موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٥ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
عظة عيد الغطاس‎ (الظهور الإلهي)

المطران بيير باتيستا بيتسابالا :

ينبّهنا عيد الغطاس الى حقيقة هي غاية في البساطة، إلى الطريقة التي بها دخل الله تاريخ الانسان وارتبط بعلاقة معه.

لنبدأ بالتكلم عن الجاذبية. الجاذبية هي قوة لا تأتي حتما من الخارج وكثيرا ما تنبع من الداخل. هذا ما حدث للمجوس، الأشخاص العجيبين الطيبين الذين ما زالت تحيط بهم هالة من السرّية. جاؤوا من الشرق ليروا طفلاً ملكاً. أتوا من بعيد لأن الجاذبية التي نتكلم عنها قويّة وتشمل كل الناس أينما كانوا. لا أحد مستثنى منها. لا تقتصر على جذب نوعية معيّنة من البشر بل جميعهم. وتأثيرها واسع ولا يقدر أحد أن يهرب منها. تجذب الجميع لأن كل واحد يملك داخله شوقاً جامحاً الى معرفة الحقيقة ويكفي القليل لإيقاظ هذا الشوق النائم في ذاكرتنا العميقة.

وهذه الجاذبية تفعل فعلها وفقاً لاستعداد الشخص الى الرؤية والإصغاء. يمكن القول ان كل إنسان يختبر في حياته ظهور نجم متألق، ليس فقط في السماء بل في قلبه أيضاً. هو نور يختلف عن أي نور آخر، نور يضئ نواحي الحياة الغامضة مثل الألم والموت. وهذه ممرات "فصحية" نجد أنفسنا ملزمين باجتيازها عاجلاً أم آجلاً. إنه نور لا يفسّر كل شئ ولكنه يساعد على السير ويدلّ على المرحلة القادمة. وعندما يظهر هذا النجم، لا نقدر إلا ان نسافر على هُداه ولا شيء يبقى كما كان.

ليس الطريق سهلاً أبداً وتبقى قوية تجربة الرجوع الى الوراء. يغيب النور أحياناً ويراودنا الشك بأننا على خطأ وقد ضللنا الطريق. إنها لحظة المحنة، ولحظة الإيمان. ونكتشف حينئذ أنه على نفس الطريق يسير أشخاص آخرون منجذبون إلى النجم نفسه وبإمكاننا سؤالهم أين هو المولود.

نجد دائماً جواباً يعيدنا الى الطريق. فيظهر النجم من جديد مما يضاعف فرح الذين لم يكفّوا عن السير والبحث والإيمان.

الى ان يقودنا النجم؟ ينقلنا الى فعل سجود، الى انحناءة أمام السر الذي صار قريباً. يقودنا الى تقدمة عطايانا التى سافرت معنا والتي تروي جزءاً من قصة حياتنا. لقد سرنا في الطريق كن نتمكن من تقديمها.

إنه عمل نقوم به لا بل هو أسلوب حياة. يحاول الله جذبنا ولكن لا يقبل الجميع الانجذاب. ويخبرنا الانجيلي متّى بأن الأقربين والأكثر حظوة، اولئك الذين لا يعانون من صعوبات في الطريق، هم الذين يرفضون الانجذاب وشدّ الرحال.

إن الرؤساء والكتبة يعرفون كل شئ عن النور ولكنهم لا يرغبون فيه ولا يريدون السير نحوه. هيرودس أيضا يخشى النور ولا يريد السير.

ولكي ننجذب الى النور، علينا أن نترك شيئاً ما، أن نخسر الراحة والامتيازات والضمانات التي تمنحنا أمناً مزيّفاً وأن نُقبِل على تغيّر جذري. إنها مسيرة تدوم العمر كله، وتبدأ دائماً من جديد ولا يمكننا إلا أن نقوم بها لأننا منجذبون الى ذلك الشخص الذي أتى إلينا من بعيد ورغب في لقيانا قبل أن نرغب نحن في لقياه.

وماذا سيلقى الشخص في نهاية هذه الرحلة.

سيلقى إلهاً محيّراً ينحني أمام الإنسان ويفتقر أمامه ومن أجله، يغسل أقدامه، يعطي ذاته له تماماً وحتى النهاية. لهذا جدير بنا اتباع هذا النور الذي يجذبنا ويدعونا إلى السير نحوه.