موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث للزمن الفصحي 2024

بطريرك القدس للاتين :

 

قراءة إنجيل الأحد الثالث للزمن الفصحي (لوقا 24: 35- 48) بتمعن عميق مع إنجيل الأحد الماضي (يوحنا 20: 19- 31) يُظهر الترابط بينهما: بينما يجتمع التلاميذ في البيت، يظهر الرب القائم من بين الأموات بينهم ويمنحهم سلامه. وحين أراهم جراحه دعاهم ألا يخافوا، ففرحوا فرحًا عظيمًا.

 

تدعونا الكنيسة إلى التوقف للحظةٍ عند العلّية حتى نتعلم التعرّف على الرب ونستقبل علامات حضوره الفصحية، وذلك لأن الكنيسة تعلم كم أن هذا مهم لحياتنا الإيمانية.

 

أولًا، أود أن أشدد على ما لا يقوله يسوع القائم من بين الأموات.

 

لا يُطمئن القائم من بين الأموات تلاميذه أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنهم لن يواجهوا أي مشاكل. ولا يقول أن زمن المعاناة قد انتهى وأن كل شيء سيكون سهلاً من الآن فصاعدًا.

 

الرب لا يضلل، تماما كما لم يضلل أحدًا خلال سنوات حياته الأرضية. لقد اقترح على تلاميذه طريقًا شاقًا، ساروا عليه هم أيضًا مثله، من خلال حمل صليبهم. الرب لا يخدع، فقيامته لا تفرض على العالم عصرًا جديدًا ولا نمط حياة جديدًا. بدلاً من ذلك، فهو يقدم هذا الطريق ويقترحه.

 

يقدمه لأولئك الذين يؤمنون بأن القيامة هي حقًا أسلوب حياة، وللذين يؤمنون بأن من يبذل ذاته ويحيا في المحبة والعلاقات هو وحده الحقيقي والأبدي.

 

لهذا السبب ذكرنا الأحد الماضي أن السلام والفرح هما من العطايا الفصحية: فهما يولدان فقط من الفصح ولا يمكن أن ينالهما إلا أولئك الذين يسيرون على خطى الرب ويجتازون الموت معه ليدخلوا حياة جديدة.

 

كما يؤكد مقطع اليوم على ثلاثة جوانب من مسيرة الإيمان والاهتداء هذه.

 

أولا، نرى الرب يأكل ويشرب ما يقدمونه له (لوقا 24: 42-43) "لإقناع" تلاميذه بأنه ليس روحًا.

 

وهذا يعني أن القائم من بين الأموات ليس صورة أو فكرة: بل إنه موجود، وهو من يشاركنا الحياة دائما.

 

يوعد يسوع أن يكون مع كنيسته دائمًا، على مدار التاريخ. لن يواجه زماننا تحديات أقل من زمنه، ولكن سيتمكن الذين يتبعونه من الاتكال عليه وعلى نعمه الفصحية، وعلى الروح الذي سيهبهلهم في عيد العنصرة.

 

ثانيًا، وفقا لما كُتب في إنجيل لوقا: "... وحينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب" (لوقا 24: 45).

 

بعد تناول الطعام، يتأمل يسوع مع تلاميذه في تاريخ الخلاص كما ورد في الكُتب. ويقوم بهذا الفعل الذي يليق بالرب المصلوب والقائم من بين الأموات: يفتح.

 

مات يسوع وهو يفتح، بمعنى أنه عندما مات فتح حجاب المَقدِس، وفتح قلب قائد المائة على الإيمان وفتح القبور

 

ويستمر يسوع القائم من بين الأموات في الفتح: يفتح القبر ويفتح أذهانهم ليفهموا الكُتب. ومثلما يفعل الراعي الصالح، كما سنرى الأحد المقبل، يفتح الحظيرة حيث حُبِسَ القطيع دون أمل في الخروج.

 

يفتح القائم من بين الأموات الأذهان، أي يجعلهم يرون الحياة الحقيقية والتي تتمثل في الفصح المستمر. ويجعلهم يرون أن هذا كان مكتوبًا دائمًا، لأنه كان منقوشا منذ الأزل في أعماق حياة الله وفي علاقته مع الإنسان عبر التاريخ.

 

ثالثًا، بما أن باب الحظيرة قد فُتح، فُتدعى الكنيسة إلى المغادرة. المغادرة من أين وإلى أين؟

 

المغادرة من مجرد اختبار لقاء المسيح القائم من بين الأموات والتوجه نحو كل مكان بأذهان منفتحة على فهم كلمة الله، وأن نكون شهودا لمنطق الله، منطق الفصح، الذي كان حاضرا دائما في الكُتُب، وتحقق في يسوع. لا يمكن للكنيسة أن تعلن أي شيء آخر غير هذا، فهذا ما اختبرته.

 

لقد شهدت الكنيسة بشكل خاص غفران الله حيث نلنا الشفاء والخلاص اللذين تحقق بالمسيح القائم من بين الأموات.

 

وفي اللحظة التي تعلن فيها الكنيسة أي شيء آخر، وتتبنى منطقًا آخر، فإنها تتوقف عن كونها كنيسة الرب المصلوب والقائم من بين الأموات، ولن تعود مخلصة له، ولا حتى لنفسها.

 

لهذا السبب يدعونا زمن الفصح إلى البقاء في العلّية، حتى تنفتح أذهاننا أيضا على الكُتب، حتى نتعلم كيف نكون الكنيسة التي تفسح المجال للقائم من بين الأموات والتي تسير معه وتشهد له بإخلاص، انطلاقًا من القدس.