موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥

أُحب الصليب، ولا أُحب غير الصليب

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
أُحب الصليب، ولا أُحب غير الصليب

أُحب الصليب، ولا أُحب غير الصليب

 

أُحب الصليب، ولا أُحب غير الصليب، لأني أراه دائمًا على كتفي يسوع، عند أقدام الصليب، نركع لتعلّم المحبة.

 

أَمَّا نَحْنُ، فمَعَاذَ اللهِ أَنْ نَفْتَخِرَ إلا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح : هُوَ خَلاصَُنَا وَحَيَاتُنَا وَقِيَامَتُنَا، بِه افْتُدِينَا وَحُرِّرْنَا.

 

ما زلنا في هذا الأسبوع نحتفل بعيد ارتفاع الصليب المقدس، وكلنا ثقة بأنه لكل واحد منا صليبه على هذه الأرض، فما علينا إلا أن نحمله بفرح وإيمان متذكرين قول الرب يسوع: "من أراد أن يكون لي تلميذًا فليحمل صليبه ويتبعني".

 

مع القديس يوحنا الذهبي الفم، نريد أن نتأمل بعظمة سر الصليب المقدس قائلين: نَسجُدُ لكَ، أَيُّها المسيحُ، وَنُباركك، لأَنَّك بِصليبِكَ المُقدَّس خلصتنا و خَلَّصتَ العَالَم".

 

لنستمع إلى كلام الله :

 

قِراءَةٌ مِن رِسالةِ القديسِ بُولُس الرَّسُول إِلى أَهلِ فِيلبِّي (٢: ٦-١١)

 

إِنَّ المسيحَ يسوع، مَعَ أَنه في صُورةِ الله، لَم يَعُدَّ مُساواتَهُ للهِ غَنيمَة؛ بل تجرَّدَ من ذاتِهِ، مُتَّخِذاً صورةَ العَبد، وصارَ على مِثالِ البَشَر، وظَهَرَ بِمَظهَرِ الإِنسان. فوَضَعَ نَفسَهُ، وأَطاعَ حَتَّى المَوت، مَوتِ الصَّليب. لِذلِكَ رَفَعَهُ اللهُ فَوقَ كُلِّ شيء، ووَهَبَ لَهُ الاسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء.كَيما تَجثُوَ لاِسمِ يسوع، كُلُّ رُكبَةٍ في السَّماءِ وفي الأَرضِ وفي الجحيم، ويَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يسوعَ المسيحَ هو الرَّبُّ، تَمجيداً للهِ الآب.

 

نَسجُدُ لكَ، أَيُّها المسيحُ، وَنُباركك، لأَنَّك بِصليبِكَ المُقدَّس خَلَّصتَ العَالَم.

 

 

الانجيل المقدس

 

فصلٌ من بشارةِ القدِّيس يوحنَّـــا الإِنجيليِّ البَشير (٣: ١٣–١٧)

 

قالَ الرب يسوعُ لنيقوديمُس :"لم يَصعَدْ أَحدٌ إلى السَّماء، إِلاَّ الَّذي نزَلَ من السَّماء، وهو ابنُ الانسان. وكما رفَعَ موسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة، فكذلك يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الانسان، لِتكونَ بِهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَم، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنهِ الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِهِ، بل تكونَ لَهُ الحياةُ الأَبدِيَّة. فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَهُ إلى العالَم، لِيدينَ العالَم، بل لِيُخَلِّصَ بِهِ العالَم".

 

"سر الصليب المُقدَّس"، للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ:

 

كانَ الصليب في السابق اسماً للقصاص والعقاب، أمّا الآن فهو اسم للفخر والاحترام.

 

كانَ الصليب في السابق موضع عار وعذاب، أمّا الآن فأصبحَ سبب مجد وشرف. ويؤكد المسيح أنَّ الصليب مجد بقوله: "فمجدني الآن عندك يا أبتِ، بما كان لي  من المجد عندك قبل أن يكون العالم" (يوحنّا ١٧: ٥).

 

الصليب هو قمّة خلاصنا. الصليب هو مصدر عشرات الآلاف من الخيرات. بواسطة الصليب صارَ المنبوذين والساقطين مقبولين في عداد الأبناء. بالصليب لم نعد بعد مُضللين بل للحق عارفين. بالصليب أصبح الذين كانوا فيما مضى يعبدون الأخشاب والأحجار يعرفون خالق الكُلّ. بالصليب نالَ عبيد الحريّة عتق الحريّة بالبرّ. بالصليب صارت الأرضُ سماءً. وهكذا بالصليب تحرَّرنا من الضلال، وهكذا ننال الإرشاء إلى الحقّ. هكذا أتمَّ الله أمراً يليق به تجاه البشر. هكذا أقامنا من عتق الخطيئة ورفعنا إلى قمّة الفضيلة. هكذا أباد ضلال الشياطين وهكذا كشفَ الخداع.

 

بالصليب لم يعد هناك دخان، ولا دماء حيوانات مُهرقة، بل في كُلّ مكان نجد الاحتفالات الروحيّة والتسابيح والصلوات. بالصليب هربت قوات الشرّ وفرَّ الشيطان. بالصليب تتسابق الطبيعة البشريّة لتنضم إلى محفل الملائكة. بالصليب صارت البتوليّة مُستوطنة على الأرض، فحيث أتى المسيح من عذراء فقد فتحَ طريق هذه الفضيلة أمام طبيعة البشر. بالصليب أنارنا نحنُ الجالسين في الظلمة. بالصليب حرَّرنا من الأسر، وبعد أن كُنّا بعيدين صرنا منهُ قريبين.

 

هكذا بالصليب خلَّصنا، وصارَ لنا هذا الفداء بالفعل. هكذا بالصليب بعد أن كُنّا غرباء صرنا مواطنين سماويين. هكذا بالصليب بعد أن كُنّا نُحارِب صارَ لنا السلام والأمان. وبالصليب لم نعد نخاف سهام الشيطان، فقد وحَّدَنا نبع الحياة. بواسطة الصليب لا نحتاج فيما بعد الزينة الخارجيّة لأنَّنا نتمتع بالعريس. وبالصليب لم نعد نخاف الذئب فقد عرفنا الراعي الصالح "أنا هو الراعي الصالح" (يوحنّا ١٠: ١١). وبالصليب لن نرهب الطاغية إذ صرنا إلى جانب الملك. أترغب في معرفة إنجاز عظيم آخر للصليب يفوق إدراك العقل البشريّ؟

 

إنَّ الفردوس الذي كانَ مُغلقاً قد فُتِحَ اليوم. اليوم دخلَ اللصّ إليه. هناك إنجازان عظيمان، فتح الفردوس ودخول اللصّ إليه، إعادته لوطنه القديم، واسترداده إلى بلده الأمّ... الصليب هو رمز ملكوت السموات، ولهذا فإنَّني أدعو المصلوب عليه ملكاً. ملكاً إذ هو يموت من أجل رعاياه، فقد قالَ عن نفسه أنَّ "الراعي الصالِح يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنّا ١٠: ١١). حقاً والملك الصالِح يضع نفسه من أجل رعاياه. ولأنَّهُ وضع نفسه بالفعل لهذا فأنا أدعوه ملكاً وأهتف: "اذكرني يا ربّ متى جئت في ملكوتك".

 

 

صلاة:

 

أيها الرب يسوع المسيح،

 

نحن نرفع أنظارنا اليوم إلى صليبك المقدس، ذاك العرش الذي تحول من أداة عار إلى ينبوع مجد وخلاص.

 

علّمنا أن نحتضن صليبنا بفرح، عالمين أن فيه قوة القيامة، وأن طريق الألم يقود إلى حياة جديدة.

 

يا من بصليبك أبطلت الموت وغلبت الشر اجعل صليبك نوراً لنا في عتمات هذا العالم، ودرعاً يحمينا

 

اغرس فينا روح الشجاعة لنواجه تجاربنا، وروح المحبة لنحمل بعضنا أثقال الآخر، وروح الرجاء لنؤمن أن كل جرح يُشفى في جراحك المقدسة.

 

يا مخلصنا يسوع المسيح، اجعل عيد ارتفاع صليبك عيد نصرة في حياتنا ولتكن علامة صليبك المبارك بركة على حياتنا وعائلاتنا ومجتمعنا وبلادنا. آمين.