موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٥

ما بعد القيامة والبابا فرنسيس

بقلم :
وائل سليمان - الأردن
ما بعد القيامة والبابا فرنسيس

ما بعد القيامة والبابا فرنسيس

 

لا زلنا في زمن القيامة والفرح والابتهاج والذهول أمام عظمة الحدث، حدث القيامة، حدث الخلاص... قمة المحبة الإلهية... أردت أن اتوقف للحظة مهمة للتفكير بذاك الذي قام "يسوع".

 

يسوع لم يكن لاهوتي بل ابن نجار، لم يكن من حملة شهادات الدكتورة في تاريخ الكنيسة بل كان إنسانًا بسيطًا متواضعًا شكلًا ومضمونًا. يسوع لم يكن يحمل رتبة كنسيّة عالية المستوى ولم يلبس ثوب بألوان مبرقعة بل لباس بسيط وبلا القاب وبدون تشريفات ولا خدم ولا حشم!

 

يسوع حالة مذهلة غير قابلة للتحليل والنقاش، إله إنسان! قادر على كل شيء وعاجز وحزين أمام لحظة موت اليعازر، دموع وصلاة الى الأب!

 

يسوع يعيش مع الخطأة والفريسيين، يسوع يأكل ويشرب مع المنافقين وأصحاب السوابق! يسوع يتكلم ويعلم الجهلة والمساكين والفقراء والمعوزين! وكلهم من حوله ولا مقاعد في الصف الاول لأحد!

 

يسوع لا يتكلم لاهوت ولا فلسفة ولا تحليل شخصيات ولا يخيف البشر ولا يهددهم! يسوع يروي القصص! يتجلى بالأمثال! يبدع بلغة الشوارع، لغة أبسط الناس! يسوع لم يطلب منا كاتدرائيات ولا قاعات ولا عقارات ولا مباني وأراضي! لم يطلب منا ذهب ولا قضى ولا ذبائح ولا ولائم!

  

يسوع طلب؛ أحبوا بعضكم بعضًا! طلب كنت سجينًا ومريضًا وجائعًا! طلب أعطوا تعطوا! طلب منا أعمال رحمة ومحبة ومغفرة! يسوع حدثنا عن السامري الرحيم وعن الابن الضال ومن له قميصان ليعطي من ليس له! يسوع شفى المُقعد واعاد نظر الابرص وقال لهم إيمانكم خلصكم ليس أنا بل إيمانكم!

  

يسوع القائم الذي قام منذ أكثر من الفين عام انتشر وتغلغل في كل بقعة على سطح الكرة الأرضية، وهو أكيد أكيد ليس عند القبر الفارغ، هو في انتظارنا هناك، في انتظار محبتنا لتلك الارملة المتروكة، هو في ذلك الطفل صاحب الاعاقة، هو في ذلك الشاب الفاقد للأمل، هو في تلك العائلة الفقيرة والمحتاجة والمكسورة، هو موجود في كل شخص يمر بالقرب منا خلال النهار دون ان نعرف اسمه او دينه او عرقه او جنسه! هو موجود في المواقف والاحداث التي تمر علينا خلال ساعات النهار.

  

يسوع لا ينتظر منا احتفالات فخمة ولا وعظات متناسقة ولا فلسفات بلا معنى ولا استعراضات ولا مجاملات ولا سطحيات متكررة! يسوع طلب الابسط والاعمق، الاسهل لكن الاصعب!

 

طلب أن نحبه ونخدمه في كل إنسان!

  

نكرر الاحتفالات كل عام لنتذكر ونجدد ونعاود الالتزام بما طلبه يسوع منا فقط، لان الحقيقة اكبر من افعالنا وعاداتنا وتقاليدنا!

 

الحقيقة انه في نهاية حياتنا على الارض سنحمل معنا المحبة والباقي لا قيمة له!.

 

كل مرة نختبر العلاقة مع يسوع القائم في الأخر وخصوصًا الاخر الجائع والمتألم والعطشان والمريض والسجين والمُحبط والفاقد للأمل والمتروك والوحيد نكتشف أنه قام!

 

كل مرة نسقط ونبدأ من جديد وكل مرة نبتسم في وجه إنسان أساء الينا نكتشف انه قام!

 

وكل مرة نحترم الطبيعة ونعامل الحيوان بلا عنف ونحافظ على ما تبقى من تاريخ الإنسانية نعاود اكتشاف حقيقة الحقائق "المسيح قام وليس بعد اليوم ههنا".

  

القيامة حدث للحياة، نعم قام وهو موجود فينا وبيننا، الأمس واليوم والى الأبد.

 

وإذا العالم اليوم يُكرم البابا فرنسيس، إذا العالم اليوم يكتب عن هذا البابا ويمتدحه ويتغزل في حياته وتعاليمه وأسلوب طريقة عيشه السبب هو أننا كبشر بحاجة الى ما هو ملموس ومحسوس وتستطيع عيوننا أن تراه، والبابا فرنسيس اظهر من خلال حياته شهادة حية لحياة يسوع كما ارادها منا يسوع.

 

الحقيقة غائبة عن عالم الحقيقة، ونحن تائهون بدون ضباب، تائهون لأن البوصلة أضاعت طريق "الطريق والحق والحياة"، لذا ارتبطنا بعفوية وصدق ومحبة مع هذا الإنسان الذي من خلال حياته ليس فقط كخليفة لبطرس بل أيضًا ككاهن وكأسقف رأيناه يمشي بخطوات ثابتة خلف يسوع محاولاً بالرغم من محدوديته البشرية أن يعيش متشبها بالمعلم ان يعيش من أجل كل إنسان يمر بالقرب منه ويتعامل معه، البابا فرنسيس صاحب رسالة إنسانية مسيحية تشع نور وحياة هكذا كان في حياته وهكذا هو بعد مغادرته الحياة.

 

ما بعد القيامة؟

 

على خطى تلميذي عمواس، حيث ما أجتمع أثنين او أكثر يكون يسوع حاضرًا بينهما، إذا اجتمع اثنين أو أكثر على المحبة والاحترام وقبول الآخر وعيش المسامحة وعدم الحكم على الآخرين ومساعدة المحتاج، حينها نصلح مسَار ذلك الطريق ونعيد البوصلة إلى خطوطها المتجه نحو الله كما فعل البابا فرنسيس في حياته حتى مماته، حينها نعيش فرح حقيقة القيامة ونضمن كجماعة مسيحية أن تستمر كنيستنا بقيادة إنسانيّة وروحيّة ومسيحيّة تشبه حياة وروح وفكر يسوع.