موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٤ مايو / أيار ٢٠١٥
القديس فرنسيس الأسيزي والبابا فرنسيس: دعوة لإعادة البناء

القدس - الأب عماد الطوال :

هنالك سؤال غالباً ما يدور في أذهان العديد منا، ما الذي يجمع بين القديس فرنسيس الأسيزي والبابا فرنسيس، من المؤكد أن الإجابة الواضحة لدى العديد من الناس ستكون أنه التواضع وحب الفقراء، ولكن هل هنالك قواسم مشتركه فعلية جمعتهما على الرغم من الفترة الزمنية المتباعدة التي عاش بها كل منهما على هذه الأرض والتي تقارب الثماني مئة سنة.

1. الاسم الشهادة: لتكن البداية مع الاسم الذي اختاره الكاردينال جورجيو ماريو بيرغوليو لحظة انتخابه كبابا، حيث كان أول من يستخدم اسم "فرنسيس"، وحين سُئل عن سبب اختياره لهذا الاسم قال أنه اختاره تكريماً للقديس فرنسيس الأسيزي الذي عُرف عنه تواضعه وحبه للفقراء، وقال أيضاً أن القديس فرنسيس كان "رجل الفقراء ورجل سلام، رجل أحب الخلق، ونحن في هذا الزمن لم يعد لدينا هذه العلاقة العظيمة مع الخالق، إنه رجل يمنحنا روح السلام، وهو الرجل الفقير الذي يريد كنيسة فقيرة"، وكذلك كان الأب الأقدس، فمنذ البداية كان واحداً من أكثر القادة تواضعاً في الكنيسة الكاثوليكية على الإطلاق وكان مثالاً للمؤمنين للحذو حذو المسيح في التواضع ورعاية الفقراء، فكانت أفعاله تتحدث بصوت أعلى من كلماته.

2. عمل البناء: في العام 1969 سُيم البابا فرنسيس كاهناً، أما القديس فرنسيس فلم يكن كاهناً في البداية ولكنه كان مؤمناً بسيطاً ومتواضعاً حيث كان يعتقد أنه لا يستحق الكهنوت، وقد ارتسم شماساً في نهاية حياته بعد أن أُجبر على عدم الكرازة لكونه ليس كاهناً، فقبل أن يرتسم لهذا السبب، ولكنه اشترط أن يكون ذلك دون مقابل مادي، وأطلق اسم "أخوتي وأخواتي" على مرافقيه، كان اهتداء فرنسيس الأسيزي عندما سمع صوت "المصلوب" في كنيسة القديس داميانس القديمة يقول "قم، يا فرنسيس، رمّم بيتي المتداعي" وقد أدرك حينها أن الله لا يدعوه إلى بناء كنائس من حجارة فحسب، بل إلى بناء كنيسة النفوس.

3. روح التضحية: عام 1201 أصبح القديس فرنسيس جندياً وذهب إلى الحرب وسُجن لمدة عام نتيجة لذلك، والبابا فرنسيس عاش خلال الحرب في الأرجنتين وكانت دعوته لإنقاذ الإنجيل المقدس ومعناه في الكنيسة خصوصاً خلال فترة الإقطاع وسلطة الإمبراطور والبابوات، حيث ساعد عدداً من الأشخاص في الهروب من السجن والدكتاتورية في ذلك الوقت.

4. فيض المحبة: قبل أن يتخلى القديس فرنسيس عن كل ما يملك ويصبح متسولاً حافي القدمين بدأ حياته مع البرص حين مر على رجل أبرص فقير كان منظره يثير اشمئزاز من كان يراه لكنه اقترب منه وعانقه وقدم له كل الأموال التي كانت بحوزته حيث رأى المسيح بصورة هذا الأبرص المشوّه وكان يرى بأنه يخدم فيه المسيح المصلوب، مؤخراً شاهدنا رد فعل مماثل من قبل البابا فرنسيس عندما اقترب من رجل مشوه الوجه إثر مرض مستعصي أصابه، فبدلاً من تجنبه عانقه وقبله على وجهه المشوه.

5. غنى في الرب: العمل بالنسبة لكليهما لم يكن لأجل الفقراء وإنما للعيش مع الفقراء ومثل الفقراء للمشاركة في همهم وفي نموهم وللتضامن معهم ولأجلهم، عندما تخلى القديس فرنسيس عن كل ما يملك قرر أن يسير على خطى المسيح ويقدم حياته لخدمة الفقراء والمعوزين، كذلك سُمي البابا فرنسيس ببابا الفقراء وعُرف عنه قربه من الأطفال والمسنين والمحتاجين.

6. كلام الحكمة: اشتهر القديس فرنسيس بعظاته التي كانت بلغة الشعب البسيطة وليست باللغة اللاتينية، وقد كان يتوافد الآلاف من الناس للاستماع إليه في كل مناسبة، وهنا نجد أيضاً بأن البابا فرنسيس قد تميز بعظاته وبدعوته إلى التجديد في العظة حيث أصبحت القنوات التلفزيونية المتعدده تتسابق لنقل عظاته.

7. شعبية يسوع: عُرف عن القديس فرنسيس بأنه أكثر القديسين شعبية في المسيحية، وفي نفس الإطار اختارت مجلة تايمز الأمريكية البابا فرنسيس ليكون "شخصية العام"، واصفة إياه بأنه الشخصية الأكثر تأثيراً في عام 2013.

ويبقى الأهم أن العناية الإلهية قد جمعتهما في حمل رسالة واحدة، رسالة لإعادة بناء الكنيسة كلٌّ في زمنه وتاريخه، "فرنسيس" ليس اسم وإنما مشروع لبناء كنيسة الفقر والتواضع الإنجيلية، هي دعوة إلى السير معاً في الطريق لبناء كنيسة المسيح في عالم اليوم.

يدعونا البابا فرنسيس اليوم إلى "كنيسة الفقراء لأجل الفقراء"، يدعونا إلى الخروج إلى الجماعة وعدم انتظار قدومهم لنا (السير مع القطيع)، يقول لنا عش معهم شاركهم حياتهم وهمهم وسر معهم في الطريق والحياة، شاركهم رسالتهم والأهم من ذلك أمالهم وطموحاتهم.

كنيسة اليوم بحاجة إلى إعادة بناء مؤسسياً وأخلاقياً، وبحاجة إلى إعادة المصداقية لرسالتها المجتمعية بعد الأزمات العديدة التي تواجهها (مالية، إدارية، روحية، اجتماعية، الابتعاد عن الشعب وفقدان المصداقية)، المؤمن اليوم غير مقتنع بعظاتنا إن لم تُترجم إلى شهادة حية "ما جئت لأُخدم بل لأخدم" (مرقس 10: 43- 45).

يدعو البابا كنيسة اليوم إلى القيام بدورها في تأدية رسالتها، رسالة المحبة والتواضع والمشاركة، رسالة الحوار والانفتاح، رسالة قبول الآخر كما هو، رسالة البساطة، يدعوها أن تكون "كنيسة الجماعة" يدعوها إلى الخروج من العقلية الإكليريكية السلطوية، فالكنيسة هي شركة ومشاركة مع العلمانيين، ومن الجماعة تُبني الكنيسة، يقول البابا فرنسيس "رحمة الله لا تملّ نحن نملّ من طلبها".