موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٤

الأحد الثالث من الصوم 2024

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد الثالث من الصوم: أحد السجود للصليب المكرم

الأحد الثالث من الصوم: أحد السجود للصليب المكرم

 

الرسالة

 

خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك.

إلَيكَ يا ربُّ أصرُخ. إلهي لا تَتصامَمْ عنّي.

 

فصلٌ من رِسالةِ القِدّيسِ بولسَ الرَّسولِ الى العبرانيّين (4: 14-16 ، 5: 1-6)

 

يا إخوَة، إذ لَنا رئيسُ كَهَنَةٍ عَظيمٌ قدِ اجتازَ السَّماوات، يَسوعُ ابنُ الله، فَلْنَتمسَّكْ بالاعتِراف * لإنَّ ليسَ لَنا رئيسَ كَهَنَةٍ غيرَ قادِرٍ أن يَرثِيَ لأمراضِنا، بَل مُجَرَّبٌ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا ما خَلا الخَطيئة* فلنُقبِلْ إذَن بدالَّةٍ إلى عَرشِ النِّعمة، لِنَنالَ رَحمةً ونَجِدَ ثقةًللإغاثَةِ في أوانِها * فإنَّ كلَّ رَئيسِ كَهَنَةٍ مُتَّخَذٍ منَ النَّاس، يُقامُ لأجلِ النَّاسِ فيما هو لِله، ليُقَرِّبَ تقادم وذَبائحَ عَنِ الخَطايا * في إمكانه أنْ يشَفقَّ على الَّذينَ يَجهَلونَ ويَضِلُّون، لِكَونِهِ هوَ أيضًا مُتلَبِّسًا بالضُّعف * ولهذا يَجِبُ علَيهِ أنْ يُقَرِّبَ عَنِ الخَطايا لأجلِ نَفسِهِ، كما يُقَرِّبُ لأَجلِ الشَّعب * ولَيسَ أحَدٌ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ الكَرامَة، بل مَن دَعاهُ اللهُ كما دَعا هرون * كذلكَ المَسيحُ لَم يُمَجِّدْ نَفسَهُ ليَصيرَ رَئيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الذي قالَ لهُ: أنتَ ابني وأنا اليَومَ ولَدتُكَ * كما يقولُ في مَوضِعٍ آخَر: أنتَ كاهِنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ مَلكيصادَق.

 

 

الإنجيل

 

فصل من بشارة القديس لوقا (1: 24-38)

 

في ذلك الزمان، حبلتْ أليصابات امرأةُ زخريا، فاختبأت خمسةَ أشهرٍ قائلةً: هكذا صنع بي الرب ُّ في الأيّام التي نظر إليَّ فيها ليصرِف عنّي العارَ بين الناس. وفي الشهر السادس أُرسِلَ الملاكُ جبرائيلُ من قِبَلِ الله إلى مدينة في الجليل اسمُها الناصرة، إلى عذراءَ مخطوبةٍ لرجلٍ اسمهُ يوسفُ من بيتِ داود،َ واسم العذراءِ مريم. فلمَّا دخل إليها الملاك قال: "السلامُ عليكِ أيتَّها المُنعمُ عليها، الربُّ معكِ، مباركةٌ أنتِ في النساء. فلمَّا رأتْهُ اضطربت من كلامهِ وفكَّرتْ ما عسى أنْ يكون هذا السلامُ. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريمُ فإنَّكِ قد نلتِ نعمةً لدى الله، وها أنتِ تَحبلينَ وتلدين ابناً وتسمّينَهُ يسوع. هذا سيكون عظيماً وابنَ العليّ يُدعى، وسيُعطيهِ الربُّ الإلهُ عرشَ داودَ أبيهِ، ويملِكُ على بيتِ يعقوبَ إلى الأبد، ولا يكونُ لملكهِ انقضاءٌ. فقالت مريم للملاك: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرفُ رجلاً؟"؛ فأجاب الملاك وقال لها: إنَّ الروحَ القدس يحُلُّ عليكِ وقوَّةَ العليِّ تظلّلكِ، ولذلك فالقدُّوس المولود منكِ يُدعى ابنَ الله. وها إنَّ أليصاباتَ نسيبتَك قد حَبِلت هي أيضًا بابنٍ في شيخوختها، وهذا الشهرُ هو السادس لتلك المدعوَّةِ عاقراً، لأنَّهُ ليس أمرٌ غيرَ ممكن لدى الله. فقالت مريم: ها أنا أمَةٌ للرّبّ، فليكُن لي بحسب قولك. وانصرف الملاكُ من عندها.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

عيد البشارة

 

لمريم والدة الإله قَدر عظيم وموقع مهم في الكنيسة، وذلك بالضبط لأنها كانت الشخص الذي انتظرته كل الأجيال ولأنها أعطت الطبيعة البشرية لكلمة الله. وهكذا يرتبط شخص والدة الإله عن كثب بشخص المسيح. إلى هذا قَدْر العذراء مريم لا يعود لفضائلها وحده بل أيضاً لثمرة بطنها بشكل أساسي. لهذا السبب الدراسة اللاهوتية حول والدة الإله مرتبط جداً بالدراسة اللاهوتية لشخص المسيح. عندما نتحدّث عن المسيح لا نستطيع إهمال التي أعطته الجسد. وعندما نتحدّث عن العذراء مريم نشير بنفس الوقت إلى المسيح لأن منه تستدرّ النعمة والقَدْر. هذا يظهر بوضوح في خدمة المديح حيث تُمتَدَح والدة الإله ولكن دوماً في توافق مع حقيقة أنها والدة المسيح "إفرحي يا تاجاً للملك. إفرحي يا حاملة حامل كل الخليقة".

 

بشارة والدة الإله هي بداية كل الأعياد السيدية. في طروبارية العيد ننشد: "اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي قبل الدهور…" تشير فحوى العيد إلى رئيس الملائكة، وهو الملاك المولَج بكل الأحداث المتعلّقة بتجسّد المسيح، يزور العذراء مريم، بأمر من الله، مخبراً إياها بأنّ أوان تجسّد كلمة الله قد آن، وأنها سوف تكون أمّه لوقا 26:1-56).

 

تتألّف كلمة البشارة (باليونانية) من كلمتين، الحَسَن والرسالة وهي تعني الرسالة الحسنة أو الإعلان الحَسَن. هذا يشير إلى الإعلام الذي أُعطي برئيس الملائكة بأن كلمة الله سوف يتجسّد لخلاص البشر. جوهرياً هذا هو إتمام وعد الله الذي أُعطي عند سقوط آدم وحواء (تكوين 15:3)، والمسمّى بالإنجيل الأول لهذا السبب إعلان تجسد كلمة الله هو أعظم بلاغ في التاريخ.

 

بشّر الملاك جبرائيل مريم العذراء بِحَبَلٍ بالروح القدس، وبشّر بالخالق الذي أراد أن يَتجسّدَ من دون أن يعتريه أي تغيير في ألوهيّته. فأتى حدث البشارة حيث تمّ اتحاد الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة.

 

تعود جذور هذا العيد إلى القرون الأولى للمسيحيّة. فموضوع بتولية مريم العذراء، وحبلها الإلهي أيّ تجسّد الإله في حشا امرأة شغل المسكونة منذ القدم وغيّر وجه التاريخ، وألهب قلوبًا انتظرت الخلاص الأبديّ.

 

في المقابل بعض الناس رفضَه جملةً وتفصيلًا، مستغربًا كيف يمكن لله أن يُصبح إنسانًا، والخالق يتحّد بالمخلوق.

هنا، تجيب المسيحيّة، بكلّ ثقةٍ ويقين، بلسان آبائها القدّيسين، سائلةً بدورها:

- هل يعجز من هو مصدر المحبّة أن يتحّد بالإنسان الذي خلقه على صورته ودعاه ليكون على مثاله؟ كيف يمكن أن تكون المحبّة الإلهيّة للإنسان لو بقي الله في عَليائه ولم يتجسّد؟

- ثمّ هل يتغيّر مَن لا يعتريه تغيير إذا اتحّد بالإنسان؟ أم أنّ الإنسان هو الذي يتغيّر في الحقيقة ويتأله بالنعمة الإلهيّة لاتحّاده بالله؟ هل يمكن أن يبقى الأب السماوي بعيدًا عن أبنائه؟

 

هذه الأسئلةٍ في الحقيقة كلّها إجابات تضع إزاءنا المقولة التالية: "مهمٌ جدًا أن نعرف من بشّر جبرائيل، ولكن الأهم أن نعي وندرك مَن الذي بشّر به جبرائيل". وخير إجابة عن هذا السؤال الذي يلخّص معنى العيد بمجمله هو ما تعلنه الكنيسة في دستور إيمانها:"إلهٍ حقٍ من إلهٍ حق، مولودٍ غير مخلوق".

 

تاريخ العيد وتطورّه:

 

عيد البشارة في الكنيسة الأولى لم يكن في بادىء الأمر عيدًا مستقلًا بحد ذاته، بل كان مرتبطًا بعيد الميلاد الذي كان مرتبطًا بدوره بعيد الظهور الإلهي. 

 

ولكن، عندما بدأ عيد الميلاد، الذي هو عيد ظهور الله في الجسد، يأخذ استقلالًا عن عيد الظهور الإلهي في القرن الخامس ميلادي، أتت الحاجة ليكون لعيد البشارة تاريخًا خاصًا به تُتلى فيه صلوات وقراءات لها ارتباط مباشر بمفهوم هذا العيد ولاهوته.

 

ملاحظة:عيد البشارة في ٢٥ آذار يتزامن مع اعتدال الربيع حيث يتساوى الليل مع النهار، وكانت الحضارات القديمة تعتقد أن العالم والكائن البشري خلقا في هذا اليوم بالذّات.

 

وقد كتب القدّيس أنستاسيوس الأنطاكي (٥٩٩م) ما يلي:"بحكمةٍ خلق الله كلّ شيءٍ، وبترتيب وعدالة أوجد الخليقة وافتتح الزمن، وهو أيضًا أراد أن يأتي في الفترة الزمنية ذاتها التي فيها خلق الموجودات والعالم.

 

فبعد إعتدال الربيع في 20 آذار، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار بشكل كامل، يأتي اليوم السادس الذي خلق الله فيه الإنسان ويكون في ٢٥ آذار. في هذا اليوم أيضًا اتّحد الله مع الإنسان بشكل كامل."

 

وأيضًا يقول القدّيس مكسيموس المعترف (٦٢٢م):" في أي ساعة، وفي أي شهر وأين كانت البشارة؟ فيجيب أن العذراء كانت تعيش صومًا وكانت تذهب إلى النبع سيرًا على الأقدام لتصلّي لأنّها وجدت الله ينبوع حياتها.

 

كان ذلك في الشهر الأوّل، أي في الشهر الذي خلق فيه الله العالم، وهذا هدفه أن يعلّمنا أنّه اليوم والآن يقوم بإحياء وتجديد العالم القديم.

 

كان ذلك في اليوم الأوّل من الأسبوع، أي يوم الأحد، اليوم الذي فيه دحر الظلام وخلق النور، أوّل المخلوقات. ويوم الأحد هذا، هو أيضًا اليوم الذي انبعث فيه نور القيامة معلنًا قيامة الرّب وقيامتنا نحن معه.

 

فكما في يوم الأحد جدد الله طبيعتنا بتجسّده في رحم العذراء، كذلك في يوم الأحد قمنا نحن البشر من خطايانا بقيامته المجيدة.

 

وليس فقط في اليوم الأوّل، بل أيضًا في الساعة الأولى لبزوغ الفجر الذي يشق سواد الليل ليعلن مع صاحب المزمور القائل: "يعينها الله عند اقبال الصبح" (مز٥:٤٦) وهو مزمور يعبّر عن الثقة بالله في زمان الشدّة والضيق. إذًا ما يخفق في هذا العيد هو الفرح الذي تترجمه بطروباريّة العيد وصلوات العيد وكلّ ما يرافقها من قراءات وترانيم وعظات.

 

الحبل الإلهي:

يصف القدّيس رومانوس المرنّم (القرن السادس ميلادي) بطريقة شعريّة، كيف أخبرت العذراء مريم يوسف الخطيب لقائها بالملاك جبرائيل: "أين كنت أيّها البار؟ لماذا لم تكن حاضرًا يا حارس عذريتي؟ كائن طائر أتاني ووهبني نعمة الخطوبة، لآلئ لأذنيّ. ووضع كلامه فيّ كأقراطٍ. هذا التحيّة التي دوت في أذنيّ، أنارتني وجعلت منّي أمًّا. (أمثال 12:25 قرط من ذهب وحلي من ابريز الموبخ الحكيم لإذنٍ سامعة). لم أستطع أن أفهم حبلي بالطفل، ولكن ها أنا أمامك أمًّا، من دون أن أفقد عذريتي، لأنّك أنت لم تعرفني".

 

للعلم: اللآلىء والأقراط يعكسون صورًا عن الحبل في الحضارات القديمة، منها أن الحياة تعبر إلى الإنسان عبر الأذنين، حتى أنّ بعض هذه الصور وجد صدى عند بعض المسيحيين. يشرح ترتليانوس في مدوّنته "جسد المسيح": الحياة دخلت إلى حوّاء بالسمع، كذلك كلمة الشيطان المميتة والقاتلة للنفس، دخلت في الإصغاء لها.

 

 

الطروباريات

 

طروبارية القيامة باللحن الثالث

لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربّ صنع عزّاً بساعده، ووطيء الموت بالموت، وصار بكر الأموات، وأنقذنا من جوف الجحيم، ومنح العالم الرحمة العظمى.

 

طروباريَّة الصَّليب باللَّحن الأوَّل

خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَك، وامنَحْ ملوكنا المؤمنينَ الغلبَةَ على البربر، واحْفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُختصِّينَ بكَ.

 

طروبارية العيد باللحن الرابع

اليومَ رأسُ خلاصِنا. وإعلانُ السِّرِّ الذي مُنذُ الدُّهور. فإنَّ ابنَ اللهِ يصيرُ ابنَ البتول. وجبرائيلَ بالنعمةِ يُبشّر. لذلكَ نحنُ معهُ فلنهتِفْ نحوَ والدةِ الإله. افرحي أيّتها المُمتلئةُ نعمةً الرّبُ معكِ.

 

القنداق باللحن الثامن

إنّي أنا مدينتُكِ يا والدةَ الإله،

أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة، يا جنديةً مُحامية،

وأقدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذةٍ من الشَّدائد. 

لكنْ بما أنَّ لكِ العِزَّةَ التي لا تحارَب.

أعتِقيني من صُنوفِ الشَّدائد

حتّى أَصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروسةً لا عروسَ لها.