موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أصدرت دائرة عقيدة الإيمان في الفاتيكان مذكرة عقائدية جديدة بعنوان "جسد واحد: ثناء على الأحادية الزوجية"، تؤكّد فيها أنّ الزواج في جوهره "وحدةٌ لا تنفصم"، تقوم على اتحاد حصري وانتماء متبادل بين رجل وامرأة". وتؤكد الوثيقة أن العطاء الكامل للذات لا يمكن أن يتحقّق إلا ضمن علاقة بين شخصين فقط، وإلا فقد الحبُّ جوهرَه وكرامة الشريك.
وقد جاءت المذكرة استجابةً لثلاثة دوافع رئيسية: أولها التحديات الأخلاقية المرتبطة بالتطور التكنولوجي الذي يدفع الإنسان إلى اعتبار نفسه بلا حدود، مبتعدًا عن قيمة الحب المخصص لشخص واحد؛ وثانيها النقاشات مع الأساقفة الأفارقة حول تعدّد الزوجات؛ وثالثها انتشار ظواهر العلاقات غير الأحادية في الغرب.
وفي هذا السياق، تسعى الوثيقة إلى إظهار جمال الوحدة الزوجية وعُمقها الروحي، بوصفها انعكاسًا للاتحاد بين المسيح وكنيسته. وهي موجّهة أولًا إلى الأساقفة، لكنها تُراد أيضًا أن تكون عونًا للشباب والمخطوبين والمتزوجين للاكتشاف من جديد ثراء سرّ الزواج المسيحي.
وتشدّد المذكرة على أن الأحادية الزوجيّة ليست تقييدًا، بل هي طريق إلى حبّ ينفتح على الأبدية. كما تسلّط الضوء على عنصرين جوهريين: الانتماء المتبادل الذي يقوم على الحرية والاحترام، والمحبّة الزوجية التي تُعد «أعظم صداقة» بين شخصين يهب كل منهما ذاته للآخر من دون محو هويته أو السيطرة عليه. وفي الوقت نفسه، تحذّر الوثيقة من كل أشكال العنف أو التملك أو الضغط النفسي، باعتبارها مناقضة لكرامة الشريك.
وتُبرز المذكرة قيمة العون المتبادل ونموّ الزوجين معًا، ودور الصلاة في تغذية المحبة وتعميقها. كما تشرح أن النشاط الجنسي في منظور المسيحية هو تعبير عن عطاء متبادل يشمل الجسد والروح، وليس مجرّد رغبة آنية. ويتواصل هذا الحب في انفتاح الزواج على الحياة، حتى إن لم يُرزق الزوجان بأطفال.
وتشير الوثيقة إلى أن الحفاظ على أمانة الحب في عالم فرداني استهلاكي يتطلّب تربية جديدة على معنى الحب ومسؤوليته، بعيدًا عن الصور السريعة والسطحية التي تنشرها شبكات التواصل. وتؤكد: "إن عالم شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتلاشى الحياء وتنتشر أشكال العنف الرمزي والجنسي، يظهر الحاجة الملحة إلى تربية جديدة"، لذلك يجب "إعداد الأجيال لاستقبال خبرة الحب كسرٍّ أنثروبولوجي"، وأن يتمّ تقديم الحب لا كمجرد اندفاع، بل كدعوة إلى المسؤولية، و"قدرة على الرجاء تشمل الشخص بأكمله".
وفي خاتمتها، تؤكد المذكرة أن كل زواج أصيل يقوم على اتحاد شخصين فقط، اتحاد يقوم على الحميمية والكلية ولا يمكن مشاركته مع آخرين. فالوحدة هي الأساس الذي يقوم عليه عدم الانحلال، وهي ما يسمح للحب بأن ينمو باستمرار كـ"وعد باللامحدود". وتذكّر الوثيقة، مستشهدة بالكتاب المقدس وآباء الكنيسة وفلاسفة العصر الحديث، بأن سرّ الزواج يقوم على حقيقة "نحن الاثنان"، لأن - كما قال القديس أوغسطينوس: "أعطني قلبًا يُحبّ، وسيفهم ما أقول".