موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بعد تسعة أشهر من ترقيته إلى رتبة كاردينال خلال الكونسيستوار الأخير للبابا فرنسيس، احتفل الإيطالي أنجيلو أتشيربي بعيد ميلاده المئة في 23 أيلول. هذا الدبلوماسي السابق في الكرسي الرسولي كان خادمًا أمينًا لثمانية بابوات. بدأ مسيرته في عهد بيوس الثاني عشر، وتعرّض في إحدى المرات للاحتجاز كرهينة في كولومبيا. وهو خامس كاردينال في تاريخ الكنيسة يبلغ سن المئة.
وشكّل اسمه، الذي لم يكن معروفًا من قبل عامة الناس، مفاجأة خلال الكونسيستوار الأخير للبابا فرنسيس في كانون الأول 2024. ففي سن التاسعة والتسعين، أصبح أتشيربي أكبر كاردينال سنًا يُعيّن في التاريخ، متوجًا مسيرة حافلة بالعطاء.
وُلد أنجيلو أتشيربي في 23 أيلول 1925 في بلدة سيستا غودانو، شمال غرب إيطاليا. رُسِم كاهنًا وهو في الثانية والعشرين من عمره في آذار 1948، من ثم التحق بالسلك الدبلوماسي التابع للكرسي الرسولي عام 1956، خلال حبرية بيوس الثاني عشر. ويرجّح أنّه أحد آخر الشهود المباشرين على عمل الفاتيكان في زمن "لا يعرفه من هم دون المئة عام".
ككاهن، عاصر سنوات المجمع الفاتيكاني الثاني والتحوّلات العميقة التي شهدتها حياة الكنيسة في عهد البابوات بيوس الثاني عشر ويوحنا الثالث والعشرين وبولس السادس. وخدم في السفارات البابوية في كولومبيا والبرازيل وفرنسا واليابان والبرتغال، وكذلك في أمانة سر دولة الفاتيكان.
في حزيران 1974، رسمه البابا بولس السادس أسقفًا وعيّنه سفيرًا بابويًا في نيوزيلندا ومندوبًا رسوليًّا إلى منطقة المحيط الهادئ. وقد أتته هذه الرسالة في سياق معقّد من مرحلة إنهاء الاستعمار في بعض هذه الأراضي الصغيرة المنتشرة عبر مساحة بحرية شاسعة. كان حينها أول ممثّل للفاتيكان يُرسل بشكل دائم ورسميّ إلى هذا الجزء من العالم، الذي زاره البابا بولس السادس قبل أربع سنوات.
عام 1979، عيّن البابا يوحنا بولس الثاني المطران أنجيلو أتشيربي سفيرًا بابويًا في كولومبيا. وقد جاء هذا بعد أكثر من عشرين عامًا على خدمته الأولى في هذا البلد كمستشار للسفارة البابوية. إلا أنه وجد نفسه هذه المرة في قلب حرب أهلية دامية.
في شباط 1980، وخلال حفل استقبال في سفارة جمهورية الدومينيكان، اقتحم مقاتلون من حركة "أبريل 19" المكان، واحتجزوا أتشيربي مع 26 شخصية بارزة، بينهم عدد من الدبلوماسيين. وعلى الرغم من احتجازه لمدة أسابيع، إلا أنّه كان يحظى بالاحترام لمكانته الكهنوتية، ومُنح الإذن بإقامة القداس يوميًا للموجودين.
هذا الأمر دفع أحد أفراد المجموعة المسلحة إلى تصريح لافت. فقد أعلنت امرأة عن إطلاق سراح بعض الرهائن بمناسبة أسبوع الآلام "تكريمًا للكنيسة الكاثوليكية، كنيسة المظلومين"، حيث أوضحت أن السفير البابوي سيبقى محتجزًا. وقالت: "إنه شخص مهم جدًا من الناحية التكتيكية".
ثم أضافت حجة أخرى لم يكن من الممكن دحضها: "ثم إننا إن أطلقنا سراحه، فمن سيقيم القداس كل صباح؟". ومع ذلك، تم الإفراج عن المطران أتشيربي بعد وقت قصير من قبل هذه الحركة المسلحة اليسارية المتطرفة، التي ينحدر منها الرئيس الكولومبي الحالي غوستافو بيترو.
بعد خدمته في كولومبيا لأكثر من عقد، نُقل في التسعينيات إلى بلدان أوروبية أكثر هدوءًا. فكانت محطته الأولى في المجر ومولدوفا، حيث أصبح أول سفير بابوي بعد سقوط الأنظمة الشيوعية. ثم عُيّن في هولندا، إحدى أكثر الدول علمانية في العالم. وبعد ذلك، أصبح أسقفًا لجمعية فرسان مالطا من عام 2001 حتى 2015، ولم يتقاعد إلا عند بلوغه سن التسعين.
خلال الكونسيستوار عام 2024، صرّح لوسائل الإعلام الفاتيكانيّة بأنه يرى في تعيينه كاردينالاً بمثابة "علامة تقدير واعتراف بالخدمة التي يقوم بها العديد من السفراء البابويين القدامى والجدد في جميع أنحاء العالم". وبعد أن فوجئ بهذا التعيين في مثل هذا العمر المتقدم، أقرّ بأنه يكتشف مكانته الجديدة "بامتنان وتقدير كبيرين، ولكن أيضًا مع قليل من الخوف، لأنها دائمًا ما تكون أمرًا جديدًا للجميع، وخاصة لكبار السن".
وكان أول الواردة أسماؤهم على لائحة الكرادلة الجدد، فوقف وألقى كلمة الشكر للبابا في بداية الاحتفال.
وأعرب عن تأثره بوفاة البابا فرنسيس في نيسان الماضي، كاشفًا في مقابلة مع محطة تلفزيونية محلية في ليغوريا، مسقط رأسه، عن "محبته" و"إعجابه" بالبابا الأرجنتيني الذي كان أصغر منه بكثير، والذي أتيحت له الفرصة لزيارته لآخر مرة في مقر إقامته ببيت القديسة مارتا.