موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٨ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٣
بالدموع والصلوات سكان قرقوش العراقية يودعون ضحايا الحريق الدامي
في مقبرة البلدة المسيحية الواقعة في سهل نينوى، تجمّع المئات من المشيّعين حول رؤساء الكنائس الذين رددوا ترانيم باللغتين السريانية والعربية

أ ف ب :

 

تحت صورة للسيد المسيح وعلى وقع الصلوات، مرّرت النعوش الواحد تلو الآخر نحو المقبرة أمام أنظار المئات من المشيعين في بلدة قرقوش في شمال العراق الأربعاء، جاؤوا ليودّعوا بعض ضحايا الحريق المفجع الذي وقع خلال حفل زفاف الليلة الماضية.

 

على أكتافهم، حمل رجال النعوش التي لفّ بعضها بالأبيض وزيّنت بالورود، فيما تصدّرت صور الضحايا المواكب، بينهم أطفال. سارت النساء جنبًا إلى جنب، متكئات على أكتاف بعضهنّ البعض، ذارفات الدموع ومتشحات بالسواد تعبيرًا عن هول المأساة.

 

ليل الثلاثاء-الأربعاء، كان هؤلاء الذين يُنقلون إلى مثواهم الأخير من بين مئات المشاركين في حفل زفاف في البلدة المسيحيّة نفسها التي تعرف كذلك باسم الحمدانية، قبل أن ينشب حريق مفاجئ ويحوّل الفرح إلى حزن. وأودت النيران بنحو 100 شخص وأسفرت عن إصابة 150 آخرين بجروح بحسب السلطات العراقية.

 

وخلال دقائق بل ثوانٍ، تغيّرت حياة هؤلاء حين التهم الحريق قاعة الزفاف بسرعة قياسية كما قال شهود عيان. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت وسائل إعلام عراقية مقاطع فيديو صوّرها بعض الحاضرين قبيل اندلاع الحريق، تظهر أجهزة ألعاب نارية وهي تطلق الشرارات التي لامست سقف القاعة وأشعلته.

كلنا ميتون

 

في المقبرة في قرقوش، وأمام المدافن العائلية المرصوصة بعضها قرب بعض، وقف رجال ونساء يبكون بحرقة ويعبّرون بأصوات مرتجفة عن عمق الألم الذي يشعرون به. وركعت امرأة لتقبّل صورة شابة زيّنت بالورود. جاءت سميرة شيتو ربّة المنزل البالغة 53 عامًا لدفن 15 شخصًا من أقربائها. وتقول المرأة "نحن دفنا 15 شخصًا... من الأب إلى أصغر طفل يبلغ اربع سنوات".

 

وتضيف فيما ارتجف صوتها "توفي لنا أيضًا رجل وابنتاه التوأمان، لكن لم يعطونا إياهم بعد". تتوقف المرأة بعد ذلك عن الكلام وتتنهد، ثم تسأل "من المسؤول؟ صاحب القاعة الذي لم يؤمن فيها ضمانًا". وتكمل سميرة "لم يبق لدينا إحساس، أصبحنا جميعًا بلا إحساس، كلنا ميتون، لا يوجد شخص في قرقوش ليس ميتًا، ولا يوجد شخص لم يفقد شخصاً من أهل وأصدقاء".

"حملت الجثث بيدي"

 

خلال مراسم التشييع، ردّد المصلّون بصوت واحد، صلاتي "أبانا الذي في السماوات" و"السلام عليك يا مريم" ليرتفع بعدها صوت الترانيم من جديد، ويجول المشاركون بنعوش الضحايا المرفوعة على أكتافهم في باحة المقبرة. ورفض كثر من المشاركين في التشييع الكلام رداً على أسئلة صحافيين.

 

وبحسب الدفاع المدني العراقي فإنّ "معلومات أولية" تشير إلى أنّ سبب الحريق هو "استخدام الألعاب النارية أثناء حفل الزفاف" ممّا أدّى إلى "اشتعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر"، فضلاً عن استخدام مواد بناء "سريعة الاشتعال" و"مخالفة لتعلميات السلامة" المنصوص عليها قانوناً، ما أسهم في زيادة شدّة الحريق. وعلى وقع الخوف والهلع، حصل تدافع بين المشاركين في حفل الزفاف ولم ينجح كثر منهم من الهرب في الوقت المناسب، خصوصاً بسبب النقص بعدد مخارج الطوارئ.

 

كان رونق صبيح البالغ 41 عامًا داخل القاعة حين هبّت النيران. ويروي "كان العروسان يرقصان، قبل أن يتمّ تشغيل الألعاب النارية". ويضيف هذا العامل بأجر يومي "كان السقف مزينًا بالريش، التقط الريش النيران... وشبّت نيران فظيعة". ويكمل رونق أن "أفراد عائلتي سقطوا أرضًا وحاولت أن أسحبهم من بين الناس، وبدأنا نصرخ". ويتابع "اتصلنا بالإطفائيات... اتصلنا بكل العالم"، مضيفًا "أنا أخرجت جثثًا، حملتها بيدي، وضعناها في بطانيات، وأرسلناها إلى المستشفى".