موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢١ مايو / أيار ٢٠٢٥

التعليم في الأردن بين الواقع والطموح

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
الأب عماد الطوال - الفحيص

الأب عماد الطوال - الفحيص

 

يُعد التعليم ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وتقدّم الأمم، وهو العامل الأبرز الذي يحدد مصير الأجيال القادمة في مختلف أنحاء العالم. وفي الأردن، يمثل التعليم قضية حيوية تشغل اهتمام الجميع، بدءًا من المواطن العادي وصولًا إلى صانع القرار، إذ يشكّل التحدي الأكبر في كيفية تقديم تعليم يواكب التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها المملكة.

 

 

المعيقات الأساسية

 

يواجه النظام التعليمي في الأردن تحديات أساسية، أبرزها ضعف البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، حيث تعاني العديد من المدارس من الاكتظاظ، مما يزيد أعداد الطلاب في الفصول الدراسية إلى حدّ يفوق قدرة المعلم على التفاعل الفعّال مع كل طالب. إضافةً إلى ذلك، تواجه المدارس الحكومية—التي تستقطب غالبية الطلاب—نقصًا واضحًا في الوسائل التعليمية الأساسية، سواء على مستوى الموارد المادية أو الأدوات التكنولوجية الحديثة.

 

وفي المقابل، تتّسع الفجوة بين التعليم العام والخاص، إذ يحظى طلاب المدارس الخاصة بفرص تعليمية أكثر تطورًا، بينما يواجه نظراؤهم في المدارس الحكومية تحديات كبيرة بسبب افتقارهم للعديد من الأدوات التي تعزز تجربتهم التعليمية، مما يحدّ من تكافؤ الفرص بين الطلاب. وفي هذا السياق، قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله: "التعليم النوعي هو جسر العبور إلى مستقبل أكثر إشراقًا، وهو المفتاح لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية."

 

 

التكنولوجيا في التعليم

 

دخلت التكنولوجيا إلى النظام التعليمي في الأردن خلال العقدين الأخيرين، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية استخدامها بفاعلية. وعلى الرغم من المبادرات الحكومية الهادفة إلى تطوير التعليم الإلكتروني، إلا أن الواقع يُظهر استمرار الصعوبات التي تواجه المدارس في تبنّي التعليم الرقمي بالشكل الذي يُمكن أن يُحدث تأثيرًا حقيقيًا.

 

فالعديد من المدارس، خصوصًا في المناطق النائية، تفتقر إلى التقنيات الحديثة التي تدعم التعليم عن بُعد أو تتيح تطبيقات تعليمية تفاعلية تسهم في رفع مستوى التحصيل العلمي للطلاب. إن التحول الرقمي في التعليم لا يمكن أن يكون مجديًا دون توفير التدريب اللازم للمعلمين على كيفية استخدام هذه الأدوات، فالمعلم هو العنصر الأساسي في نجاح أي عملية تعليمية، وبالتالي فإن تأهيله وتدريبه على التقنيات الحديثة أمر بالغ الأهمية لضمان حصول الطلاب على تجربة تعليمية متميزة.

 

 

الفجوة بين التعليم وسوق العمل

 

من التحديات الهامة أيضًا الفجوة الكبيرة بين النظام التعليمي وسوق العمل. فعلى الرغم من التقدّم الذي شهدته المملكة في مجالات مختلفة، لا يزال التعليم يعتمد على الأساليب التقليدية، حيث يركّز بشكل كبير على الحفظ والتلقين بدلاً من تزويد الطلاب بالمهارات الحياتية التي يحتاجونها في وظائف المستقبل.

 

في المقابل، يتطلب سوق العمل في الأردن مهارات عملية مثل التفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات. لذا، أصبح تطوير المناهج الدراسية بما يواكب التوجّهات الحديثة في سوق العمل أمرًا ضروريًا. فبدلاً من التركيز على المواد النظرية التي قد تصبح قديمة بمرور الزمن، يجب إدماج المهارات العملية والتقنية في المناهج، مع تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاعات الصناعية لضمان توافق المحتوى التعليمي مع احتياجات سوق العمل.

 

 

دور المعلم في العملية التعليمية

 

يظل المعلم العنصر الأهم في أي عملية تعليمية، غير أن المعلم الأردني يواجه تحديات عدة تؤثر على كفاءته في أداء مهامه، من بينها ضعف الرواتب، وارتفاع الأعباء الناتجة عن كثافة الفصول الدراسية، إلى جانب قلة الفرص المتاحة لتطوير مهاراته. وهذا ينعكس سلبًا على جودة التعليم.

 

لذلك، فإن تقديم برامج تدريبية مهنية مستمرة للمعلمين يعد ضرورة لضمان تنمية مهاراتهم وتحسين أدائهم. كما أن تحسين أوضاعهم المادية وظروف عملهم يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين البيئة التعليمية بشكل عام. فالمعلم المؤهل والمحفَّز هو الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها نجاح النظام التعليمي.

 

 

آفاق الإصلاح والتطوير

 

رغم هذه التحديات، لا تزال هناك فرص كبيرة للتطوير والتحسين. فالإصلاحات الجذرية في النظام التعليمي الأردني تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. كما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني: "لا يمكن أن نحقق التنمية المستدامة إلا من خلال تعليم حديث يواكب العصر، ويزوّد أبناءنا بالمهارات التي يحتاجونها للمستقبل."

 

لذلك، ينبغي تعزيز الاستثمار في التعليم، سواء من خلال تحديث المناهج، أو توفير بيئة تعليمية مجهّزة بالتكنولوجيا الحديثة، أو تحسين برامج تدريب المعلمين. ومن بين الحلول المهمة التي يجب أن تحظى باهتمام كبير تطوير التعليم المهني والتقني، إذ يمكن أن يسهم هذا النوع من التعليم في سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل، ويساعد في تخريج شباب مؤهلين لوظائف حقيقية.

 

علاوةً على ذلك، يمكن لإدخال أساليب تعليمية حديثة، مثل التعلّم القائم على المشاريع أو التعلم التعاوني، أن يساعد في تنمية مهارات الطلاب ويجعل التعليم أكثر توافقًا مع متطلبات العصر.

 

 

ختامًا

 

رغم التحديات التي تواجه التعليم في الأردن، فإن الفرص لإصلاحه وبناء نموذج تعليمي متطوّر أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فمع وجود الإرادة السياسية، ودعم المجتمع، والالتزام بتطوير المناهج، يمكن تحقيق تقدم ملموس في تحسين جودة التعليم وتوفير بيئة تعليمية حاضنة للابتكار والإبداع. والمستقبل يعتمد على الجهود التي تُبذل اليوم لبناء أجيال قادرة على تحمّل المسؤولية والتفاعل مع تحديات العالم المتغير.