موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٤ أغسطس / آب ٢٠٢٣
عيد انتقال العذراء وتبريك العنب لدى الأرمن

أشخين ديمرجيان :

 

عيد انتقال سيّدتنا مريم العذراء إلى الخدر السماويّ من أقدم الأعياد المريميّة في الكنيسة الأرمنيّة. ومن بين الأعياد الكبيرة الخمسة وهي: الميلاد والغطاس والفصح وتجلّي الربّ وعيد الصليب. ويوم الاثنين الذي يلي هذه الأعياد السيّديَّة الخمسة يُكرَّس لتذكار الموتى.

 

"سيّدة الكروم والثمار والحصائد" من ألقاب سيّدتنا مريم العذراء لدى الأرمن، إضافة إلى حملها ألقاباً أخرى كثيرة. كما أنّ تبريك العنب في هذا العيد تقليد شعبي متوارث، أدخلته الكنيسة الأرمنيّة في صميم الليتورجيا الكنسيّة، وأضْفَت عليه صبغة روحانيّة ومعنًى خلاصيًّا انطلاقًا من نوح الذي زرع الكرمة، وانتهاءً بالسيّد المسيح.

 

في عيد انتقال العذراء إلى السماء، تقوم الكنائس الأرمنيّة في كلّ أنحاء العالم، ببركة العنب بعد ذبيحة القداس الالهيّ مباشرة. ويُفتتح التبريك بترنيمة الإشادة بصليب الخلاص الكريم المُحيي وقراءات من العهد الجديد. ثمّ صلاة تبريك العنب من تأليف القدّيس "نرسيس شنورهالي"، أحد آباء الكنيسة العظام في القرن الثاني عشر للميلاد. وتشمل الصلاة إعطائه تعالى النباتات والأشجار المثمرة لآدم وحواء: "ها قد أعطيتكم كلّ عشب يُخرج بِزرًا على وجه الأرض كلّها ، وكلّ شجرفيه ثمر بزره فيه كجنسه" (تك 1: 29). ويرد ذكرعدم طاعتهما لمشيئة الله وحرمانهما من الجنّة. ثمّ يذكر مجيء المخلّص وخلاص البشريّة جمعاء من الخطيئة والموت.

 

كما أنّ عيد انتقال العذراء يتزامن مع موسم نضج العنب وقطف ثماره. ويمتنع الكثير من أبناء الرعيّة الأرمنيّة عن أكل العنب إلى حين الاحتفال بالعيد ومراسم بركة العنب وتوزيعه على المؤمنين.

 

وفي الماضي قبل المسيحيّة ارتبط هذا العيد لدى الأرمن بعيد معبودات الخمر والكروم. وكانت الخمر ضمن طقوس العبادات. وبعد اعتناق المسيحيّة عام 301م على يد القديس "غرغوريوس المنوّر"، احتفظت الكنيسة الأرمنيّة بهذا التقليد الشعبي،  لكنّها أزالت منه إلى غير رجعة أيّ طابع شِرك أو وثنيّة أي تعداد معبودات وأيّ مدلول سُكر أو إفراط، وكما أسلفنا بالذكر، أعطته صبغة روحانيّة بالسيّد المسيح الكرمة الحقيقيّة: الذي حوّل الماء خمرًا في عرس قانا الجليل (يوحنّا 2: 1-11). وقدّس في العشاء السرّيّ الأخير عصير الكرمة، وجعل أعراض الخمر حاملة لدمه الأقدس الذي يُراق من أجلنا لغفران الخطايا، في العهد الجديد الأبديّ" (متّى 26: 26 وت).

 

تتميّز الروحانيّة الأرمنيّة بإكرام مريم العذراء. لذلك ومع إطلالة المسيحيّة في أرمينيا سنة 301م، في عهد الملك القدّيس ثيريثاديس الثّالث وزوجته القديسة  أشخين، كرّمت الكنيسة الأرمنيّة سلطانتنا مريم العذراء بشكل مُلفت للنظر، حتى أنّ الهياكل تحمل دائماً صورة العذراء مريم والطفل يسوع. وأطلق اسم "الحبل بلا دنس" على رهبنة الأرمن الكاثوليك التي تأسست عام 1847 تيمّناً بالعذراء مريم. وأطلق الأرمن على بناتهم من أسماء سيّدتنا مريم العذراء وألقابها - وهي كثيرة ومنها: ماري، مارو، مارينِــه، ميرين، مايــرانـوش (أي أمّاً جميلة)، ماريام، تاكـوهي (سلطانة أو ملكة)، ماكروهـي (الطاهرة)، إسكوهــي (الأمينة)، سربوهي (القدّيسة)، يرانوهي (الطوباويّة)، ديروهي (السيّدة)، ماركريد (الجوهرة) وهذا الاسم الأخير يقابل اليونانية واللاتينية "مارغاريتا" أي اللؤلؤة، وسواها. وكانت أرمينيا أوّل دولة اعتنقت المسيحية في العالم في عهد الملك سالف الذكر.

 

 

خاتمة

 

إكرامنا للعذراء مريم يحوي أيضًا إكرامًا  لكلّ امرأة وأمّ وطفلة، على أن يكون احترام المرأة لنفسها واجباً أخلاقيّاً متجسّداً في الواقع. ونطلب شفاعة أمّنا العذراء المُمَجَّدَة التي "أُفيضت عليها النِّعَم فيضاً" أن تُثبّـتنا في الإيمان والرّجاء والمحبّة. وهي الساطعة "كالشمس"، ولا حياة لذي حياة الاّ بنور أمّ "النور" سيّدنا يسوع المسيح منه السلام. كلّ عام وامّنا مريم العذراء تتربّع على عرش قلوبنا الى الأبد، وتُغطّي العالم أجمع بوشاح حمايتها، آمين! كلّ عام وأنتم بخير.