موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ مايو / أيار ٢٠٢٢

أَحبِبهُم، عَلى أَيّةِ حَال!

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
أَحبِبهُم، عَلى أَيّةِ حَال!

أَحبِبهُم، عَلى أَيّةِ حَال!

 

عظة الأحد الخامس من زمن القيامة المجيدة

 

لِلتَّلمَذَةِ عِندَ الْمسيحِ وللمسيحِ، مَعايير! مِنها الإِصغاءُ والاتِّبَاعُ، كَمَا رَأينا في إنجيلِ الأحدِ الرّابع من الفصحِ المجيد، ذَلِكَ أنّ: ﴿خِرافي تُصغي إلى صَوتي، وأنا أَعرِفُها، وَهي تَتبَعُني﴾ (يوحنا 27:10). أَمّا في إنجيلِ هذا الأحدِ الخامس، فَمِعيارُ التّلمَذَةِ الحقيقيّةِ هو "الْمحبّة"، ف: ﴿إِذا أَحَبَّ بَعضُكم بَعضًا، عَرَفَ النّاسُ جَميعًا أَنَّكُم تَلاميذي﴾ (يوحنّا 35:13). رُبّما المحبّةُ هي العائِقُ الّذي يَقِفُ أَمَامَ التّلمذةِ الحَقيقيّةِ لِكَثيرين. فالْمَحبّةُ يا أحبّة، لَيست مُجرّدَ فِعلٍ واحد، بل هي مجموعةٌ واسِعةٌ من الأفعال، وبعضُها يُناقِضُ طَبيعَةَ أَفعالٍ أُخرى! فالمحبّةُ وَصيّةُ الْمُتَنَاقِضَات، فَحيَثُ وَجَبَ أَن تَكره، يَلزَمُ أَن تُحِب!

 

التّواضُع هو محبَّة. الّلطفُ والحنانُ هُما محبّة. الرّحمةُ والرّأفة هُما مَحبّة. الْمُصالَحةُ والْمسامَحة هما محبة. الاعتذارُ وطَلبُ الغُفرانِ هُما محبّة. تجاوزُ الزّلات، والصَّفحُ عَن أَخطاءِ الْمَاضي، وَتَذويبُ جليدِ العَلاقات، والسَّعيُ إلى الأمام، هَذهِ كُلُّها أَفعَالُ محبّة. إِذًا، الْمَحَبّةُ لا تُختَزلُ في فِعلٍ واحِد، بَل هي عِدَّةُ أفعالٌ، وَلَعلَّ أَهمّها، تِلكَ الطّريقةُ وَذاكَ الفِعلُ الّذي من خِلالِه دَلَّلَ اللهُ على مَحبّتِه للبَشَر، إذ: ﴿إنَّ اللهَ أَحبَّ العَالمَ حتّى إنّه جَادَ بابنِه الوحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِن بِه، بَل تَكونَ لَهُ الحياةُ الأبَديّة﴾ (يوحنا 16:3). المحبّةُ فِعلُ تَضحيةٍ وَبَذلٍ وعَطاء. وهذه أَسمَى مَعاني الْمحبّة.

 

مِن ناحيةٍ أُخرى، للمحبّةِ الّتي أَوصَانا بِها السّيدُ الْمسيح، مُتطلّبٌ أَساسيٌّ لا غِنى عَنه، ألا وَهو: الْمُبادَلة! مَاذا يَعني ذلِك؟ أَوّلًا يَعني أن تُبادِلَ الْمحبّةَ بالمحبّة، فالْوصيّةُ واضِحة وَصريحَة: ﴿أَحِبّوا بعضُكُم بَعضًا﴾ (يوحنا 34:13). أَمّا ثانِيًا، وهو الأصعَب، يَعني أن تُبادِلَ الاعتداءَ بِكافّةِ صُنوفِه وَأَشكالِه، بِالْمَحَبَّة: ﴿فَإن أَحبَبتُم مَن يُحِبُّكم فَأَيُّ فَضلٍ لَكُم؟... أَحِبُّوا أَعدَاءَكم﴾ (لوقا 32:6، 35).

 

هَذه الصّعوبة تَظهرُ بِشكلٍ وَاضِحٍ وَمُؤثِّر، مع الأشخاصِ الّذين تَربِطُنا بهم علاقاتٌ مُستمرّة وشِبهُ دائِمة. عَلى مُستوى البيتِ والعائِلة، تَجِدُ نَقصًا أو غِيابًا للمَحَبَّة بينَ الزّوجِ والزّوجة، بينَ الأبناءِ والوالِدَين. وهذا الغيابُ يَتَّسِعُ باتِّساع دائرةِ الأقارِبِ والمْعارِف. على مُستَوى ميدانِ العَمل، هناك علاقةُ كُرهٍ وبُغضٍ من الْمرؤوسِ لِلرّئيسِ وبالعكس، مُوظّف أو مُعلمّ أو طالِب يَكره مُديره أو مُعَلِّمه...إلخ. على مُستَوى الأديُرة، وَبَينَ الْمُكرّسين والْمُكرَّسَات أيضًا، تجِدُ حالاتٍ مِن شُحِّ الْمحبّة! في كلِّ مَكان، تَجِدُ عَداوةً وأَعداء، مِنهم أَنتَ مَن خَلَقَهم بِمواِقف وَردّاتِ فِعل، قَد تكونُ في بعضِها على حَقٍّ وَعَدل، وَقد تكونُ في بعضِها عَلى باطِلٍ وظُلم. الْمهم، أَنَّ العَداوةَ سَتظهرُ والإعداءَ سَيظهرون، كَما تَظهَر المحبّةُ والْمُحِبّون، تَماما كَما يظهرُ الزوؤانُ بَينَ القَمح.

 

لِذلك، الْمحبّةُ صَعبة يا أحبّة! حتّى وإنْ أَرَدتَ واسْتَطعتَ أن تُحِبَّ جميعَ النّاسِ وتُحسِنَ إليهم، سَتَجِدُ مَن يُناصِبُكَ العَداء، رُبّما بدافِعٍ من الغيرةِ والحَسد. فَليس شرطًا أن يَكرَهَكَ فُلان فَقط لأنّكَ أَسأتَ إليه! يَكفي أن تَكونَ إِنسَانًا ناجِحًا ومُستَقيمًا، يكفي أن تَنجحَ حَيث فَشِلَ غيرُكَ، يَكفي أن تكونَ أَفضلَ من رئيسِك، ومُتَميِّزًا أكثرَ مِن رَبِّ عَملِك، يَكفي أن تكونَ في بيتٍ تَملؤُه السّعادةُ والتّفاهُم، يَكفي أن يكونَ أبناؤُكَ وبناتُك ناجحين في حياتِهم، يَكفي أن تَنعمَ بِشيءٍ مِنَ الرّفاهيّةِ والرّخاءِ الْمالي، يَكفي أن تَتَفوّق دراسيًّا أو حتّى أن تربحَ جائِزة، يَكفي أن تَنعَم أنتَ بالصّحةِ، بينَما جارُك أو قريبُك يُبتَلى بمرضٍ عُضال، لِكي تُربّي لِنَفسِكَ عَشراتِ الأعداء، وَعَلى رَأسِهم وفي مُقدِّمَتِهم: الإخوةُ والأقرباء والمعارِفُ والزّملاء...إلخ

 

تَقولُ القِدّيسةُ الأمُّ تريزا: ((يَسهُلُ عَلينا الادِّعاءُ بِأنَّنَا نُحِبّ الأشخاصَ البَعيدينَ عَنَّا، لَكنَّنَا نجِدُ صعوبةً أَكبر في محبّةِ الّذين يَعيشونَ مَعَنا أَو عَلى مَسافَةٍ قَريبةٍ مِنَّا)). وَمَع ذلِك، إِليكم هذهِ الوصايا الْمُتَناقِضة، والّتي وَضَعَها الكاتِبُ الأمريكيُّ كينت كِيث Kent Keith، ثُمَّ جَعلَها في كتابٍ بُعنوان "Anyway":

 

1) النّاسُ غيرُ مَنْطِقِيّين، وَلا تَهُمُّهم سِوى مَصلَحَتُهم، أَحبِبهُم، عَلى أَيّةِ حَال.

 

2) إِذَا فَعَلتَ الخير، سَيَتَّهِمُكَ النّاسُ بِأنَّ لَكَ دَوافعَ خَفيّة أنانيّة، اِفعَل الخيرَ، عَلى أَيّةِ حَال.

 

3) إذَا حَقَّقتَ النَّجاحَ، سَوفَ تَكسبُ أَصدقَاءَ مُزيّفين وَأَعداءَ حَقِيقيّن، اِنجَح، عَلى أَيّةِ حَال.

 

4) الخيرُ الّذي تَفعَلُه اليوم، سَوفَ يُنْسَى غَدًا، اِفعَل الخيرَ، عَلى أَيّةِ حَال.

 

5) إنّ الصّدقَ والصّراحةَ، يجعلانِكَ عُرضَةً للانتِقَاد، كُن صَادِقًا وَصَريحًا، عَلى أَيّةِ حَال.

 

6) إنّ أَعظمَ الرّجالِ وَالنِّساء، الّذينَ يحمِلونَ أَعظمَ الأفكار، يمكنُ أَن يُوقِفَهُم أَصغرُ الرّجالِ والنّساءِ، الّذينَ يملِكونَ أَصغرَ العُقول، اِحمِل أَفكارًا عَظيمَةً، عَلى أَيّةِ حَال.

 

7) النّاسُ يحبّونَ الْمُستَضعَفين، لَكِنَّهُم يَتبَعون الْمُستَكبِرين، جَاهِد مِن أَجل الْمُستَضعفين، عَلى أَيّةِ حَال.

 

8) مَا تُنفِقُ سَنواتٍ في بِنائِهِ، قَد يَنهارُ بينَ عَشيّةٍ وَضُحاهَا، اِبْنِ، عَلى أَيّةِ حَال.

 

9) النّاسُ في أَمَسِّ الحَاجة إلى الْمُساعدة، لَكِنَّهم قَد يُهاجِمونَكَ إذا سَاعدتهم، سَاعِدهُم، عَلى أَيّةِ حَال.

 

10) إذَا أَعطيتَ العَالمّ أَفضلَ مَا لَديك، سَيردُّ عَليكَ البَعضُ بالإساءة، أَعطِ العَالم أَفضلَ مَا لَديك، عَلى أَيّةِ حَال.

 

أَمّا وَصِيّةُ الخِتام: إذَا هَتَفَ النّاسُ اليومَ لَك: ﴿هُوشَعنا، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرّب﴾. فإنّهم قَد يهتِفونَ لَك غَدًا: ﴿اِصلِبهُ، أُقتُله﴾. أَحْبِب النّاسَ جَميعًا مَهما هَتَفوا، عَلى أَيّةِ حَال...!