موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

كيف ناقش الكتاب المقدس موضوعة الأفكار الأثيمة (الفتنة)

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
"لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا" (إش 8: 12)

"لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا" (إش 8: 12)

 

المقدمة والتمهيد

 

الفتنة ما هي وكيف نستطيع مواجهتها:

 

مَا يَقَعُ بين البشر كنتيجة لاخْتِلاَفٍهم في قبول او رفض أو تفسير ما ينقل لهم من معلومات ووقائع يتداولها افراد باستعداد نفسي خاص وبقدرات على تحريك الانفعالات والمشاعر ولينشأ خلاف ولتحدث الفتنة بعدها.

 

تأريخ نشأت الفتن بين المجتمعات والامم واحد وسببه البشر الذي يفتش عنها لعمل الشر، أذ لا يوجد أبشع من الفتنة أنها توقد الكراهية والانتقام ربما لأتفه الأسباب أوفي نشر الإشاعات والنميمة والأكاذيب وإثارة المشكلات وليزحف الافساد راكباً الفتنة فلا تدع أحداً إلا وآذته وأصابته بشرها، ولتؤدي بعد ذلك الى نشوء الخلافات والعداوات، أذا يسبق قيام الفتنة تهيئة ظروف لصناعتها ونقل الاحداث بين طرفين او أكثر للوقيعة بينهم بأيّ دالٍة كانت من تلفّظ، أو كتابة، أو إشارة، أو إيماء، أو رمز، أو حديث السوء... والقائمة تطول.

 

الفتنة عادة ما تكون نائمة ومن يسعى الى أيقظها: في كل حقب التاريخ لنا وقائع من ذلك الإيقاظ والى يومنا هذا، فإن الفتن لا يوقظها عالم.. ولا عاقل.. بل يوقظها الحاقدون والجهلة والسفهاء وعديمي الغيرة والتربية... إلخ، ولكنهم لا يلبثون أن يعانوا من وصول نارها إليهم، أنهم لا يدركون سوء عملهم إلا بعد فوات الأوان لأن الفتنة إذا أقبلت أحرقت الأخضر واليابس كما يقال في الامثال. وتُشم رائحتها من بعيد  يدركها من له معرفة بالنوايا المبيتة من خلالها كما في تأويل وتحريف الكلام عن موضعه، أو عند الشغب وطغيان الشهوة والمال، والسوء، او في الأسقاط النفسي على احداث التي يمكن التلاعب بمكونات حدوثها وروايتها بما يسيء لها وللقائمين بها، والتحرش اللفظي عند الاختلاف مع الاخرين، فضلا عن الرغبات الدنيئة، كالمغالاة والتعالي، والفضول، والتدخل في ما لا يعنيه، والانتهازية في تأويل ونشر الاخبار التي تؤدي الى الفتنة والاسراف ونكث العهود، وتفرقة الكلمة بين البشر، والابتعاد عن الحق، والاستدراج الكيدي.

 

 

أسباب الفتن وما تحتاجه من وسائل وتقنيات مادية لنشرها وكما يلي:

 

هناك بعض الأسباب التي أدَّت إلى الفتن بينها، العنصرية والتعصب والجهل والقبلية وتعمد النفاق وحب السيادة في المجال السياسي بُغيَةَ الحصول على المناصب يضاف الى ذلك التشدد الديني والحسد فالحاسد يسعى الى الفضيحة وأيضا الطمع والتذكير بالماضي والاخطاء والشتم أو الطعن في الشرف والاحتقار وآثارُ هذه الفتن سيئةُ وواسعة وعواقبَها وخيمة فكم من دماء سُفِكت، وبيوت هدمت، وأناس شُردوا، وأموال نُهِبت، وأمنٍ فُقِد خلالها، وقد استخدم البشر وسائل عديدة في نشر الفتن منها:

 

1- لسان الانسان* "صُنْ لِسَانَكَ عَنِ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْكَ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْغِشِّ" (مز 34: 13)، يستخدم السان كوسيلة ذات وجهان نحو الخير فانه يستُخدم للإصلاح والنصح والإرشاد، وشر الذي يأتي منه يعد أخطر وسيلة ويشير التعليم الكتابي الى ذلك: "لِسَانُكَ يَخْتَرِعُ مَفَاسِدَ. كَمُوسَى مَسْنُونَةٍ يَعْمَلُ بالغش أحْبَبْتَ الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنَ الْخَيْرِ، الْكَذِبَ أَكْثَرَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالصِّدْقِ. سِلاَهْ، أَحْبَبْتَ كُلَّ كَلاَمٍ مُهْلِكٍ، وَلِسَانِ غِشٍّ" (مز52: 4،3،2)، "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مت 15: 11).

 

2- الكتابة والتأليف والبعض منها يعد مِن وسائل الفتنة التي تستعمل في محتويات الكتب ورسائل النميمة، يضاف الى ذلك وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بأنواعها ودورها في النشر والترويج للأكاذيب والصاق التهم، فضلا عن تقنيات التجسس الشخصية لدى البعض على الاخرين للوقوف على اخبارهم وجمعها استعدادا لفرصة نشرها، وان جميع ما تقدم اعلاه يعتبر من أجود الوقود للفتنة، "مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا" (رو 1: 29).

 

3- الاستعانة بالشر والفتن، سواء كان ذلك من افراد أو جهات ينتمون اليها امر في غاية السوء، ما الذي   يكسبوه من بث الاحقاد، والكراهية العرقية والدينية والمذهبية، لان الضرر الذي تسببه الفتنة في هذا المجال واسعاً، ومثال ذلك، لماذا يكون التنوع الديني والعرقي في بعض بقاع العالم داعما ورافدا للتقدم والقوة ويكون في بقاع اخرى عاملا من عوامل الضعف والاختلاف والاضطهاد... والقائمة تطول اليس هذا يحدث تحت علامة استفهام كبيرة.

 

4- مواقع التواصل الاجتماعي، يتسابق فيها بعض البشر لنشر الآراء والاخبار المتنوعة وتكون البعض منها يثر الشهية في المداخلة لأبداء لرأي ويحاصر فيها المدونون بعضهم البعض في سجال فكري تفوح منه احيانا رائحة غير مريحة وهي الشر والاشاعة والنميمة والفتن.

 

 5- القنوات الفضائية التلفزيونية البعض منها ولأي جهة كانت تنتمي، تحاول اثارة الاختلاف والكراهية من وراء بث الاحقاد بين البشر، اليس الأفضل ان نسخر هذا للخير والعمل المشترك بين الناس على اختلاف اعراقهم، أذ ليس من حق أحد ان يتطفل ويتدخل في شؤن الاخرين ويثير الفتن، لماذا لا نجرب المحبة وتقريب وجهات النظر وتوسيع دائرة التفاهم اليس ذلك افضل للبشر.

 

 

والفتنة والنيمة هما وجهان للشر المخزون لدى بعض البشر كيف عالج الكتاب المقدس هذه المشكلة:

 

للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من نتوجه الى مفترق الطرق التي اوضحها لنا الرب يسوع المسيح حين قال: "فَالإنسانُ الصّالِحُ يُخرِجُ ما هُوَ صالِحٌ مِنَ كَنزِهِ الصّالِحِ، وَالإنسانُ الشِّرِّيْرُ يُخرِجُ ما هُوَ شِرِّيرٌ مِنَ الشَّرِّ المَخزُونِ لَدَيهِ. وَلَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ إنَّهُ فِي يَومِ الدَّينونَةِ، سَيُسْألُ النّاسُ عَنْ كُلِّ كَلِمَةٍ قالُوها" (مَتَّ 12:35, 36)، وألان ماذا نفعل اتجاه النميمة والفتنة، أذا كان التعليم قد سلمنا الإجابة وحسمها لتكون من خلال كلمة الله لترشدنا ماذا نفعل وتقول لنا، "لا تَخرُجْ كَلِماتٌ غَيرُ لائِقَةٍ مِنْ أفواهِكُمْ بَلْ فَقَطْ ما يَصلُحُ لِبِناءِ الآخَرِينَ حَسَبَ الحاجَةِ وَلِفائِدَةِ السّامِعِينَ" (أفَ 4:29).

 

وردت الفتنة والتي تسبقها في الاحداث النميمة في الكتاب المقدس بنفس المعنى ومكملة لبعضهما لذلك يمكن تفسيرهما على التالي: فالنَّميمَة وشاية، ونقل الاحداث والحديث عنها على وجه الإفساد والوقيعة بين النَّاس فالواشي ناشر الإشاعات والأكاذيب، يتجول ناشرا الأخبار ويشيع الفتن أو الفضائح، فمثل هؤلاء ممن تكون لديهم معلومات مشوهة عن الأحداث والمشكلات تحت مختلف مسمياتها فضلا عما يحدث في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية…..ألخ "السَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، وَالأَمِينُ الرُّوحِ يَكْتُمُ الأَمْرَ" (أم 11: 13)، "هُوَذَا الإِنْسَانُ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللهَ حِصْنَهُ، بَلِ اتَّكَلَ عَلَى كَثْرَةِ غِنَاهُ وَاعْتَزَّ بِفَسَادِهِ" (مز 52: 7).

 

أذا هي بقصد الإفساد وإثارة الكراهية والأحقاد ومن ثم الخصومة والفرقة، “الرَّجُلُ اللَّئِيمُ يَنْبُشُ الشَّرَّ، وَعَلَى شَفَتَيْهِ كَالنَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، رَجُلُ الأَكَاذِيبِ يُطْلِقُ الْخُصُومَةَ، وَالنَّمَّامُ يُفَرِّقُ الأَصْدِقَاءَ. اَلرَّجُلُ الظَّالِمُ يُغْوِي صَاحِبَهُ وَيَسُوقُهُ إِلَى طَرِيق غَيْرِ صَالِحَةٍ، مَنْ يُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ لِيُفَكِّرَ فِي الأَكَاذِيبِ، وَمَنْ يَعَضُّ شَفَتَيْهِ، فَقَدْ أَكْمَلَ شَرًّا" (ام 16: 27-30)، وهذه قد ضمنتها قائمة الخطايا التي يفعلها كل من لم يعترف بالله. "أمّا الأحادِيثُ الفارِغَةُ الدُّنيَوِيَّةُ فَتَجَنَّبْها، لِأنَّها لا تَعمَلُ إلّا عَلَى إبعادِ النّاسِ أكثَرَ عَنِ اللهِ" (2 تِيمُ 2:16)، وعالجها الكتاب المقدس من خلال:

 

1- ألا تكون أذهاننا ساحة تلقى فيها النميمة وتحدث الفتنة وان نتذكر دائما خطورتها وعدم تصديق ما يقال فكلمات الجاهل مهلكة له، وأقواله فخ لنفسه، والمشاكل التي تثيرها تسبب الخصومة وتشعل النزاع، "بِدُونِ حَطَبٍ تَنطَفِئُ النّارُ، وَبِدُونِ النَّمّامِ تَهدَأُ المَشاكِلُ وَالخُصُوماتُ. الفَحمُ يُستَخدَمُ لِلجَمرِ، وَالحَطَبُ يُستَخدَمُ لِلنّارِ، وَمُثِيرُ المَشاكِلِ يُشعِلُ النِّزاعَ، كَلامُ النَّمّامِ يُشبِهُ الطَّعامَ اللَّذِيذَ الَّذِي يَنزِلُ إلَى المَعِدَةِ" (أم 26:20-22).

 

2ضبط اللسان والابتعادً عن كل نميمة وفتنة لأنها كلمات من نار تحرق كل من يتعامل بها، واطلب معونة الله لي، “أعِنِّي، يا اللهُ، وَاضبُطْ لِسانِي، أعِنِّي فَأنتَبِهَ إلَى ما يَخرُجُ مِنْ فَمِي" (مَز 141:3).

 

 

ما الدرس المستفاد من قبول الفتنة او رفضها لصالح الفرد والمجتمع:

 

1- يميل البعض إلى التقاط الأخبار من أفواه الكذابين ومثيري الفتن ويعملون على تحويرها واضافة بعض المقاطع والمعلومات اليها وتحديثها، وفقا اهوائهم الشخصية، وميولهم ومصالحهم الشخصية أو الفئة التي ينتمون اليها. وكثيرا ما يجد البعض في هذه متنفسا يعبرون عنه في إحداث تغيير وردود افعال وجس النبض المتلقين لها. "خُبْزُ الْكَذِبِ لَذِيذٌ لِلإِنْسَانِ، وَمِنْ بَعْدُ يَمْتَلِئُ فَمُهُ حَصًى، اَلسَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، فَلاَ تُخَالِطِ الْمُفَتِّحَ شَفَتَيْهِ" (أم 20: 19،17).

 

2- النميمة والاشاعة والفتنة ظواهر اجتماعية قديمة، عمرها قدم التواصل الاجتماعي واشكاله، ويستمر انتشارها وتأثيرها في عصرنا التقني، "مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا" (رو 1: 29).

 

3- لا يستثني الكتاب المقدس الجنسين من النميمة والفتنة "اَلسَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ فَلاَ تُخَالِطِ الْمُفَتِّحَ شَفَتَيْهِ" (أم 20: 19)، وبالتأكيد يندمج أي من الرجال والنساء في الفتنة والنميمة بمجرد أن افشاء ما قيل لهم في السر كما في، “بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ، وَبِفَمِ الأَشْرَارِ تُهْدَمُ، اَلْمُحْتَقِرُ صَاحِبَهُ هُوَ نَاقِصُ الْفَهْمِ، أَمَّا ذُو الْفَهْمِ فَيَسْكُتُ، السَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، وَالأَمِينُ الرُّوحِ يَكْتُمُ الأَمْر" (أم 11:11، 12-13). وفي اية أخرى نجد ان، “فَمُ الْجَاهِلِ مَهْلَكَةٌ لَهُ وَشَفَتَاهُ شَرَكٌ لِنَفْسِهِ. كَلاَمُ النَّمَّامِ مِثْلُ لُقَمٍ حُلْوَةٍ وَهُوَ يَنْزِلُ إِلَى مَخَادِعِ الْبَطْنِ" (أم 18: 7-8). “مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ يَحْفَظُ مِنَ الضِّيقَاتِ نَفْسَهُ" (أم 21: 23). “بِعَدَمِ الْحَطَبِ تَنْطَفِئُ النَّارُ، وَحَيْثُ لاَ نَمَّامَ يَهْدَأُ الْخِصَامُ" (أم 26: 20).

 

4- جميعنا يتعامل مع المعلومات السلبية أسرع مما نتعامل مع الإيجابية منها فضلا عن أننا نستهلك طاقة اقل لتصديقها عندما تكون المعلومات كاذبة وهذا يعني إننا لا نهتم بالبحث عن الحقيقة لأنها تتطلب وقتا وجهدا، أو ربما لا نملك طرقا لمتابعة الحقيقة لان الفتنة تنتشر بسرعة كبيرة في المجتمع (2)، "شَاهِدُ الزُّورِ لاَ يَتَبَرَّأُ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالأَكَاذِيبِ لاَ يَنْجُو" (ام 19: 5)، "السَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، وَالأَمِينُ الرُّوحِ يَكْتُمُ الأَمْرَ" (أم 11: 13).

 

5- انتشار الفتنة يثير القلق والخوف في نفوس الناس، فضلا عن انها تنشر روح الهزيمة النفسية ليسهل بعد ذلك اختراقها والتحكم فيها، كما وتنتشر الشائعات والتي هي الوجه الاخر للوصول الى الفتن، وينشط مروجوها في أوقات توقع الخطر، كأوقات الحروب والقلاقل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن الناس يتوقعون كل شيء خلال هذه الأوقات، فعندما سماعهم أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها. لذلك لا أحد ينكر أن للشائعة قدرة على اثارة النزاعات وصولا الى الفتنة فضلا عن آثارها الحسية بالغة، وبمقدورها أيضا القضاء على مجتمعاتٍ كاملة إذا لم تواجه بطريقة فاعلة وواعية. وتزداد خطورتها كذلك إذا كانت هناك جهة او (جهات) تروج لهذه الشائعة بغرض تحقيق أهدافها ومبتغاها في إشاعة الفتن وما أكثرهم في مجتمعاتنا، “مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا" (رو 1: 29).

 

6- ويمكن تلخيص أهداف الفتن والنميمة والشائعات كالآتي: إضعاف معنوية الفرد والمجتمع، وإشغال وتعطيل الفكر عن التعامل مع الحقائق، وذلك من خلال تفاعل مع الفتن والشائعات وتصديقها والترويج لها. إضافة إلى زرع الريبة والشك في النفوس، مع التشكيك في التعايش بينهم وبين رموزهم الاجتماعية والسعي لزعزعة الثقة، كما أنها تهدف إلى زرع الفرقة وتعميق الفجوة بين مكونات المجتمع، “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رو 3: 23).

 

وختاماً القراء الكرام ابعدوا أنفسكم عن النميمة والفتنة:

 

بكل محتوياتها المعروفة وكما بيناه أعلاه  فالنميمة والفتن يؤلفها ويروج لها الحاقدون والكارهون، وينشرها ويصدقها البسطاء من البشر لذلك يجب الحذر من تداولها، فحين يكون مداد اقلامنا مشرّفاً ونضعه على ورق الايمان بكلمات العدل والنزاهة عندها سيكون رفضنا للفتنة كما ورد في انجيل لوقا البشير، "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا، أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ" (لوقا 6: 41 ،42 ،45)، هذا  يعد إعلان عن متوالية ارشادية تتضمن احاطة معرفية متكاملة بنوايا البشر عند التفكير بقصد البحث عن الفتنة والترويج لها فضلاً عن بحثهم في التاريخ والجغرافية النفسية لحياة الاخرين وليتخذوا منها نواة لتأليف الفتن ونشرها بحسب الزمان والمكان والتأكيد الملفق لحدوثها.

 

أبعدنا يا رب عن سلوك النميمة والفتنة وقنا شرورهما، واهلنا للحصول على بركتك وابعد عنا طريق التجربة وبارك جميع من يعمل البر باسمك وساعدنا في اجتياز الصعاب ومكن كنيستك المقدسة من أداء عمل الايمان وانت ايه القارئ العزيز عش حياة النعمة والمحبة والتسامح والمغفرة، "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ" (مت 6: 14 ،15)،

 

الكتاب المقدس العهد الجديد ينقل لنا البشارة بالمحبة والايمان لنستمع اليه ولنقتني جميعا نسخة منه ونودعها في مساكننا وفي متناول يد الجميع ولنلتقي مع من قدمه لنا يسوع المسيح يوميًا:

 

"اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ" (1 يو 3: 1)، ولنصلي في كل الاوقات كما علمنا الرب يسوع حين قال: "وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ، "وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ" (لو 11: 1)، فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ، خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا، وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ آمِينَ".

 

إذًا لابد ان نجرب المحبة وتوسيع دائرة التفاهم ونسخر مزيدا من الخير المشترك بين الناس على اختلاف اعراقهم وليس من حق أحد ان يتطفل ويتدخل في حياة الاخرين من خلال الفتنة التي من الممكن أن تأتي علي الأخضر واليابس في العالم أجمع …. ولنقترب ونصافح بعضنا بعض ونقول "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا، لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ، وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ.، أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (1كور13: 13،10،9،8)…. الى الرب نطلب.

 

---

 

1- "فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ بِشِدَّةِ الْيَدِ، وَأَنْذَرَنِي أَنْ لاَ أَسْلُكَ فِي طَرِيقِ هذَا الشَّعْبِ قَائِلًا، لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا، قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ. وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ، وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ».” (إش 8: 12،11، 13، 15). الله هنا يعطيه دفعة روحية تعين ضعف الجسد. لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً أي مؤامرة ومعاني أخرى الاقتتال والكراهية والتعصب. يبدو أن الشعب المنافق حسبوا توبيخ النبي لأحاز أنه مؤامرة ضد أحاز.

2- وبحسب علم الاجتماع، نملك جميعا نزعة نقل الأخبار السلبية اكثر من الإيجابية. وفي هذا الصدد تشير الى ذلك أستاذة علم النفس في جامعة آيوا الشمالية “هيلين هورتون”: ” وفي دراسة أخرى اجراها عالم النفس الأسترالي “ستيفان لاندوفسكي” عن سبب تفشي المعلومات الكاذبة وسرعة انتشارها في غضون ثوان معدودة حول العالم. استنتاج “لاندوفسكي”.

*اللسان المِقوَل (أي آلة القول وعضو الكلام) واللسان: المتكلمُ عن القوم. واللِّسْنُ: الكلامُ واللغة واللسان. واللَّسَنُ الفصاحة وهو لَسِنٌ أي فصيح. والملسنون يتداولون الكلام بالعناد والغضب والاجابات بدون تفكير وهناك ما يذكر عن اللسان مجازا في مواقع مختلفة كلسان الحمَل ولسان الثور ولسان العصافير ولسان الكلب ولسان السَبع نباتات يُتداوى بها، والقاموس يورد الأمراض التي تشفى بها.

** ومن المناسب ان نذكر هنا لقد منعت السلطات البريطانية، سائقي مركبات الاجرة وركابها من مناقشة الأمور الدينية، خوفا من نشوء الخلاف، علما ان هذه المملكة ملتزمة بالحريات الشخصية والتعدد العرقي فيها.