موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١ يونيو / حزيران ٢٠٢٢
المسيحي الأردني.. إلى أين؟

لواء طبيب متقاعد أمجد عدنان خليل الجميعان :

 

"أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم" (متى 5: 13-16)

 

ما هو الملح والنور؟

 

"أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلْأَرْضِ، وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ ٱلْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لَا يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلَّا لِأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ ٱلنَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ. لَا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ، وَلَا يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ".

 

"الملح والنور، يحدّدان هويّة تلاميذ المسيح ورسالتهم في المجتمع. إنّهما استعارتان من العهد القديم. فالملح يرمز إلى عهد الله مع البشر، ويقتضي إصلاح كلّ تقدمة وذبيحة للربّ بالملح" (أحبار 2: 3)، كعلامة للأمانة في العهد مع الله. والنور يرمز إلى الله، على ما جاء في نبوءة أشعيا: "استنيري، استنيري، يا أورشليم، لأنّ نورك أتى، ومجد الربّ أشرق عليك" (أشعيا60: 1)، وهو رمز لكلامه الهادي، كما نصلّي في المزمور: "كلامك مصباح لخطاي، ونور لسبيلي" (مز 118: 105).

 

لكنّ الملح والنور هما يسوع المسيح. هو الملح الذي جاء يصلح كلّ شيء كما أعلن على لسان يوحنا الرسول في رؤياه: "هاءنذا أجعل كلّ شيء جديدًا" (رؤيا 21: 5)؛ وهو النور الذي لا تغشاه الظلمات، على ما كتب يوحنا نفسه في مقدّمة إنجيله 1: 5 (من عظة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في إكليريكيّة غزير البطريركيّة – السبت 2 آذار 2011).

 

كَثُرت مؤخرًا ترديد عبارات مثل لا يمكن للأقليّة أن تحكم الأغلبية "أنتم ملح الأرض"، وإذ يفهم من العبارات أنها إشارة إلى نسبة المسيحيين المتواضعة في المملكة الاردنية الهاشمية أو أن الأردن بدون المكّون المسيحي بلا طعم مثلا لأن الملح ضروري للمحافظة على طعم الأكل أو قد تكون إشارة الى اقلية دينية ذات اهمية الى حد ما.

 

ولقد استُعمِلَت أجزاء من الآية اعلاه من إنجيل متى بقصد أو بغير قصد وأضيفت على عبارات التهنئة من خلال رسائل المعايدة أو المجاملات الاجتماعيّة للتأكيد على أهميّة الدور المسيحيّ نظريًا. وكثر الحديث مؤخرًا عمّا مُنح للمسيحيين في مجلسي النواب والأعيان من مقاعد (وطبعًا كوتا) ووظائف حكوميّة عليا ضمن مواصفات معينة تنطبق على أشخاص محددين كنوع من الترضيّة وجبر للخواطر، وكأن انتماءنا العروبي لا يقاس إلا بدرجة حكوميّة عليا أو منصب عسكري.

 

ومع استمرار انعقاد اللقاءات والمؤتمرات لبحث مسألة الوجود المسيحي في المنطقة والأردن وارتفاع حدة المنافسة للفوز بمنصب حكومي، ومع مرور الوقت بدأ المسيحيون وخاصة قطاع الشباب بنسيان دورهم العروبي الأصيل لاهثين ومتنافسين، على مناصب الكوتا التي لا تنفع ولا تضر، ونسوا أن آباءهم وأجدادهم كانوا الأوائل بدخول الجامعات العربيّة والدوليّة منذ أوائل القرن الماضي بحصولهم على أعلى الدرجات العلميّة في الطب والهندسة والآداب والقانون والتعليم، ذكورًا وإناثًا. ولم تكن المناصب هدفهم الرئيسي، وكانوا من أوائل خريجي الكليات العسكريّة المحليّة والبريطانيّة، ومن أوائل من تقلد مناصب عسكرية عليا وقيادة العديد من أسلحة وفرق وألوية القوات المسلحة، والأوائل بتأسيس العديد من المعاهد والمراكز العلميّة والطبيّة والأدبية، إضافة إلى دور المسيحيين الفاعل والأساسي في الاقتصاد الأردني: بنوك، تأمين، سيارات، مصانع...

 

ما يؤلمني أن أعدادًا كبيرة من الشباب المسيحي في الأردن قد بدأت تغيب عنهم بأنهم عامود الدار وعرب أقحاح، وأحفاد الغساسنة، وأنهم، أي المسيحيون العرب، أول من دافع عن القوميّة العربيّة وقدموا عشرات الشهداء، وكانوا من المؤسسين والقادة الأوائل للأحزاب القوميّة العربيّة، نذكر منهم: الزعيم انطون سعادة، ومشيل عفلق، وجورج حبش (الحكيم)، ونايف حواتمه، وابراهيم الراهب، والدكتور يعقوب زيادين، وسالم النحاس، والعديد من الرموز الحزبيّة والذي لا يتسع المجال لذكرهم  جميعًا.

 

وللتأكيد على ما نطمح إليه هو التأكيد على أن المواطنين الأردنيين متساوون بالحقوق والواجبات مستشهدًا بأقوال جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، والمادة السادسة من الدستور الأردني: "الشعور والقناعة بالانتماء لهذا الوطن، هو الذي يحدّد الهوية الوطنيّة للإنسان، ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها، بغض النظر عن خصوصية المنابت والأصول، أو المعتقدات الدينية، أو التوجهات الفكرية والسياسيّة" (من خطاب جلالة الملك إلى الشعب الأردني 12-6-2011). كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني، أطال الله بعمره وأعز ملكه: "إننا جميعًا على هذه الأرض الطاهرة، أسرة واحدة، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فضـل لأحد على الآخر إلا بما يعطي لهذا الوطن".

 

وجاء في الدستور الاردني، المادة رقم 6: "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".

 

 

الخلاصة

 

لماذا كل هذه المؤتمرات، والأردنيون جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين. فالمسيحي الأردني ليس بأقليّة دينية أو عرقيّة، وإنما هو مواطن أصيل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. وتاكيدًا لقول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم بأن الانتماء الحقيقي لهذا الوطن هو الذي يحدّد الهويّة الوطنيّة للإنسان.

 

لذلك انطلاقًا من ايماني بأن حب الوطن شعارًا مرفوعًا على جبين كل الأردنيين الذين آمنوا بتراب هذا الوطن انتماءً وللهاشميين ولاءً، فلقد كنا وما زلنا وسنبقى الأوفياء على العهد والوعد لنواصل مسيرة الأجداد الذين قدموا الشيء الكثير لهذا الوطن، فأصبحت الدولة وطنًا قوميًا عروبيًا نتفيءُ بظلّه بنعمة الأمن والأمان. فنحن في هذا الوطن نعتبر أن المواطنة هي الأساس في العلاقات الاجتماعيّة، وأن المواطنين متساويين بالحقوق والواجبات، وأن معيار الأفضلية في الانتماء الحقيقي لهذا الوطن فيما نقدّمه بصدق وإخلاص.