موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"لقد فتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة على مستويات متعدّدة، بما في ذلك تعزيز البحث في مجال الرعاية الصحيّة والاكتشافات العلميّة، ولكنه في الوقت عينه يثير تساؤلات مُقلقة حول تداعياته المُحتملة على انفتاح البشريّة على الحقيقة والجمال، وعلى قدرتنا الفريدة على فهم الواقع ومعالجته".
هذه هي الإشارة التي قدّمها البابا لاون الرابع عشر في الرسالة التي وجّهها إلى المشاركين في مؤتمر روما السنوي الثاني حول الذكاء الاصطناعي. وفيها أعرب قداسته عن السرور باستضافة القصر الرسولي بالفاتيكان أعمال اليوم الثاني من المؤتمر، وهو "دليل واضح على رغبة الكنيسة في المشاركة في هذه النقاشات التي تمسّ حاضر الأسرة البشريّة ومستقبلها".
وحذّر البابا في رسالته بالقول "ومع الإمكانات الاستثنائية التي يحملها الذكاء الاصطناعي لفائدة البشرية، فإنّ تطوّره السريع يثير أيضًا تساؤلات أعمق بشأن الاستخدام السليم لهذه التكنولوجيا في سبيل بناء مجتمع عالمي أكثر عدالة وإنسانيّة".
وفي حين أنّ الذكاء الاصطناعي هو "بلا شك نتاج استثنائي لعبقرية الإنسان"، إلا أنّه أشار، كما أكد البابا فرنسيس الراحل، هو "أداة قبل كل شيء"، لافتًا إلى أنّ "الأدوات"، وبحسب التعريف، "تستمدّ الكثير من بعدها الأخلاقي من نوايا من يستخدمونها".
وقال: "في بعض الحالات، استُخدم الذكاء الاصطناعي بطرق إيجابيّة ونبيلة لتعزيز المساواة. لكن هناك أيضًا إمكانيّة إساءة استخدامه لتحقيق مكاسب أنانيّة على حساب الآخرين، أو ما هو أسوأ، لإثارة الصراع والعدوان"، وشدّد بالتالي على أنّ "الإقرار بما يميّز الإنسان واحترامه هو عنصر أساسيّ لمناقشة أي إطار أخلاقي مناسب لتنظيم الذكاء الاصطناعي".
وأقرّ البابا بأنّه لم يسبق لجيلٍ أن حظي بمثل هذه السرعة في الوصول إلى كمّ المعلومات المتاحة كما هو الحال اليوم بفضل الذكاء الاصطناعي. "ولكن، من جديد، لا يجب أن نخلط بين الوصول إلى المعلومات –مهما كانت وفيرة– وبين الذكاء الذي ينطوي بالضرورة على انفتاح الإنسان على أسئلة الحياة الجوهريّة، ويعكس توجهًا نحو الحقيقة والخير".
وقال: "الجميع يشعر بالقلق إزاء الأطفال والشباب، وعواقب الذكاء الاصطناعي المحتملة على نموهم فكريًّا وعصبيًّا"، مشدّدًا على الحاجة "لمساعدة الشباب في مسيرتهم نحو النضج والمسؤوليّة الحقيقية. لأنّهم أمل المستقبل"، وبأنّ "رفاهيّة المجتمع تعتمد على أن منحهم القدرة على تنمية مواهبهم وقدراتهم التي وهبهم الله لهم، والاستجابة لمتطلبات العصر واحتياجات الآخرين بروح حرّة وسخيّة".
وأكد أنّ الكنيسة ترغب، من جانبها، في الإسهام في نقاش هادئ وواعي لهذه القضايا الملحّة، مؤكدًا في المقام الأوّل على ضرورة النظر في آثار الذكاء الاصطناعي على ضوء "التنمية المتكاملة للإنسان والمجتمع". وهذا، يستلزم "أخذ خير الإنسان بعين الاعتبار، ليس فقط ماديًّا، بل فكريًّا وروحيًّا أيضًا. وهذا يعني صون كرامة كل إنسان، واحترام الغنى الروحي والثقافي وتنوّع شعوب العالم".
وفي نهاية المطاف، أشار إلى الحاجة لتقييم فوائد الذكاء الاصطناعي أو مخاطره بدقة وفق هذا المعيار الأخلاقي الأسمى، لافتًا إلى أنّ مجتمعات اليوم تشهد "فقدانًا"، أو "على الأقل "كسوفًا"، لما هو إنسانيّ، وهذا "يحمّلنا جميعًا مسؤولية التأمّل بعمق أكبر في الطبيعة الحقيقية لكرامتنا البشريّة المشتركة".
وفي الختام، شدّد البابا لاون على أنّ "الحكمة الأصيلة تتعلّق بإدراك المعنى الحقيقي للحياة أكثر من توافر المعلومات". وفي هذا السياق، أعرب عن أمله في أن تتناول مداولات المؤتمر الذكاء الاصطناعي في سياق "التعلّم بين الأجيال"، والتي ستمكّن الشباب من دمج الحقيقة في حياتهم الأخلاقيّة والروحيّة، مما يُنير قراراتهم الناضجة، ويفتح أمامهم الدرب نحو عالم أكثر تضامنًا ووحدة.