقترب جدًّا تحترق ممتزجة بالنار حسب رغبتها ولهفتها.

 

والحلّ؟

 

يبدو أمر التخلّص من الإدمان صعبًا بادىء ذي بدء، لذلك يفضّل طلب العون من الأقارب والأصدقاء المخلصين الذين سيساعدون في التّحرّر. لم يفت الأوان بعد، فكلّ مدمن يرغب في استعادة صحّته وعافيته بإمكانه التخلّص من هذه الآفة البغيضة باللجوء إلى مراكز الإقلاع عن الإدمان، على يد أخصّائييّن مهرة، يدرّبون الإنسان على العزم والتصميم في ترك المسلك الخاطىء، وتحفيز الإرادة والقوّة الداخليّة بتغيير نمط الحياة الروتينيّة ليصل المدمن إلى الحرّيّة الحقيقيّة ومن ثمّ إلى راحة النفس، بدل استعباد الأرچيلة له.

 

 

خاتمة

 

"لا تقتل" من وصايا الله العشر لكلّ إنسان في الكتاب المقدّس. الوصايا العشر مترابطة بعضها ببعض، أي أنّ مخالفة إحداها تُعَدّ مخالفة لسائر الوصايا. والقتل هنا هو إمّا قتل القريب أو قتل الإنسان لنفسه بالإنتحار أو بممارسة عادات سيئة –ومنها الإدمان- ينجم عنها القتل التدريجي البطيء. الله وحده هو سيّد الحياة وعلى المرء الحفاظ على حياته وحياة الآخرين وصيانتهما بشكل يليق بكرامته وحياته الأبدية.