موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ ابريل / نيسان ٢٠١٨
عظة المطران بيتسابالا للأحد الخامس من الزمن الفصحي

:

لقد رأينا في الأحد الماضي كيف أن صورة الراعي الصالح، التي شبه يسوع نفسه بها (يوحنا ١٠)، تضرب جذورها في العهد القديم. ويحقق يسوع مواصفات الراعي الصالح، الذي لا يفر من الخطر بل يبقى ثابتا مكانه يبذل نفسه وحياته.

نعود اليوم أيضاً لنرى الديناميكية نفسها من خلال صورة الكرمة. وكي نفهمها، سنرجع إلى نص النبي أشعيا ٥: ١- ٧. هذه المرة، لا يأتي الانتظار من إسرائيل بل من الله، الذي يتطلع إلى كرمة صالحة تثمر عنباً وليس أكثر. لقد غرس "أفضل كرمة" في "رابية خصيبة"، وأزال الحصى منها واعتنى بها. إلا أن الكرمة أثمرت "حِصرِماً برّياً" ولم تثمر ثماراً صالحة.

هذه هي حالة الإنسانية التي وصفها يسوع وصفا جيدا في إنجيل اليوم، حينما قال أنه بمعزل عنه لا نستطيع أن نعمل شيئاً (يوحنا ١٥: ٥). إن الكرمة وحدها لا تستطيع أن تثمر ثمراً يحقق تطلعات الله لأن الإنسانية لا تستطيع عيش حياة حقيقية وجميلة، ما لم تمتلك بداخلها الحياة الأبدية. إن الثمر لا يعتمد على قوانا أو جهودنا حتى وإن كانت حسنة، فالثمر سيبقى أمراً آخراً.

إذاً ماذا كان ينقص الكرمة التي يتكلم عنها النبي أشعيا لكي يكون الثمر صالحاً؟ ألم يعتن الله نفسه بها؟

إن ما كان ينقص الكرمة بكل بساطة هو يسوع.

لهذا السبب يشبّه الرب نفسه بالكرمة الحقّ (يوحنا ١٥: ١)، التي في النهاية تثمر الثمر الذي ينتظره الله، وتكون قادرة على قول نعم للآب من دون تحفظ، وأن تعيش حياة الآب نفسها.

يفتح يسوع أبواب هذه الحياة لكي تصبح حياة كل البشر، يشارك فيها الجميع، تماماً كما يشارك الغصن في حياة الكرمة.

وبخصوص هذه الكرمة يشير يسوع إلى خاصيتين.

الأولى هي خبرة التقليم أو التقضيب: من أجل إنتاج الثمر، من الضروري أن نقبل أن يتم تقليمنا أو تقضيبنا: "كلّ غُصنٍ يُثمر يُقَضِّبُه ليكثُرَ ثَمَرُه" (يوحنا ١٥: ٢).

من المثير للاهتمام أن فعل "قضّب" في اليونانية قريب لفظيا من كلمة "طاهر" التي يستعملها يسوع مباشرة بعد فعل قضّب بقوله: "أنتُمُ الآن أطهار" (يوحنا ١٥: ٣)، أي مقضَّبون.

من أجل حمل الثمر، يجب أن يحافظ الانسان بداخله على حياة الكرمة، دون أي شيء آخر. يجب التخلّص من كل ما هو إضافي وزائد كي لا يكون الغصن شيئاً يختلف عما يجب أن يكون: يجب أن يكون جزءًا من الكرمة.

وبناء على ذلك، فإن حياة التلميذ تعود دوماً إلى جوهرها وحقيقة ما هي عليه. أن نكون طاهرين يعني أن نكون ذاتنا.

لكن كيف يحدث هذا التطهير وهذا التقضيب؟

يؤكد يسوع أن كلامه هو ما يحقق هذا الأمر (يوحنا ١٥: ٣): إن من يصغي لكلامه حقاً، يترك نظرته اتجاه نفسه والآخرين، ويصبح قلبه بسيطاً.

أما الخاصية الثانية، فتتعلق بمعنى أن يكون الانسان ذاته. يكون الغصن ذاته عندما يثبت في الكرمة.

ما هو مطلوب ببساطة هو الثبات، وهي كلمة نسمعها سبعة مرات في قراءة اليوم: ما تعنيه هو أن الدخول في الحياة الجديدة قد تم فعلاً وأنه من العبث البحث عنها أو الاستيلاء عليها بقوانا. إننا ندخل في الحياة الجديدة من خلال النعمة وهبة العماد التي تمنحنا العصارة الحيوية أي حياة الله التي تدمجنا في الكنيسة.

يجب أن نثبت هنا وأن لا نضل طريقنا في البحث عن الحياة في مكان آخر: يؤكد لنا يسوع أن من لا يثبت فيه سوف يُلقَ إلى الخارج "فيَيْبَس" (يوحنا ١٥: ٦)، ويموت.

إن من لا يثبت في الله ومن يعش حياة اكتفاء وانكفاء ينبذ بذلك الحياة والخصوبة، تماماً مثل حبة القمح التي تكلمنا عنها في الأحد الخامس من زمن الصوم. لقد رأينا أن الحياة المنغلقة على نفسها هي حياة منعزلة لا تعرف إلا مساحات ال "أنا" الضيقة. إن مصير هذه الحياة هو الهلاك.

لكن من يثبتْ يعِشْ ملء حياة الله: سيشارك الله نفس المشاعر ونفس أسلوب الفهم والتفكير ونفس النظرة إلى أمور الحياة ونفس المحبة التي بها يحبّ الجميع.

لهذا السبب يستطيع هذا الشخص أن يسأل ما يشاء (يوحنا ١٥: ٣)، لأنه سيسأل فقط عن الحياة الجديدة والقائمة من الموت، حياة الشراكة مع الله والآخرين، وكلهم أعضاء في الجسد الواحد.