موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
خمسة عشر عامًا مرت على إنعقاد السينودس من أجل الشرق الأوسط الذي دعا إليه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في عام 2010 الذي حمل شعار "شركة وشهادة"، عندها ظن كثيرون أن الكنيسة أرادت مراجعة حضورها في المشرق وإعادة تعريف رسالتها في قلب عالم عربي يموج بالتحولات، لكن أحداً لم يتوقّع أن تمر المنطقة بعدها بعقدٍ هو الأصعب في تاريخها الحديث.
منذ تلك الدعوة تبدل كل شيء، اندلعت الحروب وسقطت الحدود واهتزت المدن القديمة التي كانت يومًا مهدًا للقداسة والتنوع. ملايين من الناس بينهم مسيحيون كُثر وجدوا أنفسهم بين التهجير والخوف والاغتراب، كأن "الشركة" التي تحدث عنها السينودس تحولت إلى صرخةٍ في الفراغ، وكأن "الشهادة" غدت عبئًا على من تبقى ليحملها.
لكن حين نقرأ الوثيقة اليوم بعد مرور خمسة عشر عامًا لا نقرأها كصفحة من الماضي بل كوصيةٍ للمستقبل، فقد أراد السينودس أن يذكرنا بأن مسيحيي الشرق ليسوا غرباء في أوطانهم بل شركاءً في صنع تاريخها وهويتها، أراد أن يقول إن الإيمان لا يُقاس بعدد النفوس في الإحصاءات بل بعمق الحضور في الحياة العامة، في المدرسة والجامعة في العمل والمجتمع في السياسة والثقافة وفي قلب الإنسان الشرقي الذي لا يزال يبحث عن معنى وجوده.
الشرق الأوسط اليوم يعيش حالة فقدان توازن تترنح فيها المفاهيم الكبرى: المواطنة، العيش المشترك، العدالة، والرجاء، وهنا تبدو رسالة "الشركة والشهادة" أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى، فالشركة ليست انغلاقًا كنسيًا بل انفتاح على الجار، والمسلم قبل المسيحي، والمجتمع قبل الذات، فالشهادة ليست خطبًا ولا بيانات، بل أن تظل نورًا صغيرًا في ليلٍ طويل من الخوف أن تشهد للسلام رغم نزيف الأرض.
بعد خمسة عشر عامًا يمكن القول إنّ السينودس لم يفشل لكنه لم يُستثمر كما يجب بقي حبيس الأدراج في كثير من الكنائس بينما كانت الحاجة أن يتحول إلى ثقافة يومية تتجسد في سلوكٍ جماعي، فلربما حان الوقت لإعادة قراءته لا من باب الذكرى بل من باب الدعوة، لأن الشرق الذي يفقد توازنه الروحي يفقد نفسه، ولأن الكنيسة التي لا تشارك الإنسان وجعه تفقد شهادتها، وإذا كان التاريخ يُكتب بالدمع والدم. فليكن هذا السينودس كلمةً أخرى للحياة في أرضٍ لا تزال تنتظر رجاء قيامة جديدة.