موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣
الكاردينال ساكو: من كاتدرائية بغداد إلى حريق قرقوش.. استشهاد مسيحيي العراق

أبونا :

 

يجمع المسيحيون في العراق خيطًا أحمر، كالدم المراق، يربطهم بمختلف الأحداث التي شهدتها البلاد خلال العشرين سنة الماضية. فمنذ بدء الغزو الأمريكي عام 2003، شهدوا هجومًا إرهابيًا ضد كنيسة السريان الكاثوليك في بغداد، وسقط ضحايا في حريق اندلع في حفل زفاف في قرقوش، مما دفع المسيحيون إلى دفع ثمن باهظ: الاستشهاد، والنزوح الجماعي، وكفاح لا ينتهي من أجل البقاء، ومستقبل غير مؤكد.

 

هذا ما أشار إليه البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو في حديث له مع وكالة "آسيا نيوز"، قبل أيام. وقال: "لا توجد ضمانات لأمان حقيقي ومستقبل مستقرّ. المشهد دائمًا هش للغاية، لكن المسيحيين لا يستطيعون العيش في مناخ من الهشاشة وانعدام الأمن بشكل مستمرّ"، في حين تستمرّ دماءهم في التدفق في هجمات لا يُعاقب عليها، وحوادث واضطهاد عرقي وديني.

 

 

الهجوم الأكثر دمويّة

 

صادف يوم 31 تشرين الأوّل 2023، مرور 13 عامًا للهجوم الذي استهدف كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في الكرادة، أحد أحياء بغداد، من قبل مجموعة من إرهابيي القاعدة. ففي هذا اليوم من العام 2010، اقتحم رجال مسلحون الكنيسة أثناء قداس الأحد واحتجزوا المصلين كرهائن. وعندما حاولت قوات الأمن اقتحام المبنى، أطلق الجهاديون النار وقتلوا المسيحيين بشكل جماعي.

 

وعندما انتهت الحادثة، قُتل حوالي 58 شخصًا، بما في ذلك الكاهنان اللذان كانا يحتفلان بالقداس وقت الهجوم (ثائر عبدال ووسيم القس بطرس)، وأصيب ما لا يقل عن 75 شخصًا آخرين. بالنسبة للمسيحيين العراقيين، كان هذا الهجوم "الأكثر دمويّة" منذ نهاية الحرب العالمية الثانيّة.

 

أصاب المجتمع المسيحي في العراق، من أساقفة وكهنة ومؤمنين، سلسلة طويلة من العنف والإرهاب. ولكن بعد مأساة تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) والحملة الدوليّة التي شهدت هزيمته (على الأقل عسكريًا)، برز بعض الأمل في أن يشهد المجتمع نهضة.

 

 

كل شيء طائفي

 

في الواقع، قدّمت زيارة البابا فرنسيس في عام 2021 بعض الراحة وسط الشعور المستمر بالهشاشة وعدم الاستقرار. لكن الحادث الذي وقع في حفل زفاف مسيحي في قرقوش في أواخر أيلول أضاف فصلاً مأساويًا آخر إلى تاريخ المجتمع الحزين. ولا يزال الغموض يكتنف الحريق الذي اندلع وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 126 شخصًا وإصابة المئات.

 

بالنسبة للبطريرك ساكو، يبحث المسيحيون عن "مستقبل لأطفالهم" خاليًا من العنف وانعدام الأمن. "إنهم بحاجة إلى مكان يمكنهم من خلاله الدراسة والذهاب إلى المدرسة والجامعة والعثور على وظيفة"، ولكن في العراق هذا ليس ممكنًا بعد "لأنّ كل شيء طائفي: السنة والشيعة والأكراد يحتفظون [بالمناصب والسلطة] لأفراد طائفتهم". بينما ينتهي الأمر بالمسيحيين إلى الإقصاء.

 

"حتى كتائب بابليون تضطهد المسيحيين، بدلاً من الدفاع عنهم. وما زال هذا يحدث حتى اليوم في سهل نينوى". وتقف هذه الجماعة وراء الهجمات ضد البطريرك ساكو، ونجحت في الضغط على الرئيس العراقي للتوقف عن الاعتراف رسميًّا بدور البطريرك، وهو ما ردّ عليه الكاردينال باتخاذ خطوة غير مسبوقة بنقل الكرسي البطريركي من بغداد إلى أربيل.

 

 

حريق زفاف قره قوش

 

وأشار البطريرك إلى أنّ الحريق الذي وقع في حفل الزفاف قد "شكّل صدمة للجميع، حتى للمسلمين"، خاصة وأن "ظروف الهدوء النسبي والسلام" تسود هذه المنطقة. "يأتي السكان المحليون من البلدات المجاورة، وهم قريبون من بعضهم البعض. وكان نحو ألف شخص داخل القاعة عندما وقع الحادث، وفي غضون دقائق قليلة اشتعلت النيران في كل شيء".

 

ولاحظ إلى أنّ بعض الأحاديث تزعم أن "صاحب المكان على ما يبدو مرتبط بالكتائب [بابليون]، لكن لا شيء مؤكد في هذا الصدد". لكن الأكيد هو أنّ هناك من "يريد ترويع المسيحيين لإخراجهم من المنطقة، وإجبارهم على مغادرة العراق، والتأكد من أن يقوم آخرين بالاستيلاء على هذه الممتلكات وسرقة الأراضي والمنازل. لقد صمّم هذا الحادث لطرد الناس".

 

 

انتماء للعراق وللهويّة المسيحيّة

 

وخلافًا للعقليّة الطائفيّة، يختار البطريرك الشعور بالانتماء إلى العراق والهويّة المسيحيّة.

 

يقول: "لم أفكر قط في نفسي كزعيم للكلدانيين؛ وبدلاً من ذلك، أنا أمثّل الجميع، بما في ذلك المسلمين. لقد ساعدنا الكثير منهم في السنوات الأخيرة". وبدلاً من ذلك، فإنّ الكتائب "تحاول فقط تقسيم المسيحيين، بل إنها اشترت بعض الأساقفة بالمال" مقابل خدمات، "وقد خلق هذا فضيحة كبيرة، كما جعلهم يفقدون مصداقيتهم. يقول الناس أنّ الكنيسة مع هذه الميليشيا، لكن هذه مجرد دعاية وأكاذيب".

 

في مواجهة مستوى من العنف يشبه في كثير من الأحيان الاستشهاد، قرّر الكاردينال ساكو الرد بحزم وثبات: "لن أعود إلى بغداد إلا بعد إلغاء المرسوم. لقد قدّمت كنيستنا الكثير للعراق، من زيارة البابا إلى المساعدات الإنسانيّة للمسلمين في زمن تنظيم الدولة الإسلاميّة، حتى أكثر مما أعطته للمسيحيين. اليوم، تقدّم الحكومة لنا الشكر بمعاقبة البطريرك وجماعة بأكملها".