موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
المدبر الرسولي في عشية الفصح: أمام الألم والموت، علينا العودة إلى قيامة المسيح

أبونا :

 

ترأس المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا، القداس الإلهي أمام القبر الفارغ في كنيسة القيامة، بمناسبة عشية عيد الفصح، بمشاركة عدد من الكهنة والرهبان الفرنسيسكان من حراسة الأراضي المقدسة.

 

وقال المدبر في عظته: "إنّ الفراغ الذي علينا أن نعيشه هذه الأيام، ليس مجرد غياب الناس أو الأشياء أو الممارسات، بل يبدو كثيرًا كفراغ قبر الرب. وكما حصل في صباح الفصح، أدرك التلاميذ أن المسألة لا تتعلق بموضوع فراغ ما، بل بسر حياة جديدة، وأن الإعلان الفصحي الذي تردد صداه لتوّهِ يدفعنا الى الإيمان بأن سرًا ما سينكشف أمام عيوننا وأن كلمة جديدة ستلد من هذا الصمت".

 

وفيما يلي نص العظة كاملة:

 

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، بالرغم من غرابتها، إن الخبرة التي نعيشها في هذه الأيام هي أقرب ما تكون للفصح وللرمز الثمين والقوي الذي هو قبر المسيح الفارغ حيث نُقيم احتفالنا.

 

في الحقيقة، تتميز الأيام التي نعيشها بفراغ عظيم، فراغ في الشعائر والوجوه وحضور الناس والاتصال بهم، إذ سلَبَ منّا تفشي وباء شديد أمننا وممارساتنا واحتفالاتنا ولقاءنا بعضنا البعض، وهيمن علينا خوف يختلط بالاضطراب والذهول. نشعر بالضياع والحيرة والعجز. لا نستطيع أن نفهم ما يجري الآن وما هو آتٍ وماهية الطريقة التي، إن وجدت، سنستعيد بها حياتنا.

 

ألم تختبر النسوة هذا الشعور في فجر الفصح الأول؟ ألم يكن هذا هو شعور التلاميذ بعد آلام الجمعة العظيمة وصمت السبت؟ ألم تكن خبراتهم المأساوية شبيهة بما نمر به الآن؟ لقد أصبح مكان المعلم على الطاولة فارغًا، وقد فُقد المركز الذي جعل منهم جماعة، كما وأصبحت المدينة المقدسة الفارغة والغريبة مصدر عداوة، وقد وهنت الصداقة جرّاء الخيانة وعدم الإخلاص. وحتى حينما دفعهم رجاء جديد وغريب إلى الاندفاع خارجًا، وجدوا أنفسهم أمام هذا القبر… الفارغ.

 

وعليه، يجب ألا نسرع بالابتعاد عن هذا الشعور. بعد أن تفهمنا معاني الجمعة العظيمة وسبت النور، علينا نحن المسيحيين أن تواجه الموت والقبر وصمت الله والإنسان. إن فرح الفصح، في الحقيقة، ليس مجرد نهاية سعيدة لقصة يسوع وللإنجيل حيث عاشوا جميعًا حياة سعيدة للأبد. كما لا يمثل فرح الفصح الغاء ألم العالم أو جروح التاريخ العديدة.

 

يقوم فرح الفصح الحقيقي على القدرة الجديدة على النظر إلى الفراغ ومحاورة الألم ("لماذا تبكين، أيتها المرأة؟" يوحنا ٢٠: ١٥) لرؤية علامات الموت والإيمان.

 

هنا بالتحديد، "رأى التلميذ وآمن"، ذلك التلميذ الذي سبق ورأى الفتحة في جنب يسوع ونظر إلى مَنْ تم طعنه.

 

وهنا اليوم، من أجلي ولأجلكم ولأجل أبرشيتنا والكنيسة والعالم، أود أن أسأل الرب أن يمنحنا نظرة فصحية ورؤية جديدة لنستجيب على نحو أفضل ليسوع الذي يكرر قوله: "هلم وانظر".

 

أنا على قناعة، في الواقع، أن الفراغ الذي علينا أن نعيشه هذه الأيام، ومَنْ يدري إلى متى، ليس مجرد غياب الناس أو الأشياء أو الممارسات، بل يبدو كثيرًا كفراغ قبر الرب. وكما حصل في صباح الفصح، أدرك التلاميذ أن المسألة هنا لا تتعلق بموضوع فراغ ما، بل بسر حياة جديدة، وأن الإعلان الفصحي الذي تردد صداه لتوّهِ يدفعنا الى الإيمان بأن سرّا ما سينكشف أمام عيوننا وأن كلمة جديدة ستلد من هذا الصمت.

 

وعليه، فأنا أعتقد أن جميعنا بحاجة، في الأيام والأشهر القادمة، إلى تجديد قدرتنا على التأمل والحصول على رؤية جديدة. لن يكون كافيًا أن نتسلح بالشجاعة وحسب لمواجهة الصعوبات الحتمية والأزمة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي ستسببها هذه المأساة. تتغذى الشجاعة من الرؤية والتدقيق، وإلا فكل الجهود الأخرى ستتوقف قريبًا.

 

الرؤية: اليكم ما نطلبه وما نريده. القدرة على أن نرى، عبر الألم والموت، الأشياء الجديدة التي يخلقها الله ويعيد تكوينها.

 

برفقة مريم المجدلية، علينا أن نذهب إلى ما وراء الدموع والأسى على ما فُقد وأن ننفتح بشجاعة على علاقات جديدة حيث يقوى الإصغاء والاندهاش أمام الآخر وحياته، وخاصة إن كان ضعيفًا وهشًا، ويأتي ذلك قبل منفعتنا وأحكامنا المسبقة ومكاسبنا.

 

برفقة النسوة، علينا أن نعرف كيف يمكننا التعرف على يسوع القائم من بين الأموات والسجود له (متى ٢٨: ٩)، أي أنه علينا العودة إلى رؤية الله، وأن نرى فيه أصلنا ومصيرنا إذ نرى أنفسنا بمثابة أبناء وإخوة وأفرادًا ينتمون إلى إنسانية أكثر هشاشة وأخوّة ومساندة. لا يمكن لضعفنا بعد الآن أن يتخفى وراء الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية التي تمتاز بالغطرسة والكبرياء، بل سنعيشها بثقة أكبر بالآب والإخوة.

 

وبرفقة بطرس ويوحنا، علينا أن نعرف كيف نقول، مرارًا وتكرارًا، لأولئك المتشككين والمحبَطين (ثمة الكثير منهم…): "رأينا الرب!" (يو 20: 25). وفي وجه الألم والموت اللذين يُخيّمان على الإنسانية في هذه الأيام، ندرك أن علينا العودة إلى الإعلان الفصحي لقيامة المسيح وفصحنا، والذي كثيرًا ما نبقيه نحن المسيحيين قيد الكتمان. فقط عبر يقين قوي بالمحبة التي انتصرت على الموت سنستطيع أن نَثبت على الرجاء، أو كما يتردد في بعض الأماكن في العالم "كل شيء سيكون على ما يرام". من دون الإيمان بالفصح، ستكون كل مواساة والتزام لتحقيق العدل والسلام حلاً مؤقتًا لقلب إنسان يتوق إلى القيامة مرة أخرى.

 

أخوتي وأخواتي، من أمام هذا القبر الفارغ، ووسط الفراغ الذي يعيشه كل واحد منا على طريقته، أُعلن مرة أخرى أن المسيح حيّ وينفخ فينا وفي الكنيسة روح حياته، وأن هذا الفصح لا يزال خلقًا جديدًا، وأن الفوضى في العالم ستجد نظامًا وبهاءً لها. أعطانا الله عينيه لرؤية الأمور الحسنة التي يصنعها لأولئك الذين يؤمنون ويضعون رجاءهم في حبّه. آمين.