موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٣ فبراير / شباط ٢٠٢٤
لقاء ففرح، وسلام فانطلاق

الأب أثناسيوس شهوان :

 

الإنسان كائن ليتورجيٌّ، بمعنى أنَّه إنسان مُصَلٍّ وعامل في حقل ملكوت الله، وهذا الأمر يبدأ من هنا، اليوم والآن، كما علَّمَنا الربُّ أن نصلِّي «الأبانا»، فتكون مشيئته في حياتنا ويتقدَّس اسمه فينا.

 

فكلمة ليتورجيا بأصلها اليوناني، هي عمل بهدف إلى إفادة المواطنين، وفي اللاهوت هي عمل المؤمنين من أجل خلاصهم، هذه أكبر فائدة ومنفعة، وهذا هو عملنا الأوَّل، أي أن نتنقَّى ونسلك الطريق إلى الهيكل، ولكن هذه المرَّة ليس إلى الهيكل الحجريِّ القديم، بل نسلك طريق الهيكل الإلهيِّ - اللحميِّ الَّذي أتى إلينا ليجعلنا هياكل الروح القدس. هذا هو هدف حياتنا الأوَّل، والباقي تفاصيل.

 

في اليوم الثاني من شهر شباط تقيم الكنيسة عيد دخول ربِّنا وإلهنا يسوع المسيح إلى الهيكل. بدخوله تمَّ اللقاء. هكذا تُسمَّى أيقونة العيد. هو لقاء المخلِّص الَّذي فيه تحقَّقت النبوءات.

 

انتظر سمعان الشيخ هذه اللحظة البهيَّة، ولمَّا حمل الخالق على ساعديه، صرخ بحبور: «الآن تُطلق عبدك يا سيِّد». فقد أدرك أنَّ لقاءه بالربِّ في هذه الحياة هو بداية انطلاق لحياة أبديَّة معه، فملأ قلبه الفرح والسلام، لأنَّه التقى وجهًا لوجه مع مبعث الفرح وسيِّد السلام.

 

فعيد اللقاء إذًا هو عيد فرح ما بعده فرح. إنطلاقًا، ترتِّل الكنيسة ترتيلة (الطروباريَّة) تبدأ بالفرح ومفعمة بالفرح وتختم بفرح القيامة، فتقول: «افرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمة، لأنَّه منكِ أشرق شمسُ العدل المسيحُ إلهنا، مُنيرًا للَّذين في الظلام؛ سُرَّ وابتهج أنت أيُّها الشيخُ الصدِّيق، حاملاً على ذراعَيْكَ المعتقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة».

 

بدايتها تنقلنا فورًا إلى البشارة، حيث وقف الملاك جبرائيل وقال للعذراء مريم: «افرحي أيَّتها المُنعَم عليها! الربُّ معك. مباركة أنت في النساء» (لوقا1 : 28). ففي اللغة اليونانيَّة، لغة الإنجيل الأصليَّة، مكتوب «افرحي Chaire / Χαῖρε»، والفرح والسلام لا ينفصلان، لأنَّ الفرح الحقيقيَّ يولِّد سلامًا حقيقيًّا، والعكس صحيح. وفرح الربِّ هو نور يشرق علينا، كالشمس في الربيع عندما تتفتَّح الزهور بدفئها وإشراقها.

 

هو نور يبدِّد كلَّ ظلمة.

 

والدة الإله تقدِّمُ الرب إلى الهيكل ليدخل هيكل نفوسنا!

 

وتكمل الترتيلة كمعزوفة فتنتقل إلى سمعان الشيخ الَّذي كان ينتظر اللقاء العظيم مع المخلِّص، فتخاطبُه بتأكيد ويقين: "سُرَّ وابتهج".

 

سروره يكمن بلمس يسوع، وابتهاجه هو بقدوم المنتصر على الموت، ومحرِّر نفوسنا. وطلب سمعان بالعتق جعله المنادي الأوَّل بقيامة الربِّ، لأنَّه أدرك أنَّ القائم أبديًّا يراه وجهًا لوجه، فكيف له أن يخشى المنيَّة وهو يحمل على ذراعيه سيِّد الحياة. ألا نؤمن بأنَّ يسوع هو الحياة؟

 

لهذا تنتصب أمامنا في العيد ثلاث كلمات: لقاء وفرح (سلام) وانطلاق.

 

عالمنا اليوم بالرغم من كل التطوُّر الإلكترونيِّ بحاجة للقيا. لقيا الوجوه النورانيَّة الَّتي تفيض من قلب نورانيٍّ متَّحد بيسوع. وجه بريء ومُحبٌّ وصادق ولا ازدواجيَّة فيه.

 

هكذا كان لقاء يسوع مع المرأة السامريَّة، والأجمل ما أعلنه أهل مدينتها بقولهم لها: «إنَّنا لسنا بعد بسبب كلامكِ نؤمن، لأنَّنا نحن قد سمعنا ونعلم أنَّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلِّص العالم» (يوحنَّا 4 : 42).

 

السامريَّة التقت بالربِّ، فامتلأت فرحًا، فقامت من عزلتها وتركت جرَّتها وكلَّ همومها الأرضيَّة تحت أقدام يسوع، وانطلقت مسرعة إلى أهل مدينتها تبشِّرهم بالمسيح. فانطلقوا بدورهم إليه وطلبوا منه أن يمكث عندهم، وأزهرت نفوسهم فرحًا وسلامًا.

 

الربُّ يريدنا أن نلتقي ببعضنا بعضًا، ونتبادل الفرح والسلام ليكون المسيح واحدًا فينا جميعًا. كذلك يريد أن تشتهي الناس لقيانا، وليس العكس. يريدنا أن نعطي المسيح للآخرين، وهذا لا يتمُّ إلَّا إذا سكن المسيح فينا، لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه.

 

هذا ما فعله الرسل والآباء القدِّيسون، ويفعله كلُّ عاشق للمسيح.

 

يقول متَّى الإنجيليُّ: «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متَّى 7 : 16). وثمر القلب النقيِّ هو الوجه السلاميُّ. فكم من مرَّة التقينا بشخص وقلنا إنَّ وجه الله عليه؟

 

بالمقابل فعل «السلامُ Chaire / Χαῖρε» نفسه مستعمل في اتِّجاه معاكس، في سلام كاذب، كسلام يهوذا الغاشِّ للربِّ: «السلام يا سيِّدي!»، وقبَّله قبلة غاشَّة (متَّى 26 : 49).

 

فالويل لنا إن كنَّا غاشِّين مثله، عندها نصبح، كما يقول الكتاب المقدَّس، أبناء الهلاك وليس أبناء النجاة، وأبناء الظلمة وليس أبناء النور.

 

ما نشتهيه يحدِّد انطلاقنا وطريقنا. فالربُّ

 

أشرقَ نورَهُ علينا ليُشرق نورُ وجهنا منطلقين معه من حياة أرضيَّة فانية إلى حياة سماويَّة أبديَّة لا تفنى. فهل حقًّا نشتهي لقيا مخلِّصنا؟.

 

عودة إلى مقدِّمة المقالة، الإنسان المصلِّي يعرف أنَّ نشيد سمعان الشيخ نرتِّله كلَّ يوم في صلاة الغروب إيذانًا ببدء يوم جديد مع الربِّ يكون بمثابة فرصة لنتوب عن مساوئنا وضعفاتنا وخطايانا، ونماثله بفرحه وانطلاقه إلى الملكوت.

 

فما أجمل خدمة العيد، وما أجمل هذه القطعة المسائيَّة الَّتي تخاطب سمعان كما تخاطبنا: "اقبل يا سمعان، مَن سبَق موسى فرآه في سيناء تحت الغمام واضعًا الشريعة، صائرًا طفلًا خاضعًا للشريعة، هذا هو الناطق بالشريعة. هذا هو المرموز إليه بالأنبياء الَّذي تجسَّد من أجلنا. وخلَّص الإنسان، فله نسجد".

 

حقًّا ليس إلهٌ مثل إلهنا.

 

إلى الربِّ نطلب.