موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الناس أحرار فيمن وما يحبون. فمن المحبة بداية الأشياء كلها. هي حجر الزاوية التي لا يتم بناء دونه، ونقطة الارتكاز التي تمضي قدما حتى تكتمل دائرةً، وتختصر المسافات، فتجسّر الهوّة، وتبني الجسور باستقامة لا عوج فيها، خطا مستقيما ليس بأقصر الطرق فقط، بل وأسلمها.
كاتب هذه السطور، الفقير إلى الله، من عشاق بني معروف الكرام. من محبي كل من أحب الحياة، وهم منهم. عرفتهم جيرانا في عمّان القلب، التي لا تبعد كثيرا عن سويداء سوريانا الغالية، ورفاق غربة وزملاء مهنة في دالية الكرمل في أراضينا المباركة غرب أردننا المفدى. خبرتهم عن قرب على مقاعد التربية والتعليم، في المدرسة والجامعة، ومن بعدُ زملاء في الوطن والمهجر. من دول عدة، من الأردن وسورية ولبنان. من عرب وكورد وشركس وأرمن ودروز. هؤلاء أصل البلاد، أصل مشرقنا العظيم، لا أقليات إثنية، لا عرقية ولا دينية (مذهبية أو طائفية).
في الاصطلاح السياسي الغربي، الأنجلوسكسوني، الأمريكي تحديدا، عرفنا في مشرقنا المكلوم بعد كوارث «الفوضى الخلاقة والربيع العربي» عرفنا مصطلح، مكونات «كُنستِتْشِوِنْس». هم في النظام الانتخابي الأمريكي أكثر ما يعني شاغر المنصب السياسي، سواء في الإدارة أو الكونغرس، بصرف النظر عن الحزب السياسي، ديموقراطيا أو جمهوريا. عضو الكونغرس نائبا أو شيخا (سيناتورا) همّه الأول هو رضى ناخبيه الذين يكوّنون قوته السياسية والمالية والإعلامية في أكبر عدد ممكن من المقاطعات. رأينا كيف مقاطعة واحدة في ولاية فرجينيا- من بين 133 مقاطعة ومدينة مستقلة إداريا- حسمت انتخابات الحاكم قبل ثلاث سنوات، حيث انتصرت مقاطعة «لاوْدِنْ» الأعلى في متوسط الدخل بأمريكا كلها في الخمسين ولاية، انتصرت لأب انتفض غضبا لما حل بابنته من مصيبة، من جريمة باسم «التنوع والتسامح مع ما سمي الهوية الجنسية»، عندما تعرضت فلذة كبده لاعتداء جنسي من ذكر غضت المدرسة الطرف عن ادعائه بأنه أنثى من حقه دخول حمامات البنات! صار «غْلِنْ يَنْكِنْ» حاكم الولاية الجمهوري وكاد أن يكون منافسا على منصب نائب الرئيس ترمب في ولايته الثانية، وهو لا ريب من الذين ينتظرهم مستقبل واعد على الصعيد الوطني، وليس الحزبي فقط.
حرصت على هذا المثال في سياق حديثي عن المكونات لا الأقليات، لتعدد الرسائل الضمنية فيه أيضا. فتلك المقاطعة صار فيها الحضور الهندي لافتا ومقاطعات مجاورة لها أيضا في ضواحي العاصمة واشنطن بأشبه ما يكون «سليكون فالي» فرجينيا على غرار الأصلي في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي لبلاد العم سام. المهاجرون بشكل شرعي، وعبر الاستقطاب والتجنيد أو التوظيف للاستقدام بشكل قانوني، تميزوا بالمعرفة والحرفية. الميزة النوعية، كانت سببا في حصولهم على إقامة شرعية دائمة، واكتسابهم الجنسية الأمريكية، لا شيء آخر. التميز في العلوم التقنية خاصة الأمن السيبراني «السايبر» لا «الهايبر» القومي لدولة الهند -أكبر ديموقراطية في العالم من حيث عدد الناخبين والأكثر ثراء في تعددية «المكونات» حيث الأديان والطوائف بالآلاف- «السايبر» والمعرفة النوعية والمهن الاحترافية عموما، لا «الهايبر» بمعنى التباهي القومي أو الديني والأنا المنتفخة المتعالية، هي التي تمنح الفرد أو الطائفة أو الجالية قيمتها في أي مجتمع، بصرف النظر عن الوضع القانوني للفرد، كمواطن أو مقيم، أو حتى كزائر أو سائح.
أي عدائية، إقصائية، أي استهداف لأي إنسان، تمييزا ضد الفرد على «الهوية»، ظلم لا يقبله حرّ. «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». الدستور الأمريكي قام في بنائه الروحي والأخلاقي على ركيزة أن الله سبحانه هو واهب البشر حرياتهم وحقوقهم التي لا يحق لمخلوق المساس بها تحت أي ذريعة.
إن كانت العقائد أقدس وأسمى ما عرفت البشرية، فكيف لما هو أدنى أن يتحكم بها؟ من هنا كان الحرص على العلمانية أو فصل الدين عن الدولة إكراما لهما، ولمنتسبي كل منهما، مع تأكيد حقيقة أنه لا يجوز مقارنة أمرين، من جنسين مختلفين كليا. الدين عالم الروحيات والأخلاقيات والمثل العليا. صحيح أن «الدين المعاملة» ويشمل كل ما يخص حياتنا الدنيا والآخرة، لكن للدولة أقانيم ثلاثة من بينها الشعب الذي من البديهي أن يكون حرا في اختيار دينه ومذهبه كيفما شاء، ما لم يتعدى على الحرمات والواجبات والحقوق الخاصة بشركائه في المواطنة، والأهم الوجود كبشر خلقهم رب الأرباب، أحرارا.
نجحت محادثات عمّان الخاصة بسورية ولله الحمد الثلاثاء، حيث كانت استضافة أردننا المفدى أردن العترة الطاهرة والهواشم، أردن المعمودية، لمحادثات خير ومحبة وسلام لسوريانا كلها، بجميع أصايلها، ومنهم إخوتنا بنو معروف الكرام، الموحدون الدروز. الحرُّ معروفٌ والأصايل أيضا..
(الدستور الأردنية)