موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٦ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
مَثَل الزارع

أشخين ديمرجيان :

 

تُقدَّر حياة الانسان بمقدار شفافية روحه التي ترتقي به وتنيره قلباً وقالبًا لتلقّي رسالات الحقّ والخير والجمال . وهذا يعني أيضًا الانهماك في النشاطات والأعمال الخيريّة أوالخوض في الدراسة والأبحاث أوالتركيز على العمل ومختلف مجالات الحياة، كلٌّ حسب مقدرته العلميّة أو الثقافيّة أو المهنيّة أو الاقتصاديّة... بدل الإخلاد إلى الراحة والخمول أو التقلّب في مهد البطالة، وما يصحب ذلك من سلبيّات وأضرار وأمراض نفسية وفساد.

 

لكن مع ذلك، ولكي نرقى إلى الكمال، علينا التحلّي بالإيمان والسعي الى تقديس نفوسنا. والإيمان كلمة مرادفة للشجاعة والإقدام والهمّة والنشاط. وهذا لا يعني تحقيق أعمال بطوليّة صعبة المَنال فريدة من نوعها أو مشاريع كبيرة وإنجازات عظيمة. كلّ ما في الأمر إنجاز الواجبات والالتزامات تجاه الأسرة والمجتمع بإخلاص "أنقياء السيرة والسريرة"، جاهزين وساهرين على خلاص نفوسنا تمامًا كما يقول المثل العامّي: "إعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً" على أتمّ استعداد لمفارقة الحياة الدنيا... والكتاب المقدّس يؤكّد ذلك بقوله: "اسهروا اذاً، لأنّكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة..." (متّى 25 : 13).

 

وأعمالنا اليوميّة مهما كانت بسيطة متواضعة، ومهما كنّا قليلي العلم ذلك كلّه لا يهمّ عند الله. الأمر الجوهري لديه تعالى أن نؤمن به أوّلاً، وأن نقوم بواجباتنا اليوميّة حتى البسيطة بكلّ أمانة، في سعيٍ حثيث الى البرّ والصلاح، وأن ننهض من جديد بعد كلّ عثرة، هذا هو الدرب الذي يقودنا إلى الموطن السماويّ.

 

لتحقيق ما سبق ذكره؟ فلنتساءل فيما اذا كنّا نعيش في حالة دائمة من القداسة. مستسلمين لإرادة الله الذي يرانا ويرى أعمالنا. أي أن نعيش على مثال أمّنا وسيّدتنا العذراء مريم التي كانت مؤمنة ومستعدّة للإذعان لمشيئته تعالى باستمرار مهما استَعْصَت عليها الأمور وصعُبت الظروف ولسان حالها يقول "ها أنا أمة الرب".

 

كلّم السيّد المسيح الجموع دومًا بالأمثال إذ كان معظمهم من الطبقة العامّيّة البسيطة، "ولم يقُل لهم شيئًا من دون مَثَل، ليتمّ ما قيل على لسان: أتكلّم بالأمثال، وأُعلِن ما كان خفيًّا منذ إنشاء العالم" (متّى 13 : 34-35).

 

ومن هذه الأمثال ضرب لهم مَثَل الزارع قال: "مَثَل ملكوت السمَوات كمَثَل رجُل زرع زرعًا طيّبًا في حقله، و بينما الناس نائمون، جاء عدوّه فزرع بعده بين القمح زؤانًا وانصرف. فلمّا نما النبت وأخرج سنبلة، ظهر معه الزؤان. فجاء ربّ البيت خدمه وقالوا له: يا سيّد، ألم تزرع زرعاً طيباً في حقلك؟ فمن أين جاءه الزؤان؟ فقال لهم: أحد الأعداء فعل ذلك. فقال له الخدم: أفتريد أن نذهب فنجمعه؟ فقال: لا، مخافة أن تقلعوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان، فدعوهما ينبتان معًا إلى يوم الحصاد، حتّى اذا أتى وقت الحصاد، أقول للحصّادين: اجمعوا الزؤان أوّلاً واربطوه حُزمًا ليُحرَق، وأمّا القمح فاجمعوه وأتوا به إلى أهرائي" (متّى 13 : 24 وتابع).

 

"وطلب التلاميذ من السيّد المسيح تفسيرًا لهذا المَثَل فأجاب: الذي يزرع الزرع الطيّب هو ابن الإنسان، والحقل هو العالم والزرع الطيّب بنو الملكوت، والزؤان بنو الشرّير، والعدوّ الذي زرعه هو إبليس، والحصاد هو نهاية العالم، والحصّادون هم الملائكة الذين يجمعون الأشرار ويُخرجونهم من الملكوت، ويقذفون بهم في أتون النار. والصدّيقون يُشعّون حينئذٍ كالشمس في الملكوت" (متّى 13: 36–43).

 

كما نعلم، الزؤان عشب لا جذر له يحتوي على فطريّات سامّة، وينبت بين الحنطة (نبات القمح) ويتغذّى منها، ويتعذّر قلعه قبل أن ينضجا معًا، وإلاّ تنخلع الحنطة أيضًا لأنّ الزؤان يتمسّك بجذور الحنطة ويقيّدها معه. بعد النضج يترك الزؤان جذور الحنطة ويصبح بالإمكان التفريق بينهما: ويُجمع الزؤان ليُحرق، ثم تُجمَع الحنطة بعد ذلك للتخزين.

 

لم يضيّع السيّد المسيح وقته في خلع زؤان الشرّ المتفشي في المجتمع، بل وضع مبادىء جديدة ودرّب تلاميذه ورسله على ذلك كي ينشروها في جميع أنحاء المعمورة. ومنعنا من خلع الزؤان لئلاّ نخلع معه الزرع الطيب... علّمنا أنّ الطريقة المثلى هي تقديم القدوة الصالحة والنموّ كالسنبلة .

 

خاتمة

 

لا يجوز أن ندين الناس ونحاسبهم على العيوب (الزؤان) بل ينبغي أن نكتشف محاسنهم (الزرع الطيّب) ونذكرها: الله وحده هو الديّان العادل لأنّه يرى خبايا النفوس وخفاياها. كما أنّ الدخول في صراعات مع الناس مضيعة للوقت واستنزاف للأعصاب وهدر للصحة.