موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢
الأب فيديريكو لومباردي: بندكتس السادس عشر، حياة مكرسة للقاء وجه يسوع
تَذكّر الأب لومباردي البابا بندكتس السادس عشر وحبريته في مقال توقف فيه بشكل خاص عند أهمية الثلاثية التي كتبها البابا الفخري حول يسوع، ووصف حياة بندكتس السادس عشر بمسيرة سعت إلى لقاء وجه يسوع.

فاتيكان نيوز :

 

في تذكره للبابا الفخري بندكتس السادس عشر، أراد الأب فيديريكو لومباردي رئيس مؤسسة بندكتس السادس عشر الحبرية والمدير الأسبق لدار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي الانطلاق مما كتب البابا الفخري في رسالته الأخيرة في 6 شباط 2022 وذلك بعد أيام أليمة من حساب الضمير والتأمل حول الانتقادات التي وُجهت إليه فيما يتعلق بتعامله مع تعديات تعود إلى 40 عامًا مضت حين كان رئيس أساقفة ميونيخ. وكتب بندكتس السادس عشر في تلك الرسالة أنه سيقف قريبًا أمام القاضي الأخير، مضيفًا أنه حين ينظر إلى حياته الطويلة قد تكون لديه لحظات ذعر وخوف، إلا أنه يؤمن تمامًا بأن الرب ليس فقط القاضي العادل بل هو أيضًا الصديق والأخ الذي تَحمَّل هو ذاته أخطائي، لذلك فإلى جانب كونه قاضيًا هو أيضًا محامي. وواصل البابا الفخري أنه يلمس حين يفكر في الدينونة نعمة كونه مسيحيًا، فكوني مسيحيًا يهبني معرفة، بل وأكثر من هذا، صداقة قاضي حياتي ويمَكنني من المرور بثقة عبر باب الموت المظلم. وأضاف أنه يتذكر دائمًا ما يرويه القديس يوحنا في بداية سفر الرؤيا عن رؤيته ما يشبه ابن انسان في عظمة كبيرة فارتمى عند قدميه كالميت، "فوضع يده اليمنى علي وقال: لا تخف، أنا الأول والآخر".

 

وها قد حانت لحظة لقاء الرب، واصل الأب لومباردي مشيرا إلى أنه لا يمكن القول إن وفاة البابا الفخري كانت أمرا غير متوقع أو أن هذا الشيخ الكبير لم يكن مستعدا لهذه اللحظة. وتابع أنه إن كان البابا يوحنا بولس الثاني قد أعطى شهادة ثمينة لا تُنسى حول كيفية عيش مرض أليم بإيمان حتى الموت، فقد أعطانا بندكتس السادس عشر شهادة جميلة لكيفية أن نعيش في الإيمان الهشاشة المتنامية للشيخوخة لسنوات كثيرة حتى النهاية. وأضاف الأب لومباردي أن تخلي بندكتس السادس عشر عن الخدمة البطرسية في وقت ملائم قد مكنه من القيام بهذه المسيرة في سكينة كبيرة. وأشار رئيس المؤسسة الحبرية من جهة أخرى إلى أن البابا الفخري قد نال عطية إكمال مسيرته محافظا على يقظة الذهن ومقتربا بوعي من هذا الواقع الأخير الذي كانت لديه، كواحد من قليلين، شجاعة التفكير فيه والحديث عنه وذلك بفضل ما نال وعاش من إيمان.

 

وفي حديثه عن حبرية بندكتس السادس عشر توقف الأب فيديريكو لومباردي بشكل خاص عند تمكن البابا الفخري خلال سنوات حبريته من إنهاء ثلاثيته حول يسوع. وتساءل الأب لومباردي هنا كيف تَمَكن بابا مع كل ما يتحمل من مسؤوليات واهتمام بالكنيسة الجامعة من أن يكتب عملا كهذا. وتابع أن هذا العمل كان بالتأكيد ثمرة حياة من التأمل والبحث، إلا أنه كان هناك بدون شك شغف وحماس كبيران. إن صفحات هذه الثلاثية هي ثمرة قلم شخص دارس، ولكن في الوقت عينه قلم مؤمن كرس حياته للسعي نحو لقاء وجه يسوع، وكان يرى في هذا البحث إتماما لدعوته ولخدمته للآخرين. وذكَّر الأب لومباردي هنا بأن البابا الفخري قد أوضح أن هذا العمل حول يسوع يجب ألا يُعتبر تعليما بابويا، وأضاف رئيس المؤسسة الحبرية أنه يرى مع ذلك في هذه الثلاثية جزءً أساسيا في شهادة خدمة بندكتس السادس عشر كحبر أعظم، بل ولا يعتقد الأب لومباردي أنه من الصدفة أن يتزامن تفكير البابا الفخري في التخلي عن الخدمة البطرسية مع إكماله للثلاثية حول يسوع، فقد كان هذا زمن إتمام رسالة مركزية محورها الإيمان بيسوع المسيح.

 

ومن النقاط الأخرى التي توقف عندها الأب لومباردي في تذكره للبابا الفخري أن حبرية بندكتس السادس عشر قد تميزت بتعليمه بشكل أكبر. وذكَّر هنا بكلمات البابا الفخري التي أعرب فيها عن وعيه بأن قوته، إن كانت لدي قوة حسب ما قال، هي في تقديم الإيمان بشكل يتلاءم مع ثقافة زمننا. وواصل الأب لومباردي متحدثا بالتالي عن إيمان في حوار مع العقل، كما وأشار إلى ما كان يحظى به البابا الفخري من احترام من قِبل المتنبهين إلى حركة الفكر والروح ومَن يحاولون قراءة الأحداث في أعمق معانيها وببعد نظر بدون التوقف عند الجوانب السطحية للأحداث والتغيرات.

 

تحدث الأب فيديريكو لومباردي بعد ذلك عن إدراك البابا يوحنا بولس الثاني للقيمة الفكرية والثقافية ليوزيف راتزنغر والاستفادة منها بالنسبة للكنيسة الجامعة. وتابع أنه لا يمكن التفكير بشكل صحيح في حبرية البابا القديس يوحنا بولس الثاني من وجهة النظر العقائدية بدون حضور الكاردينال راتزنغر والثقة فيه. وأضاف الأب لومباردي أن هذا التعاون الطويل والهام قد رأى فيه الكرادلة مؤشر استمرارية لخدمة يوحنا بولس الثاني. وواصل رئيس المؤسسة الحبرية مشيرا إلى تميز مسيرة يوزيف راتزنغر بتواصل الخط الرابط مع توسع في آفاق الخدمة، وذكَّر في هذا السياق بكون دعوة بندكتس السادس عشر كهنوتية منذ البداية، هذا إلى جانب كونها دعوة إلى دراسة اللاهوت والخدمة الليتورجية والراعوية.

 

هذا ويرى الأب فيديريكو لومباردي أن حبرية البابا بندكتس السادس عشر ستُذكَر كحبرية طبعتها أزمنة أزمات ومصاعب، وشدد على ضرورة عدم إنكار هذا من جهة ورؤية هذ الأمر وتقييمه بشكل غير سطحي من جهة أخرى. وتحدث الأب لومباردي هنا عن وعي البابا الفخري بأن بابوات مختلفين كان عليهم مواجهة أوضاع أكثر صعوبة وبأن ليس هناك بابا يمكنه أن يتخيل أنه لن يتعرض لانتقادات ومصاعب وتوترات. وأضاف الأب لومباردي أن هذا لم يمنع بندكتس السادس عشر من الإجابة على الانتقادات بحيوية وحزم. وقد كانت التعديات الجنسية التحدي الكبير بالنسبة للكنيسة حسب ما تابع رئيس المؤسسة الحبرية مشيرا إلى أن هذا قد أدى أيضا إلى هجوم شخصي على البابا الفخري. وأعرب الأب لومباردي، وانطلاقا من اهتمامه بهذه القضية خلال حبرية البابا الفخري عن ثقته في أن بندكتس السادس عشر قد رأى بوضوح خطورة هذه المشاكل، ويُعترف له بمواجهتها بنظرة عميقة في أبعاد مختلفة، من الإصغاء إلى الضحايا والصرامة من أجل بلوغ العدالة إزاء الجرائم ومداواة الجراح، إلى وضع قواعد وإجراءات ملائمة والتكوين والوقاية.