موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٨ يوليو / تموز ٢٠٢٥

نحو تخطيط استراتيجي يصنع المستقبل

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
إن التعامل مع عالم VUCA لا يكون بالتراجع أو بالاكتفاء بالاجتهادات المرحلية بل يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا تربويًا قائمًا على الوعي والمرونة والابتكار

إن التعامل مع عالم VUCA لا يكون بالتراجع أو بالاكتفاء بالاجتهادات المرحلية بل يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا تربويًا قائمًا على الوعي والمرونة والابتكار

 

في عالم اليوم الذي تتسارع فيه التغيرات بوتيرة غير مسبوقة لم يعد التعليم مجرد منظومة تقليدية تُقدّم المعرفة داخل الغرف الصفية بل بات واجهة إستراتيجية لمواجهة عالم مليء بالتحديات والتحولات، هذا الواقع الجديد يفرض على الأنظمة التربوية إعادة النظر في أهدافها ومناهجها وطرق إدارتها لتصبح أكثر مرونة وابتكارًا.

 

ومن هنا يبرز مصطلح VUCA الذي ظهر في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين على يد كلية الحرب في الجيش الأمريكي ليصف بيئة عالمية تتّسم بالتقلب (Volatility)، وعدم اليقين (Uncertainty)، والتعقيد (Complexity)، والغموض (Ambiguity)، وهذه البيئة لم تعد تقتصر على السياسة أو الاقتصاد بل أصبحت تمسّ التربية والتعليم بشكل مباشر وتدفعنا إلى طرح سؤال جوهري كيف نخطط تربويًا في عالم لا يمكن التنبؤ به؟

 

في ظل هذه التحديات يصبح من الضروري إعادة تعريف التعليم، ليس كمجرد محتوى محفوظ بل كأداة للتمكين والتكيّف وكما قال مارتن لوثر كينغ "الذكاء بالإضافة إلى الأخلاق، هذا هو الهدف الحقيقي من التعليم".

 

وبالتالي يمكننا قراءة VUCA كمصطلح تربوي يعكس أربع سمات رئيسية تشكل واقع التعليم في القرن الحادي والعشرين:

 

التقلب (Volatility):

التغيّرات السريعة والمفاجئة في السياسات التعليمية أو ظهور تحديات غير متوقعة مثل الجائحة أو ثورة الذكاء الاصطناعي تجعل من الضروري أن يتمتع كل من المعلم والطالب بمرونة وقدرة على التكيف، فلم يعد التعلم مجرد نقل للمعرفة بل أصبح قدرة على التفاعل مع التحولات وصياغة ردود فعل ذكية وسريعة.

 

عدم اليقين (Uncertainty):

صعوبة التنبؤ بمستقبل سوق العمل أو بمسار التطورات التكنولوجية والمناهج تخلق ارتباكًا في اتخاذ القرار التربوي، وهنا تبرز الحاجة إلى تعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليل لدى كل من الطالب والمعلم ليتحول الغموض من عائق إلى فرصة للتعلم والنمو.

 

التعقيد (Complexity):

تشابك العوامل المؤثرة في التعليم من تكنولوجيا ومجتمع وثقافة واقتصاد يجعل العملية التعليمية أكثر تعقيدًا، وهنا تظهر أهمية التخطيط الاستراتيجي الشامل الذي يُبنى على فهم متكامل لا على حلول مجزأة أو سطحية.

 

الغموض (Ambiguity):

غياب الوضوح وتضارب التوجيهات يربك عملية اتخاذ القرار التربوي ويضع المعلمين والطلبة في مواقف غير واضحة المعالم، يكمن الحل في تنمية مهارات حل المشكلات والمرونة الفكرية والتعلم القائم على المشاركة والخبرة العملية من خلال مواقف حياتية واقعية.

 

إن التعامل مع عالم VUCA لا يكون بالتراجع أو بالاكتفاء بالاجتهادات المرحلية بل يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا تربويًا قائمًا على الوعي والمرونة والابتكار، لذا تُطالب المؤسسات التعليمية اليوم بالتحول إلى بيئات حيوية قادرة على استشراف المستقبل لا مجرد التكيّف معه.

 

لم يعد النجاح يُقاس بقدرة الطالب على اجتياز الامتحانات بل بقدرته على الفهم والتفكير وحل المشكلات واتخاذ القرار وسط متغيرات لا يمكن التنبؤ بها، وعندما نُعيد التفكير في التعليم من هذا المنطلق نكون قد اخترنا أن نصنع المستقبل لا أن ننتظره.

 

أما التربية فقد تجاوزت كونها خيارًا محصورًا في المعرفة أو السلوك لتصبح جوهرًا استراتيجيًا في صياغة الإنسان القادر على العمل ضمن جماعة والواثق من قدراته في مواجهة الغموض، مسؤولية جماعية تتطلب شراكة حقيقية بين المعلم والمتعلم وصانع القرار من أجل مستقبل لا ننتظره بل نختاره ونصنعه.