موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
حراسة الأراضي المقدسة ضمن وفد فلسطيني رسمي للتعزية بشهداء مصر

القدس - مارلن الحذوة :

شارك الأب ابراهيم فلتس، عضو المجلس الاستشاري في حراسة الأراضي المقدسة، في الوفد الرسمي المكلف من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم واجب العزاء بشهداء الكنيسة البطرسية في مصر، إلى جانب الشسخ محمد حسين المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، والأب عيسى مصلح الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، والمطران منيب يونان رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، والدكتور الشيخ خميس عابدة وكيل وزارة الأوقاف، والشيخ محمود العبوشي عضو مجلس القضاء الأعلى الشرعي.

وقال الأب فلتس فور عودته بأن هذا أقل ما يمكن تقديمه في سبيل التعبير عن المحبة والمواساة والتضامن والتعزية في هذا الحدث الجلل، مثمنًا مبادرة الرئيس التي تعبر عن صدق انتمائه إلى المظلومين وكرامة وحرية الإنسان في كل مكان وخصوصًا لمصر الشقيقة الكبرى والداعم الكبير للشعب الفلسطيني والتي امتازت دائما بمواقفها ومبادراتها.

وأضاف: إن الزيارة تضمنت لقاء قداسة البابا تواضروس وتقديم واجب العزاء لقداسته ومن خلاله إلى أسر الشهداء، بالإضافة إلى زيارة الأزهر الشريف ولقاء مميز ومعبر جدًا مع الإمام الأكبر ومفتي الديار المصرية والعديد من رجال الدين، حيث تأتي أهمية هذا اللقاء من المكانة الخاصة لهذه المؤسسة الدينية العريقة على الصعيد الإسلامي وأهمية ما يصدر عنها من مواقف كان آخرها الاستنكار الشديد لتلك العملية.

تابع: كما تضمنت الزيارة لقاء عدد من نواب البرلمان المصري بحضور المخرج الكبير خالد يوسف، وأكد بانه لم تكن تلك اللقاءات إلا دعمًا كبيرًا في طريق العمل المشترك وتبادل الآراء في سبيل الوصول إلى ما فيه خير الإنسان والانسانية، كما تأتي في إطار تقديم واجب العزاء والذي يحتم عمل كل ما يلزم في سبيل عدم تكرار مثل هذه الأعمال.

وواصل الأب فلتس بأن كل عضو من أعضاء الوفد قد ألقى كلمة وبأن كل الكلمات تضمنت الاستنكار الشديد لهذا العمل البشع والتأكيد على أن الدين يحدد علاقة الإنسان مع ربه وعلاقته مع أخيه الإنسان والتي تبنى على المحبة والاحترام والحرية.

ومن الجدير بالذكر بأن الأب فلتس كان قد ألقى كلمة شاملة عبر فيها عن أعمق مشاعر التعزية والدعوة للوحدة والعمل المشترك والحفاظ على تاريخ مصر المشهود له بالأمن والأمان منذ أيام هروب العائلة المقدسة إلى مصر وحتى يومنا هذا، داعيًا للوقوف أمام من يمثلون هيرودس هذه الأيام في قتله للأطفال قبل ألفي عام.

وعبّر عن إيمانه بأن فشل هيرودس آنذاك سيتكرر مع من يتمثلون به الآن من إعداء الانسانية. وقدّم التعازي باسم الرئيس محمود عباس ورجال الدين وعموم الشعب الفلسطيني، داعيًا الشعب المصري بأن يكون يدًا واحدة فالخاسر هو كل الشعب.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها أمام البابا تواضروس:

قداسة البابا تواضروس بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية جزيل الإحترام. أهلنا وأحبتنا في مصر، هذه الأرض المباركة بشعبها وتاريخها، هذا الشعب الذي حيّر العالم بوحدته وقوته، وأذهل الناس بجبروت ارادته، ووضوح رؤيته، وشفافية أهدافه. أهلنا الأعزاء، المفجوعين والمتألمين، ولا نقول فئة ولا طائفة ولا دين بل أهلنا وأحبتنا الشعب المصري العظيم.

جئناكم من تلك الأرض التي تستعد في هذه الأيام لإحياء الميلاد المجيد بكل ما فيه من تعزية وأمل. جئناكم من فلسطين تلك الأرض التي تشرفت قبل ألفي عام باحتضان ميلاد أمير السلام الذي جاء حاملا للعالم التعزية والرجاء والخلاص. رسالة لم يفهمها سوى البسطاء والفقراء. رسالة زرعت في قلب هيرودس الخوف من ملك سينافسه الحكم، لقصر رؤيته والتباس بصيرته ولضيق افقه الذي يحصر الملوكية بالسلطان البشري والسلام بالقوة والبطش والقتل، مما حذا به ان يقتل أطفال بيت لحم وكله أمل بأن يقتل ذلك الطفل. ولكن العناية الإلهية والأبوية لله خالقنا جميعا أوصت العذراء ويوسف بأن يحملوا الطفل ويتوجهوا الى أرض امنة حيث كانت مصر هي تلك الأرض.

وللأسف فها هي يد هيرودس تلبس ثوبا اخر واسما جديدا ولكن الهدف واحد، قتل الأمل وزرع الخوف والإحباط، ولكنها مصر العصية على كل المؤامرات، تبقى مصر الأمن والأمان والتي كانت وبمشيئة الهية وجهة الطفل والعائلة المقدسة قبل الفين وستة عشر عاما، ستبقى كذلك بنفس وإرادة شعبها العظيم، وحكمة وروية قيادتها الدينية والسياسية الحكيمة.

قداسة البابا، أهلنا واحبتنا،

جئناكم، رجال دين مسلمين ومسيحيين، ممتعضين مما أصابكم، ومشمئزين من تلك الهمجية والوحشية التي وبكل ثقة نقول لا تمت لأي دين بصلة. فالدين عباءة لاولئك المجرمين، وشعار يتمسحون به لخدمة أهدافهم الدنيئة. جئناكم حزينين، مكسوري القلوب لتلك الأرواح الطاهرة التي أزهقت، وعزاؤنا بأنها تصلي لنا الان من السماء، فهي بجوار ربها ملائكة تسبح عرش الله العلي القدير، وتدعو بالغفران والمسامحة لا بالانتقام والقتل فهذا طريقهم وليس بطريقنا.

جئناكم محملين بأصدق مشاعر المواساة والتعزية من شعب فلسطين، كل فلسطين بكافة أطيافه والوانه، جئناكم نحمل رسالة تعزية ومواساة من السيد الرئيس محمود عباس ابو مازن، رسالة صادقة صدق ايمان هذا الإنسان وعطائه في سبيل حرية وكرامة الإنسان، رسالة واحدة لا ثاني لها، وهي أن ليس فينا وليس منا من يقتل النفس لأي سبب كان، فكم بالحري تحت مسمى الدين. رسالة واحدة لا ثانية لها، بأن ليس فيكم وليس منكم من سيسهل للإرهابيين طريقهم من خلال تحقيق اهدافهم بزرع الفرقة، فوحدتكم ابهرت شعوب الأرض، ولا زال شعب فلسطين يذكر تلك الملايين المؤللة التي اتحدت وخرجت في رسالة واضحة لم يستطع أنسان على وجه الأرض ان ينكرها.

قداسة البابا تواضروس، أهلنا وأحبتنا في مصر العظيمة، مرة أخرى، لن نقول مسيحيين أو مسلمين، بل سنقول بأن مصر كاملة تحتاج التعزية، فعزاؤنا لكم جميعا، دولة وشعبا وكنيسة، عزاؤنا الى تلك الملايين من البشر التي تعيش على ضفاف نيلٍ منح الحياة عبر الاف السنين الى ملايين البشر، فليس لهؤلاء الإرهابيين من أمل في تغيير هذا التاريخ.

إن تلك النفوس الطاهرة التي عادت الى ربها شهيدة، تبث روحاً جديدة في تلك الأرض لتكون مرة اخرى ملاذا لكل المضطهدين وملجأ لكل المحتاجين.

قداسة البابا، ومن خلالكم الى كل عائلة ثكلى وكل انسان فقد عزيزا في هذا العمل الإجرامي، هنا وفي كل أرجاء مصر العظيمة نقول باسم السيد الرئيس وباسم رجال الدين الحاضرين وباسم الشعب الفلسطيني، بأن كلمات السيد المسيح التي قالها في فلسطين وفي عظة الجبل تحديدا، والتي تحمل في كل سطر كلمة لفئة معينة، تتلخص فيكم، وتتحد كلها وكأني بها تتردد كلها لكم اليوم:

"طوبى لفقراء الروح لأن لهم ملكوت السماوات.
طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَعزوْنَ.
طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ.
طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ.
طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ.
طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.
طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.
طُوبَى لِلْمَضطهدين مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ"

رحم الله الشهداء، وصبّر اهلم وذويهم، وأعانكم بقوةٍ من لدنه على تحمل هذه التجربة، وساعدكم على ان تكونوا شهودا لرسالة المسامحة والمغفرة التي تعود لقوة ايمانكم وصلابة جبهتكم ورسوخ انتمائكم الى ارضكم وارضنا مصر العزيزة العظيمة.