موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ أغسطس / آب ٢٠٢٥

في خضم العاصفة تصمد السياحة

رلى السماعين

رلى السماعين

رلى السماعين :

 

في زمنٍ تشتد فيه الأزمات  والتوترات السياسية في المنطقة، تبقى السياحة المؤشر الأكثر حساسية لحركة الحياة. فهي أول ما يتأثر بانفجار الأحداث، لكنها أيضًا الأسرع في استعادة العافية إذا توافرت الثقة، وأُعيد بناء السردية بشكل صحيح.

 

يعيش الأردن هذه الحالة بوضوح. فمع بداية الحرب على غزة تراجعت الحجوزات بشكل حاد، وتكبّد القطاع خسائر مباشرة في الفنادق والمطاعم والمواقع السياحية. غير أنّ النصف الأول من عام 2025 حمل مؤشرات تعافٍ ملموسة مع ارتفاع أعداد الزوّار والإيرادات؛ إذ سجلت عائدات السياحة نموًا بنحو 12% خلال تلك الفترة، رغم بقاء المشهد متأرجحًا بسبب استمرار التوتر في الإقليم.

 

هذا الواقع يفرض على السياحة الأردنية مواجهة سؤال محوري ومتكرر : كيف نحمي هذا القطاع الحيوي من صدمات السياسة؟ وهنا يبرز الدور الذي باتت تلعبه الأمم المتحدة للسياحة مؤكدة على أهمية التنمية السياحية. فالميثاق العالمي لأخلاقيات السياحة، ومعايير التشغيل المرتبطة بالاستدامة والحماية البيئية والثقافية، لم تعد ترفًا أو خطابًا دعائيًا، بل شرطًا للتنافسية والبقاء على خارطة العالم السياحية.

 

الأردن أمام فرصة لإعادة صياغة صورته، ليس فقط كمقصد آمن، بل كوجهة مسؤولة.  فالسائح لم يعد يبحث عن المناظر وحدها، بل عن تجربة مختلفة، وعن معنى لإنفاقه خارج بلده، يحتاج السائح المعاصر أن يستفيد، ويترك المقصد السياحي أثرًا طيبًا وذكرى لا تُنسى في عقله وقلبه. و للوصول إلى ذلك، لا بد من البدء بالأساسيات، وأولها النظافة، فهي أول ما يلمسه الزائر. يليها ضبط السلوكيات والأخلاقيات العامة، لأن بلد النشامى والنشميات، وبلد المصداقية والنخوة، لا ينبغي أن تُشوّه صورته بتصرفات فردية تسيئ لسمعته وتضر بإنجازاته.

 

في بلد صغير المساحة، أنعم الله عليه بكنوز سياحية لا تُقدّر بثمن، يمتلك الأردن تنوعًا فريدًا، من الطبيعة الساحرة، إلى السياحة العلاجية والدينية والثقافية، فضلًا عن عنصر الأمان الذي لا ينفصل عن الاستقرار السياسي والاقتصادي. هذه المزايا قادرة أن تبقي الأردن في موقع متقدم على خارطة السياحة العالمية.

 

في النهاية، ليست السياحة الأردنية مجرد قطاع اقتصادي يوفّر فرص عمل وعائدات مالية، بل هي امتحان لقدرتنا كمؤسسات ومجتمع على تحويل القيم إلى ممارسة من خلال صون التراث، وحماية الطبيعة، وضمان العدالة للمجتمعات. جميعها عناصر تتكامل في سردية واحدة قادرة على حماية القطاع من الصدمات، بل وجعل السياحة أداة دبلوماسية واقتصادية تعزز مكانة الأردن في المنطقة والعالم.

 

(الدستور الأردنية)