موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
عمالقة... وأقزام

أشخين ديمرجيان :

 

لسنا هنا في صدد الخوض في غمار تصرّفات ذوي النفوذ الدولي تجاه الفقراء والبائسين والمهجّرين، ولا أن نبيّن أنواع التهميش الاقتصادي والاجتماعي وهضم الحقوق لدى السلطات المحلّيّة تجاه الطبقة العامّة من الشعوب... ولا أن نغوص في مواضيع تهميش الدول "العظمى" –كما تسمّي نفسها- لعمليّة السلام في الشرق الأوسط ولمواطني هذه الدول... ولا نريد أن نتطرّق إلى التهميش العرقي أو التهميش الأسري أو التهميش الديني أو التهميش الأيديولوجي وغيره كثير.

 

أخطر أنواع التهميش وهو التهميش الفكريّ والتقزيم... حيث أنّ العبقري يحقّق المستحيل في أعماله ليجد نفسه مهمّشًا تمامًا، بدافع الغيرة المَرَضيّة من البعض، لا لشيء الاّ لأنّ الله وهب له وزنات أكثر من الآخرين. ومع أنّ العلاّمة إجمالاً يتّسم بالتواضع، لكنّه يُقزَّم فجأة ويُصبح مُبعَدًا عن تأدية واجباته أو رسالته المهمّة في الحياة أوعن استثمار إمكانيّاته في المجتمع.

 

وهنا يُصبح تهميش الأدنى (فكريًا) للأعلى، خاصة حينما يُصبحون -للأسف- أصحاب قرارات تصول وتجول على غير حقّ، ويكوّنون مجموعات هي أشبه ما تكون ب "لوبيات" أو "مراكز نفوذ ووجاهات"، يتشابهون بقلّة النّزاهة الأدبيّة وعدم صفاء النيّة أو سلامة الطّويّة، فيمتنعون عن منح العملاق فرصة ولو بسيطة لطرح ما يمتلك من قدرات ذاتيّة.

 

تلعب الغيرة هنا دورًا كبيرًا تُعمي أصحاب النفوذ والكراسي عن رؤية الحقيقة، وعن اتّخاذ قرارات إيجابيّة تفيد أفراد المجتمع، بتخطّي تلك الغيرة والاعتراف بالإنسان الموهوب وبموهبته. وهكذا يشفون غليلهم وغلّهم من الإنسان الألمعيّ... ويحكمون على مؤسساتهم ومجتمعاتهم بالإخفاق والتخلّف والتخبّط في الظلمة والشّطّ... بسبب إبعادهم للعمالقة ذوي الإلمام والدراية وتمسّكهم بكلّ مَن هو "حاج مطاوع" أو "مسّاح جوخ" يرضي غرورهم!

 

قزمٌ هو كلّ مَن يهمّش عبقريًا عملاقًا! ويبقى قزمًا مهما حاول الارتفاع! إنّ تقزيم الآخر حالة سلبيّة منبوذة ترفضها الإنسانيّة والعدالة، إذ يلعب الطرف الأقوى بسلطته، يلعب بموازين القوى ويضع العراقيل أمام الطرف الآخر اللامع الفذّ بمعلوماته الجارفة، كي لا يتيح له فرصة طرح أفكاره الميّزة. ولا يستحقّ العبقري في اعتقادهم سوى الهامش وحافة الحاشية (أي جانب الشيء)... وهكذا يحتكر (القزم) يحتكر كلّ السلطة والحقوق، ويتلقّى العبقري العملاق كلّ القهر بعدم إعطائه الفرصة أو الدور اللائق لمكانته العلميّة. عقدة الدونيّة أو النقص والنفسيّات المريضة التي تعتقد أنّها الأفضل آفة خطيرة يجب اقتلاعها من جذورها، ولكن للأسف يتكتّل معظم المحدودين فكريًا على العباقرة بطريقة منافية للأخلاق.

 

عدم إعطاء المفكّر العبقري حقّه، وعدم الاكتراث به كي لا يترك بصمة في العقول والقلوب جريمة في حقّ الإنسانيّة! وكذلك إعطاء إنسان آخر محدود الذكاء مكانة تفوق مقدرته الفكريّة جريمة أخرى في حقّ الشعوب! ومن المضحك المبكي اتّهام العبقري بانغلاق الفكر ومحدوديّة الفكر مع أنّه يتميّز بالانفتاح وسعة الإفق، ويحمل معلومات كثيرة بما فيها أحياناً توقّعات لأحداث المستقبل القريب والبعيد من غير أن يلمّ بعلم الفلك.

 

 

خاتمة

 

على العبقريّ أن يرفض في أعماق كيانه كلّ شعور بالإهانة تصدر من أمثال هؤلاء، وأن يرفض في داخله تلك الإهانة وذلك الجرح النازف الذي يأكل بصحّته وعافيته، وأن يهمّشهم هو الآخر ويبتعد عنهم قدر الإمكان. يقول السيّد المسيح في الانجيل المقدّس: "لا يُزدرى نبيّ إلاّ في وطنه وأقاربه وبيته" (مر 6: 4). "تخلّص من غيظك قبل مغيب الشمس" (أف 4: 31)، والأهمّ أنّك: "ستأخذ أيضًا أكاليل لجهادك" (2 تي 4: 8).