موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٤ مارس / آذار ٢٠٢٤

دخول يسوع إلى اورشليم: هوشعنا لابن داؤد!

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
دخول يسوع إلى اورشليم: هوشعنا لابن داؤد!

دخول يسوع إلى اورشليم: هوشعنا لابن داؤد!

 

بهذا الهتاف النابع من القلب رحبَ الأطفال والمساكين والمرضى والضعفاء بيسوع. هؤلاء الناس المتواضعين، البسطاء والأتقياء استقبلوا يسوع عند مشارف اورشليم، لا يريدون ان يكونوا متفرجين على الملك الآتي باسم الرّبّ، بل كانوا أناس ينتظرونه بفارغ الصبر ليسيرون وراءه ويدعمون مبدأه ورسالته.

 

موكب يسوع  هو موكب الخلاص. في هذا اليوم يدخل الله إلى قلب الإنسان، إلى قلب كل إنسان بتواضع وبساطة "تعالوا إليَّ جَميعاً أيُّها المرهقون والمتعبون وأنا أُريحُكم، إحملوا نيري، وتعلموا مني، وتتلمذوا لي، فإنِّي وديعٌ متواضع القلب، تَجِدوا الراحة لنفوسكم" (متى ١١: ٢٨-٣٠).

 

في هذا اليوم الأغرّ يأتينا الرّبّ ويدخل قلوبِنا برأفة وطيبة وحنيّة. ياتينا بنداء الخلاص الذي ننتظره، وليس بهتاف خلاص كاذب مزيَّف كما نراه في أيامنا هذه، يأتينا حامِلاً بين ثناياه الخلاص الحقيقي. الكثيرون اليوم يعِدوننا بالخلاص، ولكن أي خلاص؟ فالذين يدعوننا للخلاص هم أنفسهم محتاجين إلى الخلاص. ولكن، الحاجة دائماً هي: "إلى واحد"، إلى يسوع المُخلّص وفادي البشرية، هو فقط يدعونا إلى خلاص حقيقي، لا بل هو نفسه، الخلاص كما قال: "أنا الباب، فمن دخل مني يَخلُص" (يوحنا ١٠: ٩).

 

يسوع ملك السلام

 

نعم، يسوع هو ملك، ملك السلام، يدخل إلى اورشليم، المدينة التي إلى اليوم لم تعرف السلام. وموكب يسوع  الجالس على الجحش لا يخيف ابداً، لانه لا وجود معه لجنود ولا لحراس ولا لدبابات ومدرعات، ولا من يحملون الأسلحة الفتاكه، والصواريخ والقنابل، بل أطفال وشيوخ يحملون اغصان الزيتون وسعف النخيل رمزًا للسلام والفرح. هذه هي علامات ملك الخلاص المتواضع والمسالم والمحب للبشر.

 

يسوع يريد رسلاً مبشرين بالمحبّة والسلام، لذلك لا يريد أن يسير في موكبه لجنود و حراس ولا أي رمز من رموز الحماية  الشخصية، يريد العميان والبرص والخرس والمجروحون والعشارون والمتألمون والمهمشون، يريد كل من شفاه روحيًاً وجسدياً، يريد كل إنسان فيه علّة، وخاصةً الخطأة، ليسيروا معه  في موكب  الخلاص .

 

كثيرون كانوا على جانبي الطريق التي تؤدي  إلى اورشليم مدينة السلام، وكثيرون فرشوا الطرق بأرديتهم ورفعوا الاغصان وهتفوا للملك "تَباركَ الآتي باسم الرّبّ"، ولكن، ومع الأسف من بين هؤلاء الأشخاص من تراجع وترك يسوع وحده يسير في طريق الالآم والعذاب. واخرون رفعوا اصواتهم طالبين أن يُصلب (لوقا ٢٣: ٢٣)، واخرين انكروه، ولم يبقى معه إلاَّ  العدد  القليل الضعيف الذي لا يقوى إلاَّ على البكاء والبكاء بصمت.

 

جميعنا يخاف من الملوك والحكام والمسؤولين، فهم يتسلطون بحزم وعنف على البشر، وكثيرا ما يعذبونهم ويضطهدونهم ظلماً، ولا يكترثون  إذا نام الكثيرين جائعين وعطشانين وليس لهم لقمة للعيش. لكن ملكنا يختلف تماماً عن هؤلاء، فهو مُحب، لا يزعجنا بطلباته، بل يأتينا متواضعاً ويحمل همومنا وأوجاعنا ومخاوفنا ويفهمنا ويغفر لنا خطايانا، وبكلمة واحدة يهتم ويعتني بنا "أمّاً أنا فقد أتيتُ لِتكونَ الحياة للناس، وتفيضُ فيهم" (يوحنا ١٠: ١٠).

 

تَباركَ الآتي باسم الرّبّ في قلوبِنا :

 

إذا أردنا اليوم أن نسير مع يسوع في موكب الشعانين، موكب التواضع والمحبّة والسلام "السلام أستودعكم ، وسلامي أُعطيكم" (يوحنا ١٤: ٢٧)، يجب علينا أن نستقبله بإيمانٍ وحرارة ليدخل أعماق  قلوبنا، شافياً لنا أمراضنا الروحيّة والجسديّة، وجروحاتنا وعاهاتنا.

 

لكل واحد منا أورشليم خاصة، به وهي قلبه. ويسوع، لايزال إلى اليوم راكباً الحمار يبحث عنا وينتظر الدخول إلى أورشليم كل واحد منا، إلى قلبنا.

 

إلى جانب من سنقف اليوم؟

 

إلى جانب الأطفال المنشدين والمبتهجين والقائلين: تَباركَ الآتي باسم الرّبّ؟

 

أم إلى جانب الكتبة والفريسيين الغاضبين والقائلين: "اصلبه، اصلبه... دمُهُ علينا وعلى أولادنا" (متى ٢٧: ٢٣-٢٥)؟

 

ولنتذكّر، إذا لم نرحبّ بيسوع ترحيباً لائقاً، لهتفت الأحجارة (لوقا ١٩: ٤٠) وتعلن ملكوت الله.