موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بعد عدة أيام من الخروج لأوّل مرّة، من إيطاليا، عاد البابا لاون الرابع عشر إلى روما، بعد أيام أمضاها في تركيا وأيام أخرى في لبنان. في تركيا استذكر مرور 1700 سنة على مجمع نيقية، أي الاجتماع الأول لكل أساقفة العالم آنذاك، وحال دون وقوع انقسام عقائدي في الكنيسة. فذهب البابا ووفده المرافق إلى إزنيق الاسم الحالي لنيقية سابقًا. والتقى طبعًا برؤساء الكنائس وبحشود المؤمنين والرهبان والراهبات، وكذلك طبعًا بالأخوة المسلمين حين زار الجامع الأزرق (أو جامع السلطان أحمد).
إلا أن الجانب المؤثر في الرحلة كان الوصول إلى لبنان الشقيق حين أمضى ثلاثة أيام بذر خلالها البذار الصالحة الداعية إلى "شجاعة" العمل الرعوي في داخل الكنائس، و"شجاعة" العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، و"شجاعة" العمل الحثيث من أجل السلام الذي كان شعاراً للزيارة، باقتباس من الإنجيل المقدس: "طوبى للساعين إلى السلام".
حجم الحماس كان كبيرًا في استقبالات البابا في كل مكان تم إختياره جيدًا لفعاليات الزيارة، من المطار إلى القصر الجمهوري والسفارة البابوية، ومزار مار شربل، ومزار سيدة لبنان - حريصا، وبطريركية بكركي للموارنة، ووسط بيروت، ومرفأ بيروت، والقداس الحاشد على الواجهة البحريّة.
تشرّفت بالسلام على قداسة البابا، وقلت له إن شاء الله الزيارة القادمة إلى الأردن، ابتسم قائلاً: أرجو ذلك. وقد كان ذلك في ساحة الشهداء في بيروت، حيث أقيم اللقاء الموصوف بالمسكوني، لمشاركة بطاركة الكنائس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية، وكذلك اللقاء بين أتباع الأديان بحضور رؤساء الطوائف الإسلامية من سنّة وشيعة ودروز وعلويين. وكان لكل منهم حديث في المناسبة التي أحياها أطفال مسلمون ومسيحيون مرنمين من أجل المحبة والسلام. وتحدّث فيه البابا مؤكدًا على العيش المشترك وأهميته لبناء لبنان الغد والمستقبل.
كان هذا اللقاء مفخرة، إذ رأينا كل أطياف وطوائف لبنان متحدة معًا وحاضرة وإيجابية ومحبّة الواحدة للأخرى. همس إليّ كثيرون ليت اللبنانيين يبقون هكذا دائمًا، وكنت أجيب إن الله على كل شيء قدير. لم يحلَّ البابا بعصا سحرية كل تعقيدات الحياة السياسية والاقتصادية، لكنه على الأقل بذر بذارًا طيّبة، وبعدما قام بصلاة صامتة أمام مرفأ بيروت المتفجر قبل أعوام، وقابل العديد من أهالي الضحايا، كما قابل المرضى الموجوعين بأجسادهم ونفوسهم، في دير الصليب، قال في ختام عظة القداس الذي جمع أكثر من 150 ألف شخص: "يا لبنان، قُم وانهض! كُن بيتًا للعدل والأخوّة! كُن نبوءة سلامٍ لكلّ المشرق!".
شكرًا للأشقاء في لبنان الذين رسموا صورة رائعة بالتحضير لمثل هذه الزيارة التاريخية وتنفيذها. وشكرًا على استقبال البابا ووداعه بجدارة وجودة. وشكرًا على حفاوة الاستقبال للوفود الأردنية المشاركة باللقاء، وحين رافقت سعادة السفير الأردني النشمي وليد الحديد، بالسلام على رئيس الجمهورية الجنرال جوزاف عون، والسيدة الأولى نعمت عون التي لعبت دورًا بارزًا بالتحضير للزيارة، وغيرهما من أصحاب السلطات السياسية والدينية في لبنان، كانت لغة المحبة للأردن قيادةً وشعبًا على كل لسان.
وإلى اللقاء في زيارة بابوية إلى بلد عربي آخر ألمح إليه البابا يوم أمس في رحلة العودة، أي الجزائر الشقيقة، لاستعادة ألق فكر ابن الجزائر، وواحد من أهم الفلاسفة واللاهوتيين في التاريخ. أعني القديس أغسطينوس. وهذا ما توقعه كاتب هذه السطور قبل عدّة أشهر. إذا لا يكاد يخلو أيّ خطاب للبابا لاون الذي كان لعدّة سنوات رئيسًا للرهبنة الأغسطينية، من اقتباس من القديس أغسطينوس، أسقف عنّابة (قديمًا بون أو هيبون) الملقبة بجوهرة الشرق الجزائري.