موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ أغسطس / آب ٢٠٢٥

مسيحيو غزة

فيصل سلايطة

فيصل سلايطة

فيصل سلايطة :

 

في قلب غزة، حيث الحرب لا تعرف التوقف والدمار يحيط بكل زاوية، يقف المسيحيون هناك شاهدين على معاناة مركّبة تتجاوز حدود الاحتلال وحده. فهم، إلى جانب ما يواجهونه من حصار وقصف ونزوح، يعيشون أحيانًا تحت وطأة النظرة الثانوية ، رغم أنهم جزء أصيل من النسيج الفلسطيني منذ قرون طويلة إن لم يكونوا الأصل.

 

الكنيسة في غزة لم تكن يومًا مجرد مكان للعبادة، بل تحولت عبر السنوات إلى بيت أمان. في لحظات الحرب والعدوان، كانت أبوابها تُفتح بلا تمييز لتستقبل المسلمين والمسيحيين، كبارًا وصغارًا، نساءً ورجالًا، لتصبح رمزًا للملاذ والإنسانية. وبين جدرانها، التقت الصلوات من مختلف الأديان، وتوحّد الخوف والرجاء، ليؤكد الجميع أن الإنسانية أوسع من كل انقسام.

 

المسيحيون في غزة ليسوا وافدين على الأرض، بل هم أبناء جذور ضاربة في التاريخ. تعود جذورهم إلى القرون الأولى للمسيحية، حين كانت فلسطين مهد الرسالة وموطن الكنائس الأولى. عبر العصر الاسلامي، مرورًا بالعهد العثماني، ثم الاستعمار البريطاني، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، ظلوا متمسكين بأرضهم وبيوتهم، رافضين كل عروض التهجير والمغريات المالية التي حاولت اقتلاعهم من جذورهم.

 

ورغم أن عددهم قليل نسبيًا اليوم مقارنة بالماضي، إلا أن حضورهم يتجاوز الأرقام. فهم يشكّلون شاهدًا حيًا على وحدة الفلسطينيين في معاناتهم، ويدحضون كل محاولة لتقسيم الشعب على أسس دينية أو طائفية. الكنيسة، التي كثيرًا ما تضررت من القصف أو عاشت تحت التهديد، لم تنكسر. بل بقيت جدرانها شاهدة على الصمود، وجرسها يدق ليذكر العالم أن غزة ليست مجرد أرض محاصرة، بل روح تقاوم وتتشبث بالحياة.

 

مسيحيو غزة قصة عن الانتماء والإصرار، عن رفض الاغتراب رغم كل الإغراءات، عن كنيسة تحولت إلى بيت جماعي يضم الجميع، وعن تاريخ لم يُمحَ رغم محاولات الطمس. إنهم صوت يهمس وسط الركام: نحن هنا، باقون، لا نهجر الأرض ولا نتخلى عن الجذور.

 

 

(عمون)