موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥

عيد رأس السنة في المفهوم المسيحي

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
سنة جديدة مباركة

سنة جديدة مباركة

 

مع الدقائق الأخيرة من العام، يشرع الزمان في طي صفحة كاملة من عمر البشرية، ليبدأ فصلاً جديداً يُكتب بحبر الأمل. إن عيد رأس السنة ليس مجرد رقم يتغير على التقويم، بل هو محطة كونية يتوقف فيها العالم لالتقاط الأنفاس، وتأمل ما مضى، والتطلع بشغف إلى ما هو آتٍ.

 

تتعدد مظاهر الاحتفال بهذا العيد وتتنوع بتنوع الثقافات، فبينما تضيء الألعاب النارية سماء المدن الكبرى كأنها نجوم تسقط احتفاءً بالمستقبل، تجتمع العائلات حول موائد العشاء في أجواء تسودها المودة والدفء. وفي كل بيت، تُعلق الزينة وتُتبادل الهدايا كرمز للمحبة وتجديد الروابط الإنسانية.

 

ولكن، أبعد من الصخب والاحتفالات، يحمل رأس السنة دلالة معنوية عميقة، فهو يمثل "البداية الجديدة". إنه الوقت الذي يراجع فيه الإنسان جردة حساباته مع نفسه، فيتصالح مع إخفاقاته ويحتفي بنجاحاته. في هذه الليلة، يولد "التفاؤل" من رحم التحديات، حيث يضع الجميع قائمة بالأهداف والأمنيات، عاقدين العزم على أن يكون العام القادم أفضل حالاً وأكثر إنجازاً.

 

في المفهوم المسيحي : يحمل عيد رأس السنة  أبعاداً تختلف عن الاحتفالات المدنية الصاخبة، فهو يرتبط بالتقويم الليتورجي (الطقسي) وبذكرى أحداث دينية محددة على النو التالي :

 

 

نشأة عيد رأس السنة وأهميته في المسيحية

 

تاريخياً، لم يكن لدى الكنيسة الأولى "عيد" خاص برأس السنة، بل كان التركيز منصبًا على عيد الميلاد المجيد وعيد الغطاس.

 

• النشأة: بدأ الاحتفال برأس السنة الميلادية اليوم الأول من شهر كانون الثاني يتخذ طابعًا دينيًا مع اعتماد التقويم اليولياني ثم الغريغوري. في القرن السادس الميلادي، حددت الكنيسة يوم 1 كانون الثاني ليكون ذكرى "ختان المسيح" (حسب الشريعة اليهودية بعد 8 أيام من ولادته).

 

• الأهمية الدينية:

 

1. بدء سنة النعمة: يُنظر إليه كفرصة لشكر الله على السنة الماضية وطلب البركة للسنة الجديدة.

2. عيد الختان وتسمية المسيح: هو العيد الذي أُعطي فيه الطفل يسوع اسمه، مما يرمز لبدء عمله الخلاصي.

3. التأمل الروحي: يعتبر وقتاً للتوبة والمحاسبة الذاتية بدلاً من الاحتفالات الخارجية فقط.

 

 

هل هناك آيات في الكتاب المقدس عن رأس السنة؟

 

الكتاب المقدس لا يذكر "عيد رأس السنة" بالمعنى المعاصر، لأن التقاويم كانت تختلف. ومع ذلك، هناك نصوص تؤصل لفكرة تجديد الزمان وبداية الشهور:

 

• في العهد القديم: كان الله قد حدد لبني إسرائيل بداية لشهورهم: "هَذَا الشَّهْرُ يَكُونُ لَكُمْ رَأْسَ الشُّهُورِ. هُوَ لَكُمْ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ" (خروج 12: 2).

 

• في العهد الجديد: التركيز على التجديد الروحي مع كل زمن جديد:

 

"إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْقَدِيمَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً" (2 كورنثوس 5: 17).

 

"تُكَلِّلُ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَآثَارُكَ تَقْطُرُ دَسَمًا" (مزمور 65: 11).

 

في الختام، يظل عيد رأس السنة تذكيرًا سنويًا بأن الوقت هو أغلى ما نملك، وأن كل ثانية هي فرصة لولادة جديدة. فلنجعل من هذا العيد مناسبة لنشر السلام والمحبة، ولنستقبل عامنا بابتسامة تفتح أبواب الخير، آملين أن يحمل بين طياته الأمان للعالم أجمع، ويحقق تلك الأحلام المعلقة.