موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٧ مارس / آذار ٢٠٢٣

في بشارة العذراء مريم

الشيخ محمد النقري - لبنان

الشيخ محمد النقري - لبنان

الشيخ محمد النقري :

 

مرت سائحة في هذا اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار بين الأحياء التاريخية لتلك المدينة التي صدّرت الحرف الى العالم، توقفت بدهشة لتسمع في مكبرات صوت كنيسة مار يوحنا تجويد قرآن كريم يعلو عنان السماء، فدخلت اليها لتجد شيخاً يصدح صوته بتلاوة القرآن، وبجانبه مرنّمة يتبادلان أصوات التراتيل والترانيم في مختلف المقامات الموسيقية، جلست بخشوع لتسمع بعدها أجراس الكنيسة تقرع وأصوات المؤذن من المسجد المجاور يعلو، والكهنة والمشايخ يخرجون متشابكي الأيادي ليدخلوا الى المسجد المجاور، فتبعتهم لترى الشيخ يعتلي المنبر بحضورهم واقفين يستمعون اليه، وإذ به يناشدهم جميعاً بمطران وكهنة ومشايخ مدينتهم وبنوابهم ورئيس بلديتهم وقائمقامهم بأن يجعلوا من جبيل مكرسة لبشارة العذراء مريم المعلنة عيداً وطنياً اسلامياً مسيحياً مشتركاً... يضع أمانة هذا النداء بين أيدهم ويتركهم لتحقيقها ويرحل.

 

كنا وما زلنا وسنبقى مسلمين ومسيحيين مهما نفخت أبواق الفتن فينا لتفرقتنا نؤمن بالحوار والعيش المشترك الواحد طريقاً لوحدتنا الداخلية ورسالة لدول العالم بأن لبنان بسواعد ابناءه وبتنوع طوائفه وبتضامن مواطنيه وبتناغم أفكاره هو جسر للعبور بين الشرق والغرب، أعمدته وأركان بنائه شيدها عيش مشترك منذ مئات السنين، لو أطلّيت من وديانه وفي سهوله وجباله لوجدت كهّانه ورهبانه المسيحيين وزهاده المسلمين يتزاورون ويتناصحون ويتواعظون، فيطل عليك سيد أسياد الصوفية إبراهيم بن أدهم ويسأل راهباً في دير من أديرة لبنان يسمى سمعان ويطلب أن يعظه فيتعلم منه الحكمة ومحبة الله، ويطل عليك إمام العيش المشترك في لبنان الإمام الأوزاعي فتجده ملجئاً للمسيحيين يزورونه ويقفون على آرائه ونصائحه إلى يوم وفاته الذي يعلن يوم حزن جامع للمسلمين والمسيحيين فيسير ثلاثون ألفاً من مسيحيي لبنان في جنازته وينثرون الرماد حزناً على رؤسهم.

 

مسلمين مسيحيين أيدينا متشابكة، أجسادنا متعانقة، أكتافنا متعاضدة، صدورنا متلاقية، وجوهنا متقابلة، ألستنا متناغمة، أنوفنا شامخة، رؤوسنا مرتفعة، قلوبنا متآلفة، أقدامنا في أرض الأرز ضاربة، تجمعنا جميعاً محبتنا لسيدتنا مريم العذراء البتول وتكريمنا لابنها المسيح الحصون. في أعماق تربيتنا تجدون احترامًا وإجلالاً لإنجيل يرنم ولقرآن يجود، ترون في أعيننا صور آباء في كنيستهم قانتون عابدون ومشايخ في مساجدهم راكعون ساجدون، في مدننا وأريافنا تسمعون أجراس الكنائس تتعاقب وأصوات المؤذنين تتناوب.... بقوة إيماننا بإسلامنا ومسيحيتنا سنتغلب على المحن والفتن وسنبقى موحدين في عيش مشترك واحد مهما حاول المغرضون إبعادنا عن بعضنا وشبك المؤامرات لتفريقنا.