موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
حكماء وودعاء: هل ينطبق مفهوم الوداعة على المسيحي المؤمن؟

أشخين ديمرجيان :

 

ثمّ أكمل المسيح الآية بقوله : "كونوا ودعاء كالحمام"...

 

حالما نشاهد الحمامة أو نذكرها أو نفكّر بها، نتخيّل حمامة بيضاء اللون تحمل غصن الزيتون في منقارها، وتُعَدّ رموزاً قديمة للسلام، ترتبط بقصة سيّدنا نوح بعد الطوفان.

 

واستوحى الرسام الإسباني العالمي بيكاسو لوحة "la colombe" من هذه القصة، وقام برسم الحمامة وفي فمها غصن الزيتون كرمز للسلام لأوّل مرة فى التاريخ. وتمّ اختيار هذا الشعار ليكون رمزًا للسلام في مؤتمر السلام العالمي عام 1949. بعد ذلك أصبحت الحمامة هي الرمز الشعبي والعالمي للسلام في العالم الحديث. ما أجمل أن يكون المؤمن فاعلاً للسلام بنشاط. وأن يسهر وينتظر ويترقّب يوميًّا الهامات السيّد المسيح. مثلما راقبت الحمامة التي خرجت من سفينة نوح مدى تشرّب الأرض للماء كي تعود الى طبيعتها. "طوبى للساعين إلى السلام، فإنّهم عيال الله يُدعَون" (متّى 5: 9).

 

أمّا الإنسان الوديع فيتحلّى بالتواضع والبساطة واللطف والمسالمة والمحبّة. والوداعة لا تعني الغباء أو الضعف أو الخنوع أو الميوعة أو الاستسلام. بل تحمل مع التواضع القوّة والحزم والجرأة الأدبيّة واحترام الذات... وتُدافع عن الحقّ والعدل والأخلاق.

 

مثال على ذلك السيّد المسيح "الوديع والمتواضع القلب" لمّا رأى باعة البقر والغنم والحمام والصَّيارفة جالسين في الهيكل، صنع مِجلَدًا من حبال، وطردهم جميعًا، ونَثَرَ دراهم الصّيارفة وقَلب طاولاتهم، وقال: "لا تَجعلوا من بيت الله بيت تجارة" (يوحنا 2: 14-17). "وأخذ يعلّمهم فيقول: ألم يُكتَب: بيتي بيت صلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (مرقس 11: 17). ويسرد الانجيل المقدّس الأحداث: "فسمع الكتبة وعظماء الكهنة، فجعلوا يبحثون كيف يُهلِكونه، وكانوا يخافونه لأنّ الجمع كلّه كان مُعجباً بتعليمه" (مرقس 11 : 18).

 

هل ينطبق مفهوم الوداعة على المسيحي المؤمن؟

 

لقد أصبحت  الوداعة لدى أكثر المسيحيين مُرادفة للخوف والجبن والتخاذل والتواكل والخمول والبلادة والسلبيّة والكسل وإخفاء الحقائق. وهذا كلّه لا يتطلّب إلى مجهود البتّة. مع أنّ أبعاد التربية الروحانيّة والثقافيّة والأخلاقيّة، تتطلّب من كلّ مؤمن: الالتزام بوصايا الله والكنيسة، والعمل بجدّ وهمّة في سبيل الخير العام.

 

تُعَدّ الوداعة ناقصة أو باطلة، إن لم تكن جذورها راسخة في الحكمة رسوخ الصخر. فالحكمة والوداعة يكمّل أحدهما الآخر بناءً على تعاليم السيّد المسيح. لذلك ربط السيّد المسيح الحكمة والوداعة في تعاليمه قال: "كونوا حكماء كالحيّات وودعاء كالحمام".

 

 

خاتمة

 

لذلك حينما يُصبح لدينا عددًا كافيًا من المؤمنين الذين يربطون الحكمة والوداعة معًا بمفهومهما الصحيح، تتوازن الأمور على الكرة الأرضيّة. حينئذٍ فقط يمتلىء الفراغ الروحاني الذي تئنّ منه البشريّة وتتوجّع. فراغٌ أضحى في القلوب عميقًا، وهوّة باتت في النفوس سحيقة... ويزول تخبّط الناس وضياعهم واغترابهم بشتّى الوسائل... حينئذٍ فقط يُرسل الله "روحه" فيتجدّد وجه الأرض وتتجدّد صورة الإنسان.