موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٥

أصل الاتزان

بقلم :
الأخت فاتن حبايبة
الأخت فاتن حبايبة، من راهبات الورديّة المقدسّة

الأخت فاتن حبايبة، من راهبات الورديّة المقدسّة

 

"طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأن أُتم عمله" (يوحنا ٤: ٣٤)

 

أي اختلال بالاتزان ما بين الأفكار داخل النفس وخارجها يسبب اضطراب فكري، وأي اختلال بالاتزان ما بين الأحاسيس داخل النفس وخارجها يسبب اضطراب عاطفي، وأي اختلال بالاتزان ما بين الرؤيا داخل النفس وخارجها يسبب اضطراب في معنى الوجود، وأي اختلال ما بين التوجه داخل النفس وخارجها يسبب اضطراب في معنى الحياة.

 

وما أقصده ليس الازدواجية ما بين داخل النفس وخارجها كأن أفكر بشيء ما وأقول عكسه أو أن أحس بشعور معين وأظهر غيره أو أن أحلم برؤيا معينة وأُطبّق غيرها أو أن أعرف الحقيقة داخل نفسي ولا أتصرف انطلاقا منها، وإنما ما أعنيه هو أن نفس الفكرة والإحساس ونفس الرؤيا والتوجه يفتقِد للاتزان، فتظهر الازدواجية كنتيجة لفقدان هذا الاتزان والازدواجية لا تعالج إلا بالوعي للعودة لحالة الاتزان هذه، لأنّهُ بالاتزان تنحَل الازدواجية.

 

ومن يصل لحالة الاتزان سيكتسِب مهارة إظهار ما في داخل النفس كالنور خارج النفس، ومن يصل لحالة الاتزان سيمتلك ذكاء استيعاب ما في خارج النفس كالقراءة داخل النفس، وحالة الاتزان هذه تتحقق في البعد الروحي لتنعكس على الأبعاد الفكرية والنفسية والجسدية.

 

فإن اهتممت بالبُعد الروحي فإن داخلك سيمتلئ من محبة الله التي ستظهر كالنور من خلالك، وإن اهتممت بالبعد الروحي فإنك ستُراقِب ما حولك وتقرأ علامات محبّة الله لك، وهذه هي بالذات 'حالة الاتزان' وعندما تَنطلِق منها بأن تَنقُل ما تُدركه في البُعد الروحي ليُغذّي ويروي ما تُواجِههُ في البُعد النفسي والفكري والجسدي فإنك سَتختَبِر حالة الاتزان في حياتك، تلك الحالة المُقادة بالروح القدس روح المحبّة.

 

رسالتي لك أن تسعى لإيجاد حلول لأي اضطرابات نفسية وفكرية وجسدية قد تواجهها انطلاقا من حالة الاتزان هذه التي تَتحقَّق في البُعد الروحي، وأن تَتخلّى عن القيود التي تدفعك للهروب من الاهتمام بالبُعد الروحي، فنحن نهرب من البُعد الروحي لأننا نعتقد أنه صعب، لأننا نتوقع تحقيقه فقط بالحياة الأبدية، نحن نهرب من الاهتمام بالبُعد الروحي لأننا نتوهم انفصاله عن طبيعتِنا البشرية، ولأننا لم نتعلّم التعامل معه واختبار تأثيره على حياتِنا، نحن نهرب من البُعد الروحي لأننا نعتقِد أننا غير مُستحقين له.

 

 دعوتي لك أن تتذكّر قول المسيح الذي أجابَ به تلاميذه "طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلَني وأن أُتم عمله". فيارب أعطنا قلبا يتلذَّذ بالعمل بمشيئتِكَ آمين.