موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
لا جاهة ولا وجاهة ولا زعامة ولا ترفّع، بل تضحية وتحمّل وخدمة وتواضع!

الأب د. بيتر مدروس :

<p dir="RTL">يتنبّأ أشعيا &ndash;وأكثر من ثلث العهد القديم نبوّات عن الماشياح المنتظر&ndash; أنّ &quot;العبد المتألّم&quot; سيشفي الشّعب بجراحه وسيفدي بأتراحه. وأدرك المفسّرون العبرانيّون أنّ المقصود هو الماشياح ولكن بعد القرن الميلادي الأوّل غيّروا رأيهم وزعموا أنّ &quot;العبد المتألم&quot; ما هو إلاّ أمّة يسرايل نفسها! ولكن في هذه الحالة يمُسي الشعب العبري فاديًا للوثنيين وشافيًا للأمميّين &ndash; الّذين يعدّهم التلمود كائنات بلا قيمة ولا كرامة! وفي هذه المرّة أيضًا، رفض معشر الربابينيين المفهوم الفدائي الكفّاري الروحاني للمسيح المنتظر واكتفوا بفكرة الهيمنة والسيطرة والفوقيّة.</p><p dir="RTL">وسيعود إلى ذلك الفكر المغلوط شقيقان من رسل المسيح أي يعقوب ويوحنّا.</p><p dir="RTL"><strong>طلب الرسولين الشّقيقَين</strong></p><p dir="RTL">أن يجلس أحدهما عن يمين المسيح الملك والآخر عن يساره! مبدئيًا، هما على يسوع &quot;غاليان والطلب رخيص&quot; فالمسيح على كلّ شيء قدير. ولكنّه سيرفض طلب الوجاهة لأسباب وجيهة كما سنرى!</p><p dir="RTL">في بشارة مرقس يكتب &quot;ترجمان بطرس وابنه الروحاني&quot; بوحي من الله وإلهام منه تعالى أنّ الشقيقين ابنَي زبدى تقدّما بالطلب، في حين أنّ الإنجيل الأوّل ينسب الخطوة إلى والدتهما سالومة. ويحلّ اللغز قدّيسنا العظيم رئيس أساقفة القسطنطينية إنطاكيّ المولد يوحنا ذهبيّ الفم كما يلي: &quot;كيف يقول هذا الانجيليّ (أي متّى) إنّ أمّهما جاءت الى يسوع؟ من الممكن أنّ الأمرين كليهما حدثا (أي الشقيقان تارة والأم طورا). ربّما أخذا أمّهما معهما ليجعلا تضرّعهما أقوى، ويملكا مع المسيح. لاحظ كيف يوجّه المسيح كلامه اليهما، فالطلب جاء منهما بلا شكّ، فإنهما بسبب خجلهما أشركا أمّهما بالمطالبة (موعظة 65 في إنجيل متّى، 2).</p><p dir="RTL"><strong>سؤال من المسيح وتحدّ</strong></p><p dir="RTL">&quot;أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها وقبول المعمودية التي سأقبلها؟ &quot;كما تقول العامّة &quot;يضع يسوع عقله في عقلهما&quot;، &quot;لاحق العيّار إلى باب الدّار&quot;، ويطرح عليهما سؤالاً ثنائيًا حول استعدادهما تجرّع كأس الآلام كما سييفعل هو قبل أن يجلس عن يمين القدرة.</p><p dir="RTL">يكمل فم الذّهب: &quot;الكأس هي المعاناة. ليست الكأس والمعموديّة شيئًا واحدًا. الكأس هي الآلام، أمّا المعموديّة فهي الموت نفسه. المعموديّة تشبه كثيرًا الصوف المصبوغ. فكما أنّ الصوف، ذا اللون الطبيعيّ، يُغَطّس ليتلوّن بالأرجوان أو بأيّ لون آخر، هكذا ننحدر نحن أيضًا الى الموت كجسم بشريّ ونصعد كجسم روحيّ. (موعظة رقم 35).</p><p dir="RTL"><strong>ردّ فوري لا يخلو من ادّعاء</strong></p><p dir="RTL">&quot;نستطيع!&quot; &quot;قالا: &quot;نستطيع&quot; عن جهلهما بالتجربة. فالحرب للجاهل مُستحسنة، تمامًا كما تبدو تجربة الموت والألم لعديم الخبرة أمرًا بسيطًا. أفلا يجدر بالتلاميذ أن لا يقولوا &quot;نستطيع&quot;، لو كانوا يعلمون كيف هي تجربة الموت! عظيم الحزن الذي يسبّبه الألم، لكن الموت يسبّب خوفًا أعظم&quot; (موعظة 35 الذهبيّ الفم).</p><p dir="RTL"><strong>&quot;أمّا كأسي فسوف تشربانها ومعموديّتي فسوف تقبلانها!&quot;</strong></p><p dir="RTL">&quot;كيف شرب ابنا زبدى، يعقوب ويوحنا، كأس الاستشهاد. يُخبرنا الكتاب المقدّس أن هيرودس (أغريبا الأوّل) قطع رأس الرسول يعقوب (أعمال 12: 2). أمّا يوحنا فرقد رقدة طبيعيّة. ولكن قبلها كان يوحنا قد وُضع في قدر زيت مغليّ ليستشهد، فخرج من هناك كرياضيّ ليربح تاج المسيح&quot; (ترتيليانوس 36 <span dir="LTR">ANF 3 :260</span>) ونُفي بعد ذلك الى بطمس. شرب كأس الاعتراف بالإيمان مثل الفتيان الثلاثة في أتون النار (تفسير متى 3: 20-23).</p><p dir="RTL">ويستمرّ يسوع يقول: &quot;الجلوس عن يميني أو يساري ليس لي أن اعطيه بل هو للذّين أُعِدّ لهم&quot;: يفسّر الآية كالتّالي مار هييرونيموس: &quot;ملكوت السماوات ليس لمَن يُعطي بل لمَن يأخذ. &quot;فالله لا يحابي الوجوه&quot; (أعمال 10: 34). مَن أثبت استحقاقه لملكوت السماوات نال ما اُعدّ للحياة لا لشخص محبّذ اعتباطا دون غيره. إن كنت ممّن يسعون الى الملكوت الذي أعدّه أبي للظافرين فإنّك ستناله. آخرون تمنّوا لو أنّها قيلت عن موسى وايليا. لكن أسماء الذين هم في الملكوت لا تُعلَن لئلاّ يُظنّ أنّ الآخرين مُبعدون&quot; (تفسير متى 3: 20-23).</p><p dir="RTL">ليسوع السلطان لكنّه لم يشأ أن يلبّي طلب ابني زبدى لئلاّ يُحزن الآخرين جميعًا. يسوع يرفض الاعتباطيّة والتزلّف والانتهازيّة ومحاباة الوجوه والعُجب وروح الزعامة وجنون العظمة &ndash; وأعطى بنفسه مثال التواضع والوداعة.</p><p dir="RTL"><strong>المؤمنون والاكليروس: بين المتاعب والمناصب!</strong></p><p><span dir="RTL">أحيانًا نقع في تجرية حبّ الظهور والعظمة والألقاب و&quot;صدور المجالس&quot; ونصبو لنكون من الأعيان والوجهاء. ولا يتوفّى أحد منّا إلاّ نعته الصحافة المحليّة (المأجورة) واصفة إيّاه بأنه &quot;وجيه فاضل&quot;! ومعروف بيننا مرض &quot;ديمومة الكراسي&quot;، وهو تفسير خنفشاريّ اعتباطي من أحد الزعماء السابقين للكلمة اليونانيّة المركّبة &quot;الديموقراطيّة&quot; أي &quot;حكم الشعب&quot; التي تستبدل بجنون العظمة (&quot;ميغالومانيا&quot;) والخيلاء. فلنتلمذنّ كلّ يوم للمسيح &quot;الوديع متواضع القلب&quot; مُدركين أنّ ملكوت الله &quot;ليس أكلاً ولا شربًا&quot;، ولا جاهة ولا زعامة ولا دعاية انتخابيّة، بل هو خدمة واتّضاع وتحمّل للمصاعب وهروب من المناصب! وبعد عمر طويل &quot;ينال كلّ واحد مديحه من الله&quot; (الأولى إلى القورنثيين 4: 5).</span></p>