موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في تجمّع عالمي فريد جمع رؤساء الأديان وقيادات الكنائس من مختلف التقاليد والطقوس، عقدت مؤسّسة سانت ايجيديو Saint Egidio لقاءها السنوي بالقرب من مدرّج الروماني العريق "الكولوسيوم" في العاصمة الإيطالية روما. وحمل اللقاء هذا العام عنوانًا لافتًا: "الجرأة لتحقيق السلام"، ليأتي في لحظة يحتاج فيها العالم إلى مبادرات تتجاوز الخطابات التقليدية نحو أفعال ملموسة.
شهد اليوم الأول كلمات مؤثرة في القاعة الكبرى، أبرزها كلمة بطريرك القدس بييرباتيستا بيتسابالا، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي لقي استقبالاً رسميًّا وحيّا دول العالم التي اعترفت بالدولة الفلسطينية. كما تحدّث البطريرك الكلداني في العراق الكاردينال روفائيل ساكو، إلى جانب شخصيات نقلت أمام الحضور آلام الشعوب وأوجاع الواقع.
هذا اللقاء ليس حدثًا سنويًّا عابرًا؛ فهو امتداد لمسيرة مؤسّسة سانت ايجيديو التي تأسست عام 1968 على يد أندريا ريكاردي، حين كان طالبًا في مدرسة ثانوية، متأثرة بروح المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). وقد رسمت لنفسها خطًا واضحًا يقوم على الصلاة، وخدمة الفقراء، والعمل من أجل السلام. وعبر السنوات الماضية، تحوّل هذا الخط إلى مبادرات ملموسة؛ فقد أسهمت المؤسسة في نقل عائلات مهاجرة من سوريا والعراق وغزة إلى إيطاليا، حيث حصلوا على العلاج والرعاية والتعليم، واستعادوا شيئًا من الكرامة التي سلبها العنف والحرب. إنها شهادة حيّة على أنّ السلام لا يُصنع بالمؤتمرات وحدها، بل بالإنسان الذي يقترب من أخيه الإنسان.
أما في الحفل المقام أمام الكولوسيوم، فقد تحدّث الطبيب القادم من السودان الشقيق، عمر علي، الذي بثّ ألمه وروى كيف استطاع الوصول إلى إيطاليا بمساعدة المؤسسة عبر الممر الإنساني من إثيوبيا. لكنه أكّد أن قلبه ما زال مع شعبه وأرضه في السودان، فدعا رؤساء الأديان والكنائس إلى الصلاة والعمل من أجل السلام الشامل في بلاده.
أما كلمة البابا لاون الرابع عشر، الذي يشارك لأول مرة في هذا التجمّع العالمي، فقد كرّر فيها صرخة أسلافه البابوات: لا للحرب بعد اليوم. وقال بصوت عالٍ: "الحرب ليست مقدّسة أبدًا، السلام وحده هو المقدّس، لأنه مشيئة الله". واستذكر ما قاله البابا الراحل فرنسيس العام الماضي، حين عُقد هذا الاجتماع في باريس: "علينا أن نُبعد عن الأديان الخطر بأن تصير أداة لتغذية النزعات القومية أو العرقية أو الشعبوية. فالحروب تشتدّ، والويل لمن يسعى إلى جرّ الدين للمشاركة في الحروب!".
كما دعا البابا لاون جميع القادة السياسيين إلى إنهاء الحرب، لأنه واجبٌ مُلِحّ عليهم أمام الله، مؤكدًا أن السلام هو أولوية كل سياسة. وقال: "الله سيُحاسب مَن لم يسعَ إلى السلام أو أجّج التوترات والصراعات، كلّ يوم، وشهر، وسنة من الحرب".
وفي نهاية اللقاء، وفيما رفعت يافطات في أيدي الحضور وبكل اللغات ومنها العربية، حملت كلمات: السلام، العدالة، والمصالحة، تقدّم أطفال من مختلف الدول الذين دعمتهم سانت إيجيديو على أنغام الموسيقى، وسط تصفيق رؤساء الكنائس وممثلي الأديان، لتُضاء شموع السلام من أجل توقف الحرب في كل مكان، وأن ينعم العالم بالسلام المبني على العدالة واحترام كرامة كل شعب وكل إنسان.