موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ يونيو / حزيران ٢٠٢٥

مناجاة عالم اللاهوت رومانو غوارديني للروح القدس

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
مناجاة عالم اللاهوت رومانو غوارديني للروح القدس

مناجاة عالم اللاهوت رومانو غوارديني للروح القدس

 

1. عَالِمُ اللّاهوت "غُوارْدِيني"

 

وُلِد الأبُ الكاثوليكيّ "رومَانُو غُوارْدِيني"، ذو الأصول الإيطاليّة، في المدينة الإيطاليّة "فيرونا"، في 17 فبراير/شباط للعام 1885؛ ورحل عن عالمنا في المدينة الألمانيّة "موناكو دي بافييرا"، في الأوّل من أكتوبر/تشرين الأوّل للعام 1968. فهو قد عاش ودَرَس ودَرَّس ومات في ألمانيا؛ ويُعَدُّ من أحد كبار الفلاسفة وعلماء اللّاهوت الكاثوليك المعاصرين، إذ قد أثرى الفكر المسيحيّ عامّةً، والكاثوليكيّ خاصّةً، بكِتاباته الغزيرة وأُطروحاته الفلسفيّة واللّاهوتيّة العميقة.

 

وقد كانت الكلماتُ الأخيرة التي نطق بها قَبل لحظاتٍ من موته، هي تلك التي كتبها القدّيس أَوْغسطينُس، في بداية "اِعترافاته": «[...] لأنّك، خلقتنا لأجلك، ولن يهدأ قلبٌ لنا حتى يستقرَّ فيك» (اِعترافاتُ القدّيس أغوسطينوس، نقلها إلى العربيّة الخوري يُوحنّا الحلو، دار المشرق، بيروت، 1991، ط 4، 7).

 

لقد تَرَكَ عَالِمُ اللّاهوت "غُوارْدِيني" –باللّغة الألمانيّة– مؤلَّفات عديدة وثمينة؛ فأَذكُر منها على سبيل المثال لا الحصر كِتاباته في: المجال "الفلسفيّ"؛ مجال "الأدب الدّينيّ"؛ مجال "الكِتاب المقدّس وعِلْم اللّاهوت"؛ مجال "الكريسْتولوجيا" (ولا سيّما أشهر كُتبه على الإطلاق: "الرّبّ"، الذي تُرجِم جزءٌ منه إلى اللّغة العربيّة).

 

 

2. من خَواطر "غُوارْدِيني" حول الصّلاة

 

لقد اهتمّ عَالِمُ اللّاهوت "غُوارْدِيني" بقضيّة "الصّلاة المسيحيّة" في العديد من مؤلَّفاته. فتناول بالدّراسة أهمَّ الجوانب المتعلّقة بها؛ مثلًا: أنماطها (اللّيتورجيّ، التّقويّ، الشّخصيّ)، وطرقها (الارتجاليّة، المحفوظة، اللّفظيّة، الصّامتة، الجماعيّة، الفرديّة)، وأبعادها (الشّكر، طلب الغفران، التّوسُّل، التّسبيح،...).

 

وهذه هي بعضٌ من خَواطره وأقواله الرّائعة عن الصّلاة:

 

«أمام وجه الله فقط يقتني الإنسانُ وجهَه الحقيقيّ».

 

«في نهاية المطاف، لا يمكننا أنْ نظلّ مسيحيّين دون أنْ نصلّي، كما أنّه لا يمكننا أنْ نستمرّ في الحياة دون أنْ نتنفّس».

 

«يعتمد مصيرُ حياة المرء، إلى حدٍّ كبير، على كيفيّة صلاته، وكيفيّة صلاة الآخرين لأجله. فالأعمالُ العظيمة كانت دائمًا ثمرة الصّلاة».

 

 

3. مُنَاجَاةُ "غُوارْدِيني" للرُّوح القُدُس ("مجيءُ الرُّوح القُدُس")

 

أُقدّم –لأوّل مرّةٍ– تعريبًا لمُنَاجَاةٍ ثيولوجيّة قد كَتَبَها "غُوارْدِيني" مُبتهِلًا إلى رُوح الله والمسيح؛ وهي بعنوان "مجيء الرُّوح القُدُس":

 

«حينما كان ربُّنا يسوع المسيح، بعد ظُهْر ذلك اليوم، مع خاصّته للمرّة الأخيرة، و"أعطاهم كمال مِلء محبّته"، قد وعدهم بأنّهم لن يبقوا وحدهم، بل إنّه سيرسل لهم "شفيعًا آخر": أنتَ، "يا رُوح الحقّ". ثمّ أتيتَ في رعدِ يوم العنصرة ولهيبِه، والآن أنتَ معنا. أنتَ تحمل كلَّ واحدٍ منّا نحو درب الخلاص. وأنتَ تقود ملكوت الله عبر ظلام وإلتباس الأزمنة. ومن خلال كلّ ما يحدث، تُحقّق عملَ الخليقة الجديدة، التي يتعيّن أنْ تُستعلن لنا يومًا ما، عندما "يعود الرّبّ ليقاضي الأحياء والأموات".

 

أيّها القُدّوس، لقد أُعطِيتَ لنا على هيئة "الرُّوح". أنتَ معنا في قدومٍ دائم التّجديد. وأنتَ إلى جانبنا في مظهرٍ جديد دائمًا. ونحصل على الحياة الجديدة بمجرّد أن تعود لتمنحنا إياه دائمًا. ولذا، فنتوسّل إليك أن تتمّ فينا الرّسالة التي من أجلها أرسلك الآبن.

 

"خُذ"، يا رُوح يسوع المسيح، "ما هو كينونة-وجود، وهبني إياه"، فيصير لي. دع نوركَ يشرق في داخلي، حتّى اعترف بحقيقته. اربط قلبي بالوفاء الذي يتطلّبه الإيمان، حتّى لا أنحرف عنه قَيْد أَنْمُلة. وعلّمني أن أحبّ، إذ إنّه بدون المحبّة تبات الحقيقةُ مائته. "المحبّة لا تقوم على قدرتنا على أن نحبّ الله من ذواتنا، وإنّما على أنّه هو قد أحبّنا أوّلًا". أقنع قلبي بمحبّة الله، وامنحني القوّة للاستجابة لمحبتّه، حتّى "أثبت في الله وهو فيَّ".

 

أنتَ، أيّها الرُّوح [القُدُس]، تعمل على بُزُوغ الخليقة الجديدة في العالم العتيق القديم؛ فاِملأني بالثّقة في قدرتك المقدَّسة. فقوّتك ليست أرضيّة، وقد تبدو غالبًا، في مِضْمَار عُنف ومَكر الأرض، حمقاء وضعيفة. لذلك، امنح قلبي الرّجاء في "حرّيّة سيادة أبناء الله".

 

بِكَ، أيُّها الرُّوح القُدُس، قد عاش ربُّنا [يسوع المسيح]، وبقوّتكَ قد "غلب العالم". ولكنّ العالمَ ما هو إلَّا أنفسنا ذاتها: قلبنا الأنانيّ والأعمى والأحمق. فخذه بقوّتك، واجعله خاضعًا ومتّسعًا، لكي يحيا المسيح فينا ونحن فيه. آمين».